ثقافة الإسلام هي ثقافة الحرية وكرامة الانسان

رسالة الجيل المقبل هي رسالة التصحيح والتنوير، ولابد من إضاءة الفكر بمصابيح العقول، فالمعرفة أداتها العقل، والعقول لا تأتي إلا بخير، وما ضل مجتمع اهتدى بنور العقل، فيما يتعلق بالدفاع عن مصالحه….

كل شيء قابل للتصحيح، كل أمر يقبل إعادة التفكير فيه، بما يستقيم مع مبادئ الإسلام وثقافته الأصيلة، وما ترفضه العقول لا يرتضيه الدين أبدا، وما يناقض المصالح الاجتماعية لا يشرعه الدين ولا يقره، ولا يستظل بمظلة الدين لتبرير التجاوزات في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، والاستبداد السياسي مرفوض ومذموم في نظر الدين، والظلم الاجتماعي مهما كانا مبرراته لا يقره الدين….

وليس من مهمة الدين أن يحمي أنظمة الاستبداد التي تحتقر الإنسان وتسلبه حرياته وكرامته الإنسانية، والدين يحض المستضعفين على المقاومة دفاعا عن حقوقهم، وما كان مرتبطا بمصالح المجتمع فالدين يحترم تلك المصالح، ويعترف بحق المجتمع في الدفاع عن مصالحه في إقرار القوانين والدساتير والأنظمة التي يراها المجتمع أداة لضبط نظامه الاجتماعي، في شؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية…

ولا وصاية على الدين إلا من خلال نصوصه وروحه ومقاصده، وحق التفسير والتأويل والفهم مكفول للجميع وبغير قيود إلا ما تفرضه ضوابط التفسير المقبول، ولا تقبل شعارات التكفير التي يرفعها العامة لتخويف رموز الفكر وإرهابهم، فحق الفهم ثابت للجميع، وهو حق مقدس لرموز العلم والمعرفة…

ولا قداسة لسلطة لا تحترم إرادة الأمة، ولا بقاء لحاكم لا يعبر عن إرادة شعبه، ولا هيبة لمسؤول لا يدافع عن الحق، وحق الأمة مكفول في الدفاع عن مصالحها، والثورة على الطغاة والمغتصبين والظالمين واجب شرعي مقدس…

ثقافة الإسلام هي ثقافة الحرية والكرامة، وهي ثقافة الإنسان التي تدفعه للتمسك بحقوقه الإنسانية، والإنسان الذي لا يقدس الحرية ليس جديرا بالانتماء للأسرة الإنسانية، والجهاد في مفهومه الأسمى هو دفاع عن الحرية…

كنت أتأمل في هذه المفاهيم، وأراها هي الأهم في حياتنا الاجتماعية، ويجب أن نوجه الاهتمام إليها، وان نربي أبناءنا على التمسك بها، وعندما نركز على ثقافة الحرية نقترب من الأهداف والغايات والمقاصد التي أرادها الإسلام، وثقافة الحرية هي ثقافة الكرامة الإنسانية…

غاية الدين هي الارتقاء بمستوى الإنسان كي يكون الخليفة المؤتمن على عمارة الأرض، هذا الكوكب الصغير الذي يمثل مدينة كونية يسكنها الإنسان، والعبادة هي أداة تعبيره عن عبوديته لخالق الكون ، وهذا الإنسان المستخلف على شؤون كوكبه الأرضي مؤتمن على أن يسير أموره بما يحقق مصالحه، وان يضع الأنظمة التي توفر له الحرية والكرامة، والدين من خلال أحكامه ونصوصه ومبادئه هو معيار المعرفة الإنسانية بمصالح الإنسان الفردية والاجتماعية لئلا يقع التصادم في الحقوق…

كنت احرص على دراسة الموضوعات الأقرب لتفكيري، واعتبر أننا مطالبون بالإسهام الجاد في تناول الموضوعات المعاصرة، وأهمها ما يرتبط بالحريات والحقوق الإنسانية، وهذا ما كنا نحتاج إليه، وليس الاهتمام بهذه القضايا من باب التطفل، فهذه هي قضايانا، وهي مركز اهتمامنا….

ما قيمة أن نتحدث عن قضايا بعيدة عما نحتاج إليه، ما قيمة أن نخاطب أجيالنا السابقة ونتجاهل جيلنا المعاصر، ألسنا في أزمة ثقافية واجتماعية…؟؟ كياننا يتساقط كل يوم، وجدار منازلنا تهتز، وزلازل متلاحقة تهدد وجودنا وتحاول إلغاء هويتنا…

متى يستيقظ جيلنا لكي يوقف ذلك الفيضان المتلاحق الذي يهدم الأسوار والحصون؟…

أحيانا كانت تنتابني حالة من اليأس والإحباط فأتوقف عن الكتابة وأعتذر عن أي مشاركة، ثم سرعان ما أجد نفسي فجأة وقد عدت إلى قلمي اعبر عما اشعر به…

ربما هذا هو الحد الأدنى الذي يمكننا أن نقوم به، لا لكي نقدمه إلى جيلنا، ولكن لكي نخاطب به الأجيال المقبلة، قد تكون أكثر قدرة على استيعاب الدروس والعبر، ربما تستطيع ان توقف ذلك الانحدار المخيف في مسيرتنا الثقافية، ولابد من روح جديدة، ودعوة صادقة للإقلاع مما نحن فيه… من حالة التخلف المزمن اليائس على جميع المستويات، وليس هذا من باب التشاؤم، فلا يجوز لأمة أن تستسلم لواقعها، ولابد من وجود الأمل، وهو النافذة التي نطل منها على الغد، والجيل المقبل قد يكون اقدر من جيلنا على تحمل المسؤولية.

لعلي فيما اكتب هنا لا اكتب ذكرياتي ولا اصف الوقائع، وإنما أكتب ما كنت أفكر فيه، اكتب تأملاتي وأسجل حواري الداخلي مع ذاتي، اكتب بصوت عال ما كنت أخفيه من أفكاري، لعل هذا هو الجانب الأكثر أهمية…

قد يكون ما نكتبه اليوم لا قيمة له، وقد يجد فيه جيلنا المقبل شيئا يفيده، أو يلتمس العذر لجيلنا فيما هو فيه، لم يكن جيلنا نائما أو متقاعسا، ولكن فضاء الحرية كان محدودا، وكلنا يرى ما يجري ويحسن قراءة ما يجري، ولكن لا احد يمكنه أن يوصل كلمة الحق، وإذا وصلت فسرعان ما تخنق على يد رموز السلطة.

مجتمعنا يغرق في كل يوم… ولا احد يمكنه أن ينقذ هذا المركب، لان مجتمعنا مازال تسيطر عليه الأمية والجهالة، ولابد من وحدة هذا المجتمع والاتفاق على الثوابت والاحتكام للعقلاء من رموز المعرفة، وهم قلة ناذرة تغلب عليها العزلة وهي مصابة باليأس والإحباط، قد يلتمس لهم العذر وقد لا يلتمس، ولابد من مواجهة التخلف ولو بالكلمة الناقدة الموقظة.

ومجتمعنا يخاف من الإصلاح ويخاف من التجديد، ولا يريد أي تغيير، ورموز التخلف يرفعون شعارات التشكيك بكل دعوة إصلاحية، وتستجيب العامة لذلك.

( الزيارات : 1٬593 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *