تحذير مبكر من عاصفة قادمة

ارتفعت في سماء المنطقة العربية شعارات المقاومة في وجه شعارات الإرهاب، والمقاومة جهد مقدس مقرون بالتضحية في سبيل الله لحماية قيم إنسانية رفيعة ومصالح وطنية مشروعة، ولا حدود لحق الإنسان في الدفاع عن حقوقه المشروعة، والشعوب كلها متكافئة في المكانة والوجود، وليست هناك دماء أثمن قيمة من دماء، فحق الحياة مقدس لدى الجميع، والحياة واحدة بالنسبة للجميع، وكل أب في نظر أبنائه مساو لأب آخر مهما كانت منزلته في مجتمعه..

عندما كنت أسأل في وسائل الإعلام عن رأيي فيما يجري من أحداث كنت أتردد في الجواب، لأنني كنت أنظر إلى الأمر من زاويتين مختلفتين، وكل زاوية اطل فيها على مشهد مختلف عن الآخر، فالنافذة الأولى كنت أرى فيها عشرات الأبرياء من الأطفال والشيوخ والشباب الذين لا حول لهم ولا قوة وقد أصبحوا ركاما تحت تأثير عمل إرهابي ارتكبه شاب متحمس يائس محبط مستذل، وكنت اشعر بالاشمئزاز من هذا الفعل، الذي تأنفه النفوس ولا ترتضيه العقول و يحرمه الدين..

أما النافذة الثانية فأطل منها على مشهد آخر أكثر إيلاما وأصدق تعبيرا، صورة حية لجيوش مزودة بكل أسلحة القتل والتدمير تقتحم بلدا أو مدينة فتسقط فوق رؤوس الأبرياء من أبنائها صواريخها المحرقة، وتنشر الخوف والرعب وتشرد أبناء المدينة وتدفعهم إلى حياة البؤس والجوع والضياع..

كانت المعادلة صعبة، ولا أحد يمكنه أن يوقف تلك المسيرة الانفعالية التي تولد ذلك الاحتقان، قد يكون مجتمعنا قد فقد حكماءه وقد يكون هؤلاء الحكماء قد انضموا إلى احد المعسكرين أو دخلوا مضاجعهم يائسين محبطين بعد تلك المناوشات الغاضبة والمتشنجة..

في المغرب كنت أطل على المشهد من بعيد، أتأمله وأحاول استكشاف ملامحه، كنت أقدر على تقييم المواقف، وعندما أعود إلى سوريا كنت اقترب من ساحة المعركة، وأجد ذلك الضجيج الكبير من حولي، في كل يوم زلزال يتجدد، وتوقفت سيارات الإطفاء عن أداء عملها، لم تعد قادرة على إطفاء الحرائق المتلاحقة في كل حي من الأحياء، اخذ الناس يطفئون هذه الحرائق بأباريق الماء الصغيرة، وهو جهد يبذله اليائسون دفاعا عن الحياة..

لم أتصور قط أن العراق القوي بجيشه وشعبه والشامخ بتاريخه وتراثه سيسقط فريسة سهلة بيد المحتلين، لقد أنهكه الاستبداد والظلم والطغيان وأذل شعبه، فلم يعد قادرا على المقاومة، لقد سقط ضحية الأخطاء والارتجال والمواقف الخاطئة والانزلاقات القاتلة والحكم الاستبدادي الذي حكم العراق.

احتلال العراق هو الزلزال الأكبر في هذه المنطقة كلها، بدأ ولا أظنه سينتهي قريبا، قد تنسحب الجيوش المحتلة بعد حين، ولكن العراق لن يجد الاستقرار ما لم تحترم إرادة شعبه، وتقود مركبته سلطة وطنية نظيفة وعاقلة وحكيمة، تمنع من تمزيق أرضه وتفتيت وحدته..

ستكون هناك زلازل أخرى، لا تهدف إلى الإصلاح ولا تحقق الاستقرار، ولا تريد خير هذه البلاد، ما يطلب هو أكثر من طاقة هذه البلاد، واسرئيل تحرك الخيوط وتوجه المواقف الدولية وتحكم قبضتها على أعناق الأنظمة القاتمة…

وما أتوقعه بالنسبة للغد، هو مزيد من التوتر وعدم الاستقرار، واستعداد شعبي صادق للمقاومة، ونمو متسارع للمشاعر الدينية، وتطرف في المواقف الشعبية، ورفض لكل أنواع التنازلات المذلة، وإدانة لكل سياسات الاستسلام…

( الزيارات : 1٬379 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *