تكريم العلم

ذاكرة الايام..تكريم العلم
ما ازال اذكر هيبة مجالس العلم وكرامة العلم والعلماء وهي المجالس الوحيدة التى أشعرتنى بان مجالس العلم التى نقرأ عنها فى التاريخ فى قصور الخلفاء هي حقيقة وليست من وحي الخيال ، حضرت الكثير من المؤتمرات وشاركت فى أعمالها العلمية ، ولم اشعر بهيبة العلم ولا كرامة العلماء فيها ، كانت لا تتجاوز الهوامش الجانبية ، وما ازال اذكر فى احدى العواصم العربية الكبرى حجم الاهانة والإذلال الذى شعر به كل المشاركين فى ذلك المؤتمر وهم يبلغون خبر استقبال رئيس الدولة للعلماء ، كان الأمن يرقب وينظم ذلك الاستقبال بطريقة مهينة ومذلة ، وعند ابواب كان التفتيش بواسطة الكلاب البوليسية وانتظار الأوامر الدخول ، كانت هي تلك الزيارة الاخيرة لذلك البلد ، تذكرت اول مشاركة لى فى مجالس الدروس الحسنية الرمضانية فى الرباط عام ١٩٧٣ ، وهي اول زيارة لى الى المغرب ، وشعرت يومها بكرامة العلم ومكانة مجالسه ، كان الملك الحسن الثانى رحمه الله يرأس تلك المجالس العلمية وهي عادة مغربية قديمة فى شهر رمضان ، كل ملوك المغرب كانوا ينظمون تلك المجالس العلمية وينصتون الى درس من كبار العلماء ويجرى حوار علمى هادئ ، اهم مألفت نظرى هو إشعار العلماء بالكرامة والتكريم من الملك اولا ومن كافة حاشيته الملكية ، لم اشعر على امتداد أربعين سنة باي سلوك محرج او اي تصرف ينتقص من مكانة العلماء ، ويكفي ان الملك يدعو كل رجال الدولة من سياسيين وقيادات عسكرية وديبلوماسية ووزراء وسفراء الدول الاسلامية ورؤساء المنظمات الدولية من المسلمين لحضور تلك الدروس ولا احد يتخلف ، وما ازال اذكر سفير ألمانيا الذي كان يحضر تلك الدروس بصفته مسلما واسمه مراد ، وهو صديق كنت على صلة به وقد احتجت صحافة بلاده عليه لانه يمثل ألمانيا ، وكتب كتابا عن الاسلام ، لم يكن الملك يكتفى بالحضور ولكنه كان يتابع باهتمام كبير كل ما يسمعه واحيانا كان يناقش المتكلم فيما قاله بأدب رفيع وتكريم وتشجيع ، فى ذلك العام كنا مجموعة لاتتجاوز سبعة علماء من خارج المغرب بالاضافة الى علماء المغرب، واذكر منهم شيخ الأزهرالرجل الصوفي التقى الدكتور عبد الحليم محمود ، والشيخ حسنين مخلوف مفتى مصر والشيخ محمد الغزالى والدكتور الحبيب بلخوجة مفتى تونس والدكتور صبحي صالح والأستاذ محمد المبارك ، والتقينا فى ذلك العام بالزعيم المغربي الكبير الاستاذ علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال ، ومن تقاليد الملك فى اكرام العلماء انهم فى رمضان لا يتناولون طعام الافطار فى الفنادق وهذا امر معيب بالنسبة للضيوف ، وانما يدعون الى بيوت كبار رجال الدولة ، تكريما لهم وأشعارا بتكريم الملك لهم ، ما اجمل ان يشعر مجتمعنا بمكانة العلم وما أجدر اهل العلم ان يحافظوا على كرامة العلم بمواقفهم التى تعبر عن تميزهم بفهم قضايا مجتمعهم ودفاعهم عن قضايا الانسان المستضعف ، وان يكون مطايا للحق ورموزا للفضيلة ، وان يكونوا فى موطن ثقة مجتمعهم بهم استقامة وفهما ، مجالس العلم ظاهرة تستحق ان تدرس كظاهرة تعبر عن رقي المجتمع فى تطلعه الى الافضل ..

( الزيارات : 933 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *