ثقافتنا بين الامس واليوم..

ذاكرة الايام..ثقافتنا بين الامس واليوم
كنت اتساءل فى حوارى الداخلى مع نفسي وانا اكتب اول كتبى العلمية عن المدخل التاريخي للتشريع الاسلامى سر التراجع والتقليد الذى ادى الى ذلك التعصب المذهبي ومن الطبيعى ان ادرس فى البداية نشأة المدارس الفقهية الاولى , والبدايات الاولى التى سبقت تلك النشأة , واعني بها المرحلة التاريخية فى القرن الاول الهجرى , وكانت هناك بدايات لما ظهر بعد ذلك من تكوين المذاهب الفقهية فى القرن الثاني , وفى النصف الثاني منه , وكانت الفترة التى ظهر فيها الائمة الاربعة فترة قصيرة لا تتجاوز خمسين سنة , ولم يكن هناك تدوين فقهي , كان كتاب الموطأ للامام ملك هو التدوين الاول الذى جمع فيه الامام مالك بين الحديث والفقه معا , ثم اعقبة الامام الشافعي بتدوين اول كتاب فى اصول الفقه وهو كتاب الرسالة , ولم يترك ابو حنيفة كتابا وانما ترك منهجا منطقيا معتمدا على الاقيسة والرأى , نظرا لان الحديث لم يكن مدونا , وكانت هناك محاولات لجمعه منذ عهد عمر بن عبد العزيز فى اوائل القرن الثاني , وكانت هناك حرية فى الفهم , وكان التلميذ يخالف اراء شيخه فى مجلسه كما كان اصحاب ابي حنيفة يفعلون او فيما يترجح له فيما بعد كما فعل الشافعي وقد خالف شيخه مالك فى كثير من ارائه , , لم يكن هناك اي حرج فى المخالفة والحوار للبحث عن الحق , وكان الكل يحترم الكل بالرغم من الاختلاف , ولم يكن البحث عن الحق منهجا خاطئا ابدا , وكان يمكن ان تستمر مسيرة العلم مواكبة لعصرها معبرة عن جهد الاجيال المتعاقبة فى اغناء الفقه بالجديد المفيد فكرا وتأليفا , حرية العالم ركن اساسي فى مسيرة العلم وحق لا يزاحم من حقوق العلماء, ولا خوف على الحق من رموز الباطل من علماء السوء , وهناك منهجية صارمة لسلامة الاستدلال , والخوف من علماء السلطة لا يبرر ابدا اغلاق باب الاجتهاد وتضييق الخناق على حرية العقول فيما يترجح لها انه الحق, , ولما ازدهر التدوين الفقهي بعد ذلك ضاقت مساحة الحرية واصبح المخالف متهما بالعقوق والمروق , ويجب ان نعترف بوجود انزلاقات وشطحات ونفاقات ومزالق وتبريرات لبعض الحكام ولرموز القوة والمال والجاه الاجتماعى , واسهم العوام بتضييق الخناق على حرية الرأي , اما خوفا من التبريرات الخاطئة او بسبب الجهل والتعصب الاعمي , وتراجعت الماهج العقلية واصبح الاجتهاد انحرافا وعقوقا, وازدهر التدوين فى مختلف العلوم واشتد التعصب واصبح التقليد هو المنهج الاسلم, وتراجعت مدارس العلم فى اداء دورها فى تكوين علماء وقادة فقه وفكر , وكنت ارى ان من الضرورى ان نعيد النظر فى مناهجنا العلمية لكي تواكب عصرها وتعيد تكوين الاكفاء , فهما لمجتمعهم , انسان اليوم يعيش تحديات صعبة وعلينا ان نخاطب مجتمعنا بما يهمه ويفيده وينهض به , عندما نحترم العقول نخاطبها بما يقنعها وبما يسعدها , الانسان اليوم كما كان فى الماضى ولعله اليوم اكثر وعيا لحقوقه , وعندما نثق بالعقل اولا والعلم ثانيا ننهض من الكبوة التى نعيش فيها , ولا يمكننا ن نتجاهل قضايا الانسان المعاصر فى مطالبه المشروعة فى الحرية والكرامة وكل الحقوق الانسانية , اننا اليوم ندفع ثمن الجهل بثوابت الاسلام ومقاصده , واصبحنا بسبب الجهل والتعصب اكثر بأسا واشد عنفا واقل عاطفة ورحمة , اننا اليوم ابعد عن حقيقة الدين مما كان عليه اسلافنا , ونحتاج الى ثورة حقيقية فى المفاهيم لكي نقدم اسلاما اصيلا مستمدا من كتاب الله وسنة رسوله وليس من تصورات الاجيال المتعاقبة التى كانت تعبر عن قضايا مجتمعها كما تراءت لها , ونحن اليوم مؤتمنون على مجتمعنا ونحن ابناء عصرنا وعلينا ان نفهم ما يجب علينا ان نختاره من النظم والحقوق والقيم التى تنسججم مع ثوابت الدين وتسهم فى نهضة مجتمعنا فكرا وثقافة وتربية وخلقا , ولن ننهض ابدا الا بجهد عاقل وصادق يقوم به قادة فكر يحسنون الفهم ويقودون مسيرة مجتمعهم الى الافضل الذى يليق بمجتمع الاسلام ..
( الزيارات : 620 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *