بداية الرحلة الى المغرب

 ذاكرة الايام..الرحلة الى المغرب  

لم اتصور قط ان تلك الزيارة الخاطفة الى المغرب سو ف تمتد لاكثر من اربعين سنة , كانت زيارة سريعة امتدت لمدة عشرة ايام فى شهر رمضان للمشاركة فى الدروس الحسنية , كان ذلك عام 1973 في شهر اكتوبر , لم اكن اعرف احدا فى المغرب , قبل اشهر التقيت لاول مرة فى الكويت فى مؤتمر علمى  علامة المغرب ورئيس رابطة العلماء العلامة محمد مكى الناصرى  وكان وزيرا للاوقاف , كان اللقاء لمدة ساعة , لم اعرفه من قبل ولم اسمع باسمه, كان من اعلام المغرب مكانة ووطنية , استقبلنى احسن استقبال , احسن الظن بى , زارنى كبار العلماء فى الفندق  , كل من الدكتور محمد يسف والدكتور مولاي ادريس العلوى العبدلاوى , ثم زارنى بنفسه واخبرنى اننى سالقى درسا امام الملك الحسن الثانى رحمه الله , كنت متهيبا , كان الملك الحسن الثانى  ملكا مهيبا وعالما متمكنا , فى مساء ذلك اليوم زارنى الصديق الدكتور حمزة الكتانى  صديقى الوحيد من ايام الدراسة , ودعانى لزيارة عميد الاسرة الكتانية , وشيخ الطريقة الكتانية  وابن الشهيد سيدى محمد  الكبير الكتانى , كان رجلا صالحا تقيا فى السبعين من عمره , كان مظنة للولاية , عندما استقبلنى فى داره الواسعة فى مدينة سلا رحب بى وكاننى صديق قديم , رحب بى اجمل ترحيب , قال لى اننى انتظرك والمغرب يحبك ومن نحبه لا بد الا ان نأتى به , وطلب من ولده الاكبر الشيخ زين العابدين ان يكون الى جانبي , ولما ودعته اخذت اتامل فى كلامه , عندما جلست امام الملك فى مجالس الدروس جلس الى جانبي رجل لا اعرفه من قبل , قال لي هامسا لقد هيانى الله لخدمتك , وعرفته فيما بعد , استمر الرجل صديقا مخلصا وسندا قويا لمدة عشر سنوات , شعرت بهيبة المجلس , وبالقرب منى جلس شيخ الازهر الرجل الصالح الدكتور عبد الحليم محمود والشيخ محمد الغزالى , وفى الزاوية رأيت الزعيم المغربي الكبير الاستاذ علال الفاسي , وبالقرب منى جلس رئيس علماء المغرب الاستاذ عبد الله كنون والى جانبه كبار علماء المغرب , ليس من اليسير ان تتكلم فى مجلس كهذا , كنت هيات درسا مكتوبا لكي اقراه , عندما اعطى الملك اشارة البدء فى الحديث شرعت فى الحديث , وجدت نفسي اخاطب الملك وكاننى احدثه بحديث اشرح افكارى فيه , ارتجلت الدرس كله وتحدثت عن افكارى كما اؤمن بها , كان الملك ينصت باهتمام , لم اشعر بما قلته , لم احاول ان اتكلف كلماتى وانتقى افكارى , قلت ما اؤمن به , كنت صادقا مع نفسي واردت ان اكون   امينا, قلت ما اؤمن به , لم اتوقع ان حديثى سيرضي الملك لاننى تكلمت عن الاقتصاد الاسلامى وعن الاموال والحقوق  والقيود  , فوجئت بما سمعته من الملك من كلمات التشجيع وعبارات التقدير , تلك كانت البداية , كان الملك صاحب فضل فيما وجدته منه من تشجيع وتقدير  , تكررت الدروس لمدة ثلاث سنوات , لم افكر يوما اننى سآتى الى المغرب , بعد اربع سنوات كنت فى المغرب مديرا لدار الحديث الحسنية بتكليف مباشر من الملك وشرحت ذلك فى موطن اخر  , كان قرار الانتقال صعبا وعسيرا , انه اشق قرار فى حياتى , كنت مدفوعا بغير ارادتى , كنت اغالب نفسي , كنت اتصور ان المهمة فى المغرب بين سنة وثلاث سنوات كحد اعلى , كل شيء فى الكويت تركته على حاله لكي اعود  , كان الملك الحسن الثانى رحمه الله عظيما فى مواقفه نبيلا فى اخلاقه , كانت مهمتى شاقة فى المغرب ,  ولكن وجدت الكثير من التقدير والتشجيع ممن عرفتهم من مختلف الاطياف الاجتماعية وهم من كرام الرجال نبلا وخلقا , ولولا هؤلاء لما تمكنت من القيام بمهمتى العلمية , وانا مدين لمن عرفت من هؤلاء بالفضل والشكر , واكتشفت الكثير مما يختص به المغرب من قيم اصيلة واخلاقية عالية , ومحبة للعلم وللعلماء , وابرز من اخصهم بالفضل والنبل هو الملك الحسن الثانى رحمه الله وهو الان في رحاب الله  , كان من اعظم الرجال الذين عرفتهم نبلا ووفاءا  , كان افضل مما يوصف به  فى الاعلام  , واكتشفت من اوصافه ما يدفعنى لاحترامه , كان يخصنى خلال ربع قرن برعاية واهتمام , وكنت اشعر بتلك الرعاية فى كل مناسبة , وفى كل المواقف كان يقف معي مناصرا ومشجعا , ربع قرن فى المغرب فى عهده كنت اشعر اننى في  رعاية مستمرة , تذكرت كلمات مولاي ابراهيم الكتانى فى اول زيارة لى الى المغرب , قال لى : صديقى الدكتور يوسف الكتانى رحمه الله : اوصانى والدي مولاي ابراهيم ان اكون الى جانبك اخا وصديقا ومعينا واستمرت الصلة وكان الاقرب لى , وتذكرت باقة كريمة من اهل التقى والعلم والصلاح كانت لهم مواقف رائعة فى الازمات , ومن ابرز هؤلاء علامة المغرب مولاي عباس المرانى  والعلامة محمد المنونى  وعلامة سوس الشيخ عبد الله الكرسيفى  والمؤرخ عبد الوهاب بنمنصور والعلامة عبد الرحمن الدوكالى والمجاهد ابو بكر القادرى والاستاذ محمد حدوامزيان والدكتور السعيد بوركبة والاستاذ محمد الصقلى  والدكتور عمر الجيدى , وهناك عشرات من طلابي فى مختلف المدن..

 لم اندم قط على تلك الرحلة , كنت اشعر انها ميسرة ومعبدة , لم اخطط لها ورأيت الابواب تفتح بغير ارادة منى , وكلما حاولت ان اوقف تلك الرحلة كنت اشعر الا خيار لى , فما يريده الله سيكون , ولسنا نحن من نختار وندبر , هذا الكون لله ونحن مؤتمنون ان نسلم امرنا لله تعالى وان نرضى بما يختاره الله ..     

( الزيارات : 552 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *