أيها الوزراء

كلكم راع ومسؤول

أيها الوزراء

جرت عادة الحكام أن يختاروا وزراءهم ليس على أساس الكفاءة والجدارة والاستقامة، وإنّما على أساس الاستعداد للطاعة وتنفيذ ما يطلبه الحاكم منهم وإظهار الولاء الشخصي له وعدم مناقشة الحاكم فيما يختاره، فلستَ أيها الوزير أفضل من غيرك في الكفاءة، وإنما أنتَ أفضل منه في الطاعة، وإذا كان ضميرك حياً فعليك أن تواجه مصاعب كثيرة، وأن تفعل ما لا يُرضي ضميرك، وأن ترضخ لقبول سلوكيات ومواقف تأباها نفسك..

ولا خيار لك إلا أن تختار، وسوف تختار على الغالب السلطة والمنصب، ويجب أن تدفع ثمن ذلك من شخصيتك وحريتك وكرامتك وضميرك..

وسوف تبرر لنفسك ما تفعله، وسوف تقنع نفسك أنك تفعل ذلك لخدمة وطنك، وأنت تخدم في الحقيقة ذاتك وطموحك ولا تستطيع أن تُغالب هذه الرغبة الكامنة في أعماقك.

ويلتمس العذر لك في كل ذلك إذا التزمت حدود الاعتدال، ولم تفرط في كرامتك إلى حد الابتذال، ولم تتخذ من القرارات الخاطئة ما يمكن أن تسأل عنه أمام الله وأمام شعبك، فلا تكن مطية لظالم إذا أراد أن يظلم، ولا تكن مطية لتبرير فعل تعتقد من قرارة نفسك أنه خاطئ أو ظالم..

وليكن لك موقف في الدفاع عن الحق ولو دفعت ثمن ذلك غالياً، فأنت مؤتمن ومسؤول، فلا تظلم ولا تكن أداةً بيد ظالم إذا أراد أن يظلم، وإذا أردت إرضاء الحاكم بظلم الناس فلن يرضى عنك الحاكم، وسوف يُسلطه الله عليك، وإذا أردت إرضاء الله فيما تفعل فسوف يحميك الله من سلطة الحاكم، وكن أيها الوزير أداة للخير وافعل العمل الصالح وازرعه في كل مكان، وكن عادلاً ومنصفاً وإنساناً، وإياك أن تمد يدك للمال العام بسرقة أو اختلاس أو تواطؤ ضد مصالح شعبك، ولا عذر لك في ذلك، ومن يسرق من أموال الأمة فإنّما سرق الناس جميعاً، ولا تستخدم نفوذك للحصول على حقوق وأموال غير مشروعة، فهذه خيانة للأمانة، ولا تُحابي قريباً أو صديقاً، ولا تعطِ امتيازات غير قانونية لأصحاب النفوذ طمعاً في حمايتك، فهذا من الخيانة.

واتقِّ الله في عملك، ولا تظلم أحداً، ولا تفخر بجاهك ونفوذك وسلطتك، ولا تتعالى على من حولك، فسوف تعود إليهم قريباً، فلا تعد إليهم مكبلاً بالأغلال، وتحمل على كاهلك ما اتخذته من سلوكيات وقرارات خاطئة، وأحسن إلى الناس بعدلك ودفاعك عن المظلومين والضعفاء، فهذا سيبقى لك، وسوف يسجل في سجلاتك، وتذكر أنك سوف تغادر منصبك الرفيع بغير إرادتك دامع العينين حانياً رأسك كما هي عادة كل من يغادر منصبه، فإن كنت قد أحسنت إلى النّاس بعدلك وقراراتك ودافعت عن مصالحهم بمواقفك فسوف يستقبلك هؤلاء بمحبة وسوف يرحبون بك في مجالسهم، وإن كنت قد ظلمت وأسأت وتعاليت وطمعت فسوف تلقى من هؤلاء التجاهل والإنكار عليك، فاتقِّ الله فيما تفعل أيها الوزير وورَّث أولادك مجد الاستقامة والنزاهة والوطنية.

 

( الزيارات : 2٬899 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *