تجديد مباحث البحث العلمى

 

..
احبّ المجالس الى نفسي هي تلك المجالس العلمية التي كنت استقبل فيها طلابي الذين كانوا يعدّون أطروحاتهم العلمية للحصول بها على درجة الدكتوراه ، كنت أساعدهم علي اختيارموضوعاتهم ووضع مناهجها واستقامة افكارها ، كنا نجتهد في ذلك بقدر ما يترجح لنا انه الافضل ، تلك هي امانة العلم ورسالته ، كنت اشعر بسعادة كبيرة ولا اضيق بتلك المجالس ولو طالت وتكررت ، لم اختلف مع اَي طالب من طلابي وما ضقت يوما بملاحظة وما ضاق أي طالب بما كنت اقترحه عليه من التعديلات ، كان يشعر انني اريد الخير له ، وكان يتقبل كل ملاحظة ويستجيب لكل توجيه ، متعة العلم كبيرة ، واهم ما يجب ان يكون فى تلك المجالس هو المحبة المتبادلة والثقة والتفهم ، واعترف انني كنت سعيدا بذلك ، كان الباحث يفهم ان كل ذلك لمصلحته ، وان البحث في النهاية سيحمل اسمه وينسب اليه ، لم اكن اقترح عليهم بحثا او عنوانا ، ولو كنت املك موضوعا فى ذاكرتى لان الاختيار هو جزء من البحث ، كنت اطلب منهم اختيار موضوع بحثهم  بأنفسهم واقول لهم : موضوع البحث هو اهم خطوة في البحث ، ويجب ان يتوصل الباحث اليه بنفسه من خلال قراءاته التي تمكّنه من حسن الاختيار ، ليس كل خاطرة تصلح ان تكون بحثا او عنوانا وليس كل عنوان يتضمن دلالة مفيدة ، لا يد من اكتشاف مشكلة علمية تحتاج الي جواب مقنع من خلال البحث، يجب ان يكون البحث منضبطا ومحددا ، بالزمان والمكان والموضوع ، وان يعبر عن قضية تتطلب البحث ، الموضوعات العامة ذات الصفة الشمولية لا تصلح لانها غير منضبطة ، ويصعب البحث فيها،ولا بد من تصور المشكلة اولا ، والبحث عن جوابها العلمي من حلال البحث ، ولا بد في البحث ان يظهر اثر الباحث فيه وشخصيته وقدرته علي الترجيح بالأدلة العلمية ، كنت أناقش طلابي فيما يريدون البحث فيه الي ان يصلوا بأنفسهم الي ما يريدون، وقد يستغرق الامر شهورا من البحث والقراءة ، لا بد من وجود موضوع يستحق البحث فيه ، الباحث الجاديصل بسرعة الي ما يريد ، ويفهم الملاحظة التي يسمعها بسرعة ،وهناك من الباحثين من يختار اَي موضوع يصادفه  وهناك طلاب لا يصلحون للبحث وليسوا مؤهلين للتخصص العلمي اما لضعف فى القدرات واما لانهم لا يريدون العمل وهؤلاء لا ينجحون فى حياتهم العلمية ولو حصلوا على الشهادة العليا وكنت اصادف كل هذه الاوصاف, و هناك من يريد الشهادة ولا يعنيه العلم وهذا هو الاغلب ، الباحث فى مرحلة الاختيار يجب  ان يكون لديه جواب لماذا اختار موضوعه، لا ينبغي الاعتماد علي المشرف كليا فليس كل المشرفين سواء ،هناك من يتساهل في البداية ، ويوافق علي اَي عنوان ولا يريد ان يعمل ولا ان يبذل أي جهد وكل البحوث مقبولة وصالحة ، وهنا تبرز مسؤولية المشرف في حسن التوجيه ، واذا تم الاختيار كانت الخطوة الاولي هي جمع المادة العلمية من مظانها الأصيلة المعتمدة ، وان يكون النقل موثقا بدقة وامينا ،وليست كل المصادر صالحة  وهنا تبرز شخصية الباحث في حسن اختياره لمادته العلمية الاولي التي تمكنه من حسن التصور ، وتلوح له من بعيدالملامح الاولي لذلك الوليد الجديد ، انه يحمل ملامح ابيه ، كل بحث يحمل ملامح باحثه ، الباحث هو الذي يتحكم ويوجه ويختار ، وتتكون لديه قناعة ،، ويضع منهجه المنطقي كما يتصوره ، ويجب ان يكون المنهج منطقيا ومقنعا ، ويتجه بالتحقيق الى تلك الغاية المرجوة ، لا شيء خارج الهدف المراد الذي يتعلق بذلك البحث ، الاطالة عيب في البحث لانه يشتت البحث ولا داعي لكثرة النقول رغبة فى الاطالة وهذا عيب فى البحث العلمي ، مالا حاجة اليه فلا مبرر له ، سلامة المنهج مسؤولية علمية ويتحمل المشرف المسؤولية الاهم فيها لانه يري الزيادات بطريقة اوضح كما يلمس النقص ويوجه الي تلافيه ، انه يري النقائص والاختلالات اكثر مما يراه الباحث الغارق فى البحث ، لان الباحث قد يبتعد عن المسار ولا يشعر بذلك ، قضية المنهج يجب ان تحظي باهتمام المشرف ، لكي تستقيم الموازين ، غاية البحث هو تكوين الباحث لكي يكونً مؤهلا للبحث ، ليس كل باحث يملك مؤهلات البحث ، البحث لا ينفصل عن صاحبه ، ويجب ان نجيب عن تساؤل لماذا نبحث وما هي غايتنا من ذلك البحث ، ويجب ان نجد الجواب ، وان يكون الجواب في الاذهان ، ولا بد الا ان يكون البحث مفيدا، مالا يفيد لاحاجة اليه ، البحث لبنة في صرح كبير ، البحث الذي لا يسد ثغرة لا حاجة اليه ، بجب ان يكون العلم في خدمة الحياة وفِي خدمة الانسان ، العلم يراد لثمرته ، لرقي الحياة ولتمكين الانسان من الانتقال نحو الافضل ، ما لا فائدة منه لاجل الحياة يمكن الاستغناء عنه ، يجب ان يتجه العلم لخدمة الحياة والنهوض بها، العلم لاجل المعرفة ، الجهد الانساني يجب ان يكون في خدمة الحياة ، لا شيئ من العبث ، مراد الله هو كمال الحياة ، والانسان هو اداة فهم ذلك الكمال ، التعدد دليل ثراء التجربة الانسانية ، لا احد من الخلق خارج ما اراده الله ، يجب ان تتجه المعرفة الانسانية نحو الانسان لكي تتحقق بها الحياة ، البحوث العلمية يجب ان تتطور لكي تكون نافعة ومفيدة ، ليست هناك مسلمات خارج الوعي الانساني لان الانسان هو المخاطب والمؤتمن علي الحياة ، لا حدود لحرية البحث العلمي ، من أقام الحجة والدليل فهو اولي ممن لا حجة له ، لا يقينية مطلقة فيما كان الانسان مخاطبا به لان العقول متفاوتة ، يقينية العقل نسبية لإنها محكومة بالحواس الظاهرة ، أما النقليات قاداة فهمها هو العقل المخاطب ، لا بد من التعدد في الفهم لان العقل وليد واقعه ومكوناته ، ورؤية العقول متجددة علي الدوام وتتحكم فيها الانفعالات المتأثرة بالمحيط الخارجي ، النص لا ينطق بذاته وانما ينطق بالمخاطب به الذي يفهمه بما يترجح له ،لا يعني انه يري المراد ويصل اليه , انه يفهم ما هو قادر عليه وما ترجح له فى لحظة صفائه  ،المهم ان يفهم المقاصد المرجوة من ذلك النص ، وهذا يكفي ، البيئة الاجتماعية مؤثرة في الفكر وتتحكم فيه ، ولهذا كنا نحرص علي بيان تلك المؤثرات الخارجية السياسية والاقتصادية والازمات وملامح ذلك المجتمع وأثره في اختيارات الانسان ، عندما نغفل تلك المؤثرات التكوينية لا يمكننا فهم تلك الخلافات في الافكار ، كل المذاهب والمناهج تعبر عن الواقع الاجتماعي كما هو ، لان الفكر يصور ما يراه ولا يتجاوزه ، ومن المؤسف اننا نغفل اثر ذلك في كثير من الأحيان في البحوث العلمية ، العقل اداة متجددة لفهم الواقع كما هو ، قضايا الحقوق متجددة علي الدوام ، وتعبر عن مجتمعها وتتطور باستمرار نحو مزيد من العدالة ، احيانا تتراجع مفاهيم العدالة او تجمد لمدة طويلة وتبتعد عن مجتمعها بسبب تعطيل العقل عن اداء مهمته ، البحث العلمي يجب ان يكون في خدمة الأهداف المرجوة منه وان يسير نحو الافضل والأكمل ، الغاية المرجوة منً البحث هي الثمرة المرجوةً منه ، ما لاحاجة اليه يمكن الاستغناء عنه ، العلم لخدمة الانسان , والانسان هو المؤتمن علي الحياة انً تكونً كما ارادها الله تعالى ، لا بد في البحث العلمي من احترام الحرية ولا للحرية الفكرية ، لا حدود لحرية الباحث فيما توصل اليه وفيما ترجح له بالدليل ، لا خوف من الحرية بشرط ان تكون حرية نظيفة خالية من الأغراض والمصالح ، التقليد هو ثمرة لتعطيل العقل عن اداء مهمته ، والتعصب هو ثمرة لذلك التقليد وهو من الجهل ، تعطيل العقل ظاهرة تخلف  لعجز او لكسل اوً لخوف من التعبير ، هناك من لا يريد ان يفكر لانه لا يملك القدرة العقلية وهناك من لا يريد ان يفكر كسلا واعتمادا علي الغير,  وهناك من يخاف من التفكير ، ويختار الطريق الأسلم له ، ويجب ان نعترف بان التفكير يحتاج الي حسن تكوين لكيلا تقود الحرية الي الفوضي ، في القضايا العلمية يجب احترام التخصص العلمي ، ولاً رأي لغير اهل الاختصاص ، وبخاصة في مجال الاحكام العملية والحقوق وكل القضايا الفقهية لا راي لغير اهل  الاختصاص ، الفقيه هو الذي يحسن الفهم فيما يتكلم فيه ، ولاً عبرة لغير اهل الاختصاص ، ولوًكانواً من اهل التقي والصلاح ، لا بد للعالم من التقوي ولا راي لاهل التقوي من غير علم , واجهل الناس هم المتطفلون على العلم فى غير اختصاصهم , لا راي لاحد فيما يجهل , وبخاصة فى القضايا العملية , والاحكام التى تتناول قضايا الانسان , ولا بد من التخصص الدقيق , وتشترط التقوى في كل من اراد ان يجتهد كصفة لتوليد الثقة , ومن الاخطاء التى ادت الى تلك الكوارث فى الفتاوى والتصدى لبيان  الاحكام ان يستشارغير اهل الاختصاص فيما يجهلون , ويبنى الحكم الفقهي والقضائى على م يراه اهل الاختصاص وهم المؤتمنون والتقوى ضرورية لضمان الصدق , واؤكد على اهمية القرار الاجتماعى من خلال السماع لعدد من اهل الاختصاص , فما اتفقوا عليه فهو الصواب وما اختلفوا فيه فيؤخذ بما ترجح انه الصواب , والاجتهاد الفردى لا يتجاوز صاحبه , ولا بد من تطوير مناهج البحث , وتوجيه البحوث نحو الطريق المفيد لكي نخرج من تلك الفوضى والتكرار واعادة انتاج  نفس الافكار كماهي , لا بد من قفزة كبيرة فى مجال البحث العلمى وبخاصة فى الدراسات الاسلامية والعلوم الانسانية , ولا يمكن ان تنفصل المؤسسات العلمية التكوينية عن مجتمعها , تلك محنة كبرى وادت الى ذلك التراكم المكرر الذى لا يضيف اي جديد , الفكر الانسانى ماكان وما سيكون , والفقه الاسلامى ماكان من قبل وما سيكون , ويجب ان يعبر اي فكر عن مجتمعه وان تتجدد المعايير لكي تنتقل من النقص الى الكمال فى حركة مستمرة لاتتوقف , ولكل مجتمع فكره ولكل عصر خصائصه ومطالبه , والفكر الذى لا يواكب عصرة يتخلف وينعزل ويستغنى عنه , هناك ثوابت فى الاصول والمنطلقات والاهداف اما التطبيقات الفرعية فهي متجددة على الدوام لانها وليدة الحاجة اليها , نحتاج الى ثورة حقيقية فى العلوم الانسانية المرتبطة بحياة الانسان , واهمها فى مفهوم الحق والعدالة والدولة والمال والحكم والسلطة والقيم والمصالح والاعراف , الدلالات متجددة على الدوام لكي تحقق مقاصدها , قضايا الايمان والعبادة ثابتة لان مصدرها الوحي , اما الاحكام التى خوطب بها الانسان فمعاييرها متجددوة لكي تحقق مقاصدها المرجوة , وهي معقولة المعنى ومرتبطة بالمصالح المشروعة للعباد فيما يجعل الحياة الانسانية  اكثر رقيا وتعبيرا عن قيم انسانية تجعل الانسان مؤتمنا على الحياة من الله تعالى , اذا لم نتجاوز هذه العقبة التى توقفنا عندها منذ قرون عندما استسلمنا للراحة وعطلنا العقل عن اداء مهمته مع انه هو المخاطب بالتكليف وهو المكلف والمؤتمن , واؤكد فى كل مناسبة انه لا بد من الثقة بامرين الثقة بالعقل والثقة بالعلم , وهذه هي رسالة الدين فى حياة الانسان ..

 

( الزيارات : 631 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *