تأملات فى الحكم العطائية..

نفحات روحية..

منذ طفولتى الاولى وكنت فى العاشرة من عمرى بدأ اهتمامى الاول بالحكم العطائية , وكانت لى معلمة تعلمنى القرأن وتنصت لى وانا اتلوه امامها وكانت صالحة وتقية وورعة , واخذت تعلمنى الحكمة الاولى من الحكم العطائية , لم اكن يومها ادرك اي شيء عما كنت احفظه واردده , كان يعجبنى ان اعيد ما حفظته: من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل , كانت الحكم اول ما حفظته بعد القرأن الكريم الذى كنت تعلمته اولا على يد اشتاذى الاول الشيخ بشير الحداد وكان رجلا صالحا وتقيا وحافظا لكتاب الله , كان يخصنى بالاهتمام وهو يعلمنى القران , ثم تابعت ما حفظته على يد الاستاذ الثانى الشيخ اديب حسون , وكان يعلمنى مبادئ القراءة والكتابة , وكنت الطالب الاول والوحيد فى الكلتاوية قبل ان تكون هناك مدرسة للعلم , وقد حفظت بعض الحكم العطائية  , لم اكن افهم ماتعنيه هذه الحكم , كانت الحكم المنسوبة لا بن عطاء الله  السكندرى هي اهم ما قدمه الفكر الصوفي واجمله لفظا  وارقاه تعبيرا واكثره التزاما وفهما , وهي معانى راقية جميلة تعبر عن اهم المعانى الصوفية وكانت راقية الاسلوب فى صياغة غاية الدقة والروعة , واهتم بها العلماء على امتداد قرون وعكف العلماء على شرحها وبيان دلالاتها , وكان ابن عطاء من اعلام عصره علما وفقها ومكانة , وكان ينكر على صوفية عصره ما هم فيه , واشتد به الغضب  وهو يخاصم من عرفوا بالتصوف , وقرر ان يستطلع الامر بنفسه وان يذهب الى مجلس الشيخ ابى العباس المرسي شيخ الصوفية ويسمع منه ما يقول , وذهب اليه وسمعه يتكلم عن الحق والحقيقة والتحقق والاسلام والايمان , وبهر بما سمع من معارف وافكار لم يكن سمعها من قبل من اعلام عصره ورجع الى بيته وهو فى حالة من التامل الوجدانى الذى لم يعهده من قبل واعتزل اسرته ومجتمعه , حالة غريبة لم يعهدها من قبل , قلق وحزن وصمت واعترال , هي نفس الحالة النفسية التى اصابت الغزالى عندما بدأ التحول فى حياته كما عبر عنها فى كتابه المنقذ من الضلال , كل التحولات الكبرى تبتدئ بهذه البدايات التى لا تدرك بمنطق العقول , ما اشد ما تعانى منه النفوس فى لحظات التحول من عالم الى عالم اخر , سكون وطمانينة قلبية وشعور عميق باليقين , وكان الشيخ ابو العباس المرسي تلميذا لشيخ الطريقة الشاذلية ابي الحسن الشاذلى الذى كان يدعو الى التقوى والاتجاه الى الله والاعراض عن الخلق والزهد وعدم التعلق بالدنيا , ومنذ تلك الفترة لازم ابن عطاء الله شيخه  ابى العباس واصبح من اكثر المقربين اليه مكانة وصدقا واقبالا والتزاما  , وعكف على كتابة الحكم العطائية التى تعتبر اروع ما قدمه الفكر الصوفي من معان ودلالات وايماءات , ولا نجد فيها تلك اشطحات ولا الانزلاقات ولا المبالغات , وعكف العلماء من بعد فى المشرق والمغرب  على شرحها والتعليق عليها وبيان دلالاتها , وما زال الاهتمام بها يكبر , ومن اهم الشروح التى حظيت بالاهتمام ونشرت فيما بعد,

اولا :  شرح ابن عباد النفزى الرندى على شرح الحكم وسماه التنبيه , واعتبر ان اطلاق لفظة الشرح من اساءة الادب لان المعانى الحقيقية لا يدركها الا من كتبها ولا يدركها الا من تلقاها عن اهلها ,

الثانى :شرح الشيخ احمد زروق الفاسي وقد شرحها مرارا وكان يعيد شرحها من جديد ليكتشف الجديد من الدلالات والمعانى ..

الثالث :شرح المنح القدسية على الحكم العطائية للشيخ عبد الله بن حجازى الشرقاوى وسماها تقييدات وهو مطبوع .

الرابع: شرح ابن عجيبة على الحكم العطائية وسماه ايقاظ الهمم فى شرح الحكم ..

وهناك عشرات الشروح الاخرى واخرها شرح الحكم للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي , وهناك من شرحها فى منظومات شعرية وقد تخصص الدكتور ابو الوفا الغنيمى التفتازانى فى موضوع الحكم وكتب كتابا عنها وما زالت الكتابات مستمرة , وخصوصية الحكم العطائية انها قدمت الفكر الصوفي بطريقة راقية مفهومة ميسرة مقنعة ليس فيها ما يؤخذ على الفكر الصوفى من شطحات فى المفاهيم وليس فيها اي خروج عن ثوابت العقيدة وهي تهتم بدرجة اولى بفكرة اساسية وهي الافتقار الى الله والادب مع الله ومعنى العبودية لله ومعنى الاخلاص وبيان حالات من مناهج التربية الصوفية , وكان ابن عطاء الله يركز على فكرة وهي ان الله تعالى هو المدبر لشؤون خلقة وان الانسان لا يملك الا التسليم لما اراده الله له , واهم ما فى الحكم ان ابن عطاء الله استعمل اللغة والمصطلحات الصوفية الاصيلة ذات الدلالات الخاصة , وهي لغة خاصة لا يحسن فهمها الا من فهم معناها , والمصطلحات الصوفية كثيرة , ولها دلالاتها الدقيقة , , واهم ما يهتم به الفكر الصوفي هو الادب مع الله  والادب مع كل الاخرين ومحاسبة النفس والابتعاد عن الغفلة والايكون القلب محجوبا بتعلقاته الدنيوية , وانشغالاته , واختم كلمتى هذه بحكمة من الحكم العطائية :

لا يكن تأخر امد العطاء مع الالحاح فى الدعاء موجبا ليأسك , فهو قد ضمن لك الاجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك , وفى الوقت الذى يريد لا فى الوقت الذى تريد..

( الزيارات : 1٬130 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *