انتهاء الازمة ومرحلة الاستقرار

مرحلة ما بعد الأزمة

مرت الأزمة وكانت الأعصاب مشدودة لمدة أشهر، وقد استقرت الأوضاع، و هدأت النفوس، وتغير كل شيء حولي، وتغيرت أنا نفسي، وبدأت برحلة الاعتماد على النفس ومرحلة الشعور بالمسؤولية، وعكفت على متابعة ما كنت أفكر به من قبل، وتعلمت أن أمشي خطوة خطوة، ولا أتعجل, وأن استوعب الجميع، وأن أسمع للجميع، وفي النهاية أفعل ما أؤمن به وما أجده نافعاً وصحيحا..

وبدأت أكسب الأصدقاء والأنصار ثم مددت يدي لكل الآخرين لأكسب ثقتهم وأجمعهم حول مشروع ثقافي يخدم الثقافة الإسلامية ويسهم في تعزيز الهوية الثقافية الإسلامية للمغرب، وكان المشروع لكل المغرب، ولخدمة الثقافة المغربية، وكان معظم المغاربة والأحزاب السياسية ينظرون لدار الحديث الحسنية كمؤسسة ملكية و لخدمة النظام  و لتكوين علماء للدفاع عن النظام، ولذلك كانت المؤسسة تعيش في حالة عزلة وغياب و تعثر ، وحاولت أن أجعل المؤسسة داراً للثقافة الإسلامية، وداراً للمغرب كله و للمغاربة حيث كانوا في الشمال والجنوب، ولكل الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها، وأقامت علاقات وثيقة مع الأحزاب المعارضة وبخاصة حزب الاستقلال وهو الحزب الذي كان يمثل كل الوطنيين ثم انقسم إلى أحزاب وتيارات فكرية وسياسية، وشعر هؤلاء ان المؤسسة ولو كانت تخطى برعاية الملك فإنها ملتزمة بالمواقف الإسلامية وترفع شعارات الإصلاح كما يفعلون , وتتعرض لتحديات وضغوطات كما يتعرضون , وازداد الإقبال على الدار وأصبح كل شاب يحمل الإجازة في العلوم الإسلامية والشرعية وفي أصول الدين أو في الحقوق أو اللغة العربية يطمح في الدراسة في هذه الدار وأصبحت الجامعات المغربية تتسابق لإختيار الخريجين من الدار للتدريس فيها وبخاصة بعد أن أنشئت شعب الدراسات الإسلامية وأصبحت صحف المعارضة تنشر أخبار النشاط الثقافي وأخبار المناقشات العلمية بعد أن كانت تعارضها، وأصبحت مناقشات الأطروحات والرسائل أمراً عادياً وهي لقاءات ثقافية هامة ويحضرها جمهور كبير من المثقفين , وكانت الدار تستعين بأفضل الكفاءات المغربية في الجامعات المغربية للمشاركة في مناقشة هذه الأطروحات، وأصبحت دار الحديث الحسنية شعلة ثقافية تضاء مصابيحها في كل أمسية باللقاءات الثقافية والندوات والمناقشات والحلقات العلمية في مختلف الموضوعات وبمنهجية متميزة باحترام الحرية الفكرية والانفتاح على الأفكار والآراء، والابتعاد عن التعصب المذهبي والانفعال والتطرف واحترام رأي الآخر المخالف حيث يكون، وإثارة كل الموضوعات واحترام حرية النقد وأحس كل مواطن مغربي  أن هذه الدار العلمية هي دار له وتعبر عن شخصيته وثقافته ,وحاولت أن تكون معظم هذه الموضوعات ذات صفة مغربية وتهتم بالتراث المغربي والإسهام المغربى في خدمة الثقافة الإسلامية وكنت أستقبل كل يوم شخصيات مغربية علمية وشخصيات ذات نفوذ اجتماعي ووفود رسمية عربية و غير عربية، وكنت أشجع هذا الدور الثقافي لهذه الدار، وكان أبناء الدار من الخريجين يؤدون دورهم العلمي الثقافي في المدن المغربية التي يسكنون فيها وفي الجامعات والمساجد والمراكز الثقافية ، وكان كل هؤلاء يفخرون بانتمائهم لهذه الدار، وكنت أسعد بما أسمع من أصداء هذا النشاط ، وأصبحت دار الحديث الحسينية موجودة في كل مدينة مغربية من خلال إسهام أبنائها في النشاط الثقافي ، وكنت أهتم كثيراً باختيار الطلاب المقبولين للدراسة من حيث الاستعداد والشخصية والطموح والموهبة والفعالية، وكنت أريد تكوين العالم النموذج والعالم القيادي والعالم المفكر والعالم المعتز بكبرياء العلم ، ولم أكن أريد العالم الضعيف الذي يقبل المذلة والخضوع والذي يذل العلم بذلّ المواقف، ولا شيء كان يؤلمني أكثر مما كنت أرى عليه بعض العلماء من سلوكيات النفاق والتملق لأصحاب الجاه والنفوذ ، وهذا مما أساء لمكانة العلماء في مجتمعهم، وأفقدهم احترام العامة، والعلم لا يكرم أصحابه إلا إذا كرّموه، والعلم لا يرفع الصغار إلا إذا كانت نفوسهم كبيرة، وهذه هي رسالة هذه الدار، وكنت أسعى لترسيخها في نفوس أبنائها، والمجتمع المغربي ذكي ودقيق في ملاحظاته, وكان يرقب ما يجري في هذه الدار، وكنت أرى أثر ذلك في ملامح الناس ..

 

( الزيارات : 797 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *