اول محاضرة عن الاقتصاد الاسلامى ..

 

ذاكرة الايام..اول محاضرة عن الاقتصاد الاسلامى .

قبل نصف قرن لم تكن كلمة الاقتصاد الاسلامى معهودة فى الاوساط العلمية , احيانا تتردد عفوا ولكن لم تكن لها دلالة علمية , كان الناس اقل اهتماما بهذه المصطلحات , فى عام 1966 انتقلت فجأة من القاهرة حيث كنت اعد اطروحتى فى الدكتوراه فى موضوع شديد الصلة بالاقتصاد الاسلامى وكان بعنوان:  الاتجاه الجماعي فى التشريع الاقتصادى الاسلامى , لم اكن انهيت الاطروحة بعد , اتصل بي مسؤول كبير كنت اعرفه جيدا وابلغنى انه قد تم  اختيارك لكي تكون استاذا فى الجامعات السعودية , وفى رئاسة  الكليات والمعاهد  التى كانت الاكثر شهرة والتى سميت فيما بعد باسم جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية , ترددت كثيرا والح علي , كنت اعلم حينها انها الكليات الاكثر تمسكا بالسلفية الوهابية , وقلت له  اخشى ان اكون فى المكان غير المناسب لى , وشجعنى كثيرا وأخيرا وافقت,  وانتقلت فى عام 1966 الى الرياض , كانت الرياض مدينة بسيطة هادئة , كان هناك شارع تجارى هو الاهم فى الرياض يسمى شارع الوزير , وكل اهل الرياض يذهبون اليه ويلتقون فيه , وهو الرياض الاصلى بالشوارع المحيطة به  , كانت كلية الشريعة هي الكلية الاهم وتقع فى نهاية هذا الشارع  وهناك معاهد تمدها بالطلاب وهناك نخبة من الكفا ءات العلمية هم الاساتذة , واكثرهم من سوريا , كنا قرابة عشرين استاذا من سوريا , ومن ابرزهم الدكتور عبد الرحمن الباشا والدكتور عبد القدوس ابو صالح والدكتور بكرى شيخ امين والاستذ عاصم البيطار والاستاذ عمر عودة الخطيب ثم انضم بعد عام كل من  الشيخ عبد الفتاح ابوغدة والشيخ ابراهيم السلقينى والشيخ عبد الرحمن حبنكة , وكان من ابرز الزملاء السعوديين الدكتور عبد الله التركى الذى اصبح فيما بعد مديرا للجامعة ووزيرا للشؤون الاسلامية , وكانت اسرة ال الشيخ هي التى تشرف على الكليات والمعاهد العلمية فى كل المملكة , وعميد الاسرة هو الشيخ محمد بن ابراهيم مفتى المملكة وصاحب المكانة الكبرى فى التعليم والقضاء , وتولى اولاده الثلاثة وزارة العدل لمدة خمسن عاما وكان ابنه الاكبر هو الرئيس العام للكليات  , كنت اقوم بالتدريس  للمرة الاولى فى حياتى , كان هناك موسم ثقافى متميز وكلفتنى ادارة الكلية ان القي محاضرة عامة افتتح فيها الموسم الثقافى , اخترت موضوعا لم يكن مألوفا او متداولا فى تلك الفترة , اخترت موضوعا بعنوان:  مكانة الاقتصاد الاسلامى بين النظم الاقتصادية المعاصرة ,  القىت اول  محاضرة علمية بحضور نخبة متميزة من اهل العلم والفكر والثقافة فى الرياض  , كانت القاعة مكتظة بالمهتمين  بهذا الموضوع , كان الموضوع جديدا , ولم يكن مألوفا ومطروحا , اهتمت الصحافة السعودية بهذه المحاضرة ونشرت كل من جريدة الرياض الجريدة الاهم فى المملكة المحاضرة كاملة ,  كما نشرت جريدة الندوة السعودية الصادرة فى جدة المحاضرة كاملة فى صفحة كاملة  , واهتمت الجامعة بهذا الموضوع وما زلت اذكر بالتقدير من شجعنى ومن اهمهم الصديق الدكتور عبد الرحمن رافت الباشا,  وكان من اقرب الاصدقاء واكثرهم حكمة وفهما واستقامة ,  وكان من عمالقة الثقافة والادب  فى سوريا , فى تلك المناسبة التقيت  بالصديق الذى اصبح فيما بعد من اعز الاصدقاء وما زالت الصلة حتى الان وهو الاخ الدكتور احمد الضبيب الذى اصبح مديرا لجامعة الرياض فيما بعد , وكان الاخ عبدالله  التركي هو من قام بتقديم تلك المحاضرة .ز

 تلك ذكريات قد مضت , اكثر من خمسين عاما مضت على هذه الذكريات , مازلت اذكر الكثير من ملامح الاصدقاء , بعد عشر سنوات عقد فى مكة المكرمة الموتمر العالمى الاول للاقتصاد الاسلامى , وحضرت هذا المؤتمر وبدأت من ذلك المؤتمر انطلاقة الاهتمام بالاقتصاد الاسلامى كعلم وكمادة تقرر ضمن المناهج الاساسية فى الكليات المتخصصة ,

كان موضوع الاقتصاد الاسلامى هو الاهتمام العلمى الاول الذى انشغلت به , بعد سنتين من هذا التاريخ ناقشت اطروحة الدكتوراه وطبعت كتابى الاول فى ذلك العام فى دار الفكر فى بيروت , بعد ثلاث سنوات القيت اول محاضرة عامة لى فى جامعة الكويت عن الاقتصاد الاسلامى , وبعد ثلاث سنوات اخرى  القيت اول محاضرة لى فى الدروس الحسنية امام الملك الحسن الثانى رحمه الله  عن الاقتصاد الاسلامى ,..

  كتبت الكثير عن الاقتصاد الاسلامى , مازلت اتساءل بعد خمسين سنة عما اذا كتبنا عن الاقتصاد الاسلامى , عندما نكتب عن الاقتصد الاسلامى فيجب ان نفهم اولا ماالذى يريده  الاسلام من المال والاقتصاد ان يقوم به فى مجتمعه , قبل تلاث سنوات قلت كلمة فى مؤتمر فى مدينة تطوان المغربية لمدة عشر دقائق كانت اكثر اهمية من كل ما كنا  نكتبه عما يريده الاسلام من المال ان يؤديه فى مجتمعه , كل نظام يسهم فى ان تكون الاموال دولة بين الاغنياء والاقوياء فلا يمكن ان ينسب الى الاسلام ولو سمي اسلاميا ,  , وكل نظام يكرس الظلم الاجتماعى وحرمان المستضعفين من الرزق الذى جعله الله قواما للحياة فليس من الاسلام , مائدة الله لكل خلقه والكل ياكل منها ولا يحمل معه ما يؤدى الى حرمان المستضعفين , ولكل انسان قيمة جهده وماتجاوز ذلك بظلم واستغلال لحاجات المستضعفين وماكان ثمرة لاحتكار ما احتاج اليه الانسان او لتوارث حقوق مالية لا شرعية لها او تلاعب فى قيمة النقود اوكان نتيجة امتيازات القوة والنفوذ والتحايل فى قيم البورصات والاسهم والمعادن مما يسهم فى افقار المستضعفين وتعميق الفوارق الطبقية التى تولد الحق والكراهية وتقود الى الفوضى والثورات كل هذا لا يمكنه ان يكون من الاسلام ولا ينسب اليه , لا يمكننا ان نبرر الظلم فالظلم لا يبرر ,  ولا خيار للمظلومين الا ان يدافعوا عن حقوقهم التى اقرها الله لهم فى الرزق المدخر فى الطبيعة , الملكية الجماعية ثابتة لكل المجتمع   فيما ارتبطت الحياة به , وما زاد عن قيمة الجهد فليس  لمن يدعى الحق فيه  وهو من  اكل لاموال الناس بالباطل ,

اي نظام اقتصدي اذاكان عادلا فهو ينسجم مع ما يريده الله لعباده , واي نظام اجتماعي واقتصادي يكرس الظلم وطغيان المال فلا يمكن ان يكون اسلاميا , الاموال التى تنمو بجهد المجتمع فالمجتمع شريك فيها , ولا يمكن لاحد ان يدعي ملكية ثروة لم يسهم فى تنميتها بجهده وعمله , لسنا بحاجة ان نكتب الكثير ولكن المهم ان نفهم ما يريده الله من المال ان يكون سببا للحياة,  عندما تكون الثروة بيد من يحتاج اليها فهذا عدل , وعندما يملك القليل كل الثروات او اغلبها ويجوع كل المستضعفين من عباد الله فلا يمكن ان يكون هذا الواقع عادلا ولا مقبولا , الاقتصاد الاسلامى هو الاقتصاد الاكثر عدلا وان يكون اكثر انسانية ورحمة بكل المحرومين , ما ازال اذكر اننى قلت للمدير العام للبنك الاسلامى للتنمية فى جدة وهو اكبر بنك اسلامى قلت , عندما يكون البنك اسلاميا فيجب ان يظهر الاسلام رحمة وعدالة فى كل مشاريعه , والا كان كغيره , ليس المهم ان نستبدل المصطلحات وان نغير الاسماء ولكن ان يكون اقتصادنا لا ظلم فيه ..

اذا اردنا ان نبنى فيجب ان نبنى صروحا من الفكر قوية راسخة عمادها  العدالة والفهم العميق لما يريده الله ان يكون , لقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين الناس حراما فلا تظالموا..الاقتصاد الاسلامى هو الاقتصاد الذى لا ظلم فيه ولا احتكار ولا استغلال ..

( الزيارات : 1٬005 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *