ثقافة العمل الصالح هي ثقافة الاسلام

المغرب بلد إسلامي ويعتز بالإسلام ويستمد نظامه السياسي شرعيته من الإسلام وكان الإسلام حاضرا في تاريخ المغرب السياسي,  وانطلقت معظم الدول المغربية من المساجد والزوايا ,وكانت ترفع شعار الإسلام ومازالت البيعة الشرعية تراعى وتحترم كتعبير عن التمسك بالمبادئ والقيم الإسلامية , ولا يمكن أن يجد التطرف أرضا خصبة لنموه وانتشاره في المجتمعات التي يحترم فيها الاسلام وتحترم قيمه الاصيلة فى السلوك والافكار..

 

ولا خلاف في أن ثقافة الإسلام تقوم على أساس الكرامةالإنسانية ، ويشمل مفهوم الكرامة كل ما يرتبط بحياة الإنسان من حرية وحقوق إنسانية وتوافر أسباب الحياة الضرورية ، وهذه حقوق مشروعة في نظر الإسلام ، وكل قانون لايقر هذه الحقوق هو قانون ظالم، فمن عرف حقوقه وجب عليه أن يدافع عنها، ولا يمكن أن يطالب الإسلام بإقناع المظلومين لكي يتنازلواعن حقوقهم، والذين يخافون من الإسلام إنما يخافون من أثر ثقافة الإسلام في  توعية المجتمع ، والذين يخافون من الجامعات إنما يخافون من أثر التعليم في زيادة وعي المواطن، والذين يخشون من الحريات العامة إنما يخشون من أثر هذه الحريات في مطالبة المواطن بحقوقه ، وليست الجامعات أو التعليم هوسبب التوتر والتمرد في المجتمع،  وانما مصدر التوتر هو شعور المجتمع بوجود  خلل فى النظام العام وتجاهل للحقوق المشروعة ، ويبتدئ التوتر في الظهور عندما يقع تجاهل  هذه الحقوق ولا يمكن أن تزيف ثقافة الإسلام لكي تقدم تبريراً لهذه التجاوزات..

وقد أثار انتباهي أن الملك كان يحترم الرأي في الدروس الحسنية، ولم أشعر بأية رقابة على ما  يغال , ولم أتلق أي توجيه فيما يتعلق بتكوين الباحثين من العلماء ، ولولا هذه  الثقة لماتمكنت من  متابعة مهمتي ، وكنت أمارس دور الرقابة على نفسى، واحرص على احترام هذه الحرية، وان تمارس الحرية بطرق عاقلة وغبر محرجة وبعيدة عن إرادة النقد والإساءة والتجريح…

أثر دار الحديث في الثقافة المغربية 

من المؤكد أن دار الحديث أسهمت إسهاما واضحا في الحياة الثقافية في المغرب من خلال أجيال المتخرجين الذين كانوا يعيشون في مختلف المدن المغربية في الشمال و الجنوب والوسط وكان لهم نشاط ثقافي متميز في تلك المدن , و قد حصلت في المغرب تغيّرات كثيرة خلال الثلاثين عاما الأخيرة وهذه التغيرات أمر طبيعي و هناك أسباب عديدة ساهمت في هذا التغيير …

مازالت صورة المغرب الأولى التي رأيتها في أول زيارة لي للمغرب ماثلة في ذاكرتي وهي مختلفة كلياً كما أراها بعد ثلاثين عاما.. انه مغرب جديد في ملامحه وفي ثقافته وفي اختياراته,  وهو اليوم أقوى مما كان  عليه وذلك بفضل الحرية الفكرية التي مكنت كل مثقفي المغرب من التعبير عن أفكارهم والافكار لا تخيف إلا إذ حبست ومنعت وقيّدت وعندئذ  تصبح كالبركان المدمر …

وبعد ثلاثين عاماً من الآن سيكون المغرب مختلفاً عما عليه الآن , والعالم العربي سيكون مختلفا أيضا وسوف يكون الغد أفضل من اليوم , وهذا أمر حتمي, وسوف تؤدي الثقافة دورا اكبر في تعميق وعي المواطنين بقضاياهم , ولا نريد أن نبحث عن المستقبل فنحن لا نملك الحق بتحديد ملامحه وهناك جيل سيكون مؤتمنا على عصره , ومن حقه أن يختار لنفسه ما يشاء وما يراه الأفضل له , ولا وصاية لجيلنا على الجيل اللاحق .

أما ثقافة جيلنا فهي اليوم أفضل من ثقافة الجيل السابق وأكثر انفتاحا وهي قادرة على التعايش مع الثقافات الأخرى وهي صامدة ولاخطر عليها , ونحتاج إلى إثراء هذه الثقافة بجهدنا وتجربتنا ولن يتحقق هذا الهدف إلا باحترام حرية الفكر والثقة بالعقل الإنساني واعتباره مصدر المعرفة , ويجب أن يحترم الفكر حيث كان فلا يمكن لاحد ان يمتلك الحقيقة منفردا فالحقيقة ملك للجميع , وكل إنسان مؤتمن على ما يقول , والثقافة هي جهد الجميع وكل رأي هو إغناء لهذه الثقافة ولا يمنع احد مهما كان من التعبير عن رأيه فيمايحسن الرأي فيه..

ومهمة المؤسسات العلمية  تكوين الشخصيات العلمية لكي تبني أفكارها الخاصة بها , ولا يجوز لهذه المؤسسات أن توجه هذه الأفكار أوأن تتحكم فيها , ولو فعلت ذلك لأنتجت أفكاراً  متماثلة والثقافة لا تنمو إلا بجهد الجميع ولا ينبغي أن نخاف من التعددية الثقافية فهذه ظاهرة إنسانية تعبر عن عظمة هذا الكون واتساع أفق الرؤية الإنسانية , وتتميز الثقافة الإسلامية بملامح خاصة تميزها عن الثقافة الوضعية، وأهم ملامحها أنها ذات طبيعة إيمانية، وتعبر عن قيم إنسانية عالية، وتدعو إلى التزام أخلاقي ، وهي أكثر سمواً ورقياً من الثقافات الوضعية ، فلا يمكن في ظل ثقافة الإسلام أن يبرر العدوان والظلم والاستبداد والطغيان والفساد ، ولا يمكن في ظل ثقافة الإسلام أن يرفع شعار الحقد والانتقام والقسوة والأنانية والعنصرية والتمايز الطبقي والعرقي، وفي ظل ثقافة الإسلام تحترم الإرادة الإنسانية وتحترم حياة الإنسان وتراعى مصالح الجماعة، ويشارك الفقير الغني في جزء من ثروته، ويتكافل المجتمع كله للدفاع عن الحياة والحرية والكرامة الإنسانية …

هذا هو منهج الثقافة الإسلامية، وفي ضوء هذه الثوابت تكون حرية الفكر مكفولة للجميع، ولايتفاضل البشر إلا بالعمل الصالح الذي يخدم الناس ، ولاتفاضل بغير هذا، فمن التزم بهذه الثوابت الإسلامية فلا حدود لحريته فيما يراه صالحاً لمجتمعه ، ومن كان يبحث عن الحق فلا حدود لحريته ..

وكنا فى البحوث العلمية نحرص على تعزيز مكانة الثقافة الإسلامية في المجتمع المغربي كثقافة وطنية رائدة، والمجتمع المغربي سريع الاستجابة لهذه الثقافة ، وكان يشكو من غياب المفاهيم الإسلامية الأصيلة المرتبطة بالحياة الاجتماعية وكان البعض يظن أن الإسلام لا يملك الرؤية الإصلاحية، وأن الإسلام يمثل الواقع حيث كان ويحميه، ولهذا ارتبطت الأفكارالإصلاحية بالأحزاب التي كانت بعيدة عن الإسلام…

ولاشيءيمثل الإسلام كالإسلام نفسه، ولا احد يعبر عن الموقف الإسلامي  كالقرآن والسنة ، وعندما يعبر رجال الدين عن الدين فإنما يعبرون عن الموقف الذي يرونه ، وهم جزء من واقعهم الاجتماعي وتتحكم المفاهيم السائدة بقناعتهم وتوجه اختياراتهم ، وهم بشر يخطؤون ويصيبون ويرضحون للواقع لأنهم جزء منه ، ولهذا السبب كانت صورة الثقافة الإسلامية في المجتمع هي مرآة للثقافة التاريخية  السائدة المتأثرة بالواقع المتخلف..

وكنت خلال محاضراتى وخلال توجيهي للبحوث والدراسات احرص على تكوين شخصية الباحث، وان اربط الصلة بينه وبين مصادر الثقافة الإسلامية الأصيلة  وليس الثقافة التقليدية السائدة ، ثم يختار الباحث طريقه الذي يريده  ويكتشفه بنفسه ، وهذا المنهج أدى لتكوين نخبة من الباحثين تختلف نظرتهم للإسلام عن نظرة السابقين لهم .. وتتضمن هذه الرؤية أفكاراً اقرب لعصرهم من أفكار السابقين الذين كانوا يهتمون بقضايا عصرهم , وكنت أتوقع أن يحدث هذا التطور أثره في الساحة الفكرية بعد حين فالأفكار تحدث أثرها بعد جيل عندما يتلقى الجيل الجديد هذه الأفكار وتحدث أثرها في قناعاته..  

وحاولت خلال السنوات الأخيرة من حياتي في المغرب أن ارقب أثر دار الحديث الحسنية في الساحة الثقافية المغربية فقد كان هذا الموضوع يشغلني , وكان يسعدني أن تكون الآثار جيدة ومفيدة وان ينعكس أثرها الايجابي على المغرب فقد كنت أريد لهذه المؤسسة العلمية أن تكون شعلة مضيئة في مسيرة المغرب , والمغرب كما رايته يستحق أن يكون بجهد أبنائه افضل مما عليه , ويملك طاقات كبيرة علمية وثقافية , وتاريخه يؤهله لدور ريادي  في خدمة الثقافة الإسلامية , وكنت احلم بالمغرب كما يجب أن يكون.. قلعة حصينة ومنارة  مضيئة .

( الزيارات : 1٬006 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *