حقيقة الانسان..

كلمات مضيئة ..حقيقة الانسان

كل انسان يملك قوى ثلاث لاتستقيم حياته الابها , وهي متفاوتة فى مدى رسوخها فى شخصيته , وما يظهر من الانسان هو جسمه المادى الذى ينمو ويكبر الى ان يبلغ كماله ثم يفنى كما تفنى كل الاجسام , القوى الثلاث ليست منظورة ولكنها مدركة باثارها , وهي كالاجسام تحتاج الى تغذية وتنمية لكي تؤتى ثمارها المرجوة منها , الغذاء هو اداة نمو الاجساد , ولكن كيف  تطلب الاجساد ماتحتاج اليه , لولا الشوق الى اسباب الكمال لما تحقق الكمال , عندما نشعر بالجوع فاننا نسمع صوتا خفيا ينادينا ان نلبى النداء , وهو نداء ملح لا يتوقف الى ان تقع الاستجابة له , الجوع هو شوق الى الطعام , عندما يتوقف الشوق لانشعر بالجوع ولذلك نسرع الى الطبيب لكي يعطينا ما ينشط شهوتنا الى الطعام , اذا لم تكن الاستجابة فالنهاية حتمية , الحب والشوق عاملان اساسيان لكي نبحث عن اسباب سعادتنا , الشوق لا يتوقف الا بالوصال , عندما ناكل نشعر بسعادة , عندما ننهض كل صباح فان ما يوقظنا هو شوقنا الى الطعام والبحث عن اسبابه..

 

اما القوى الثلاث فهي :

اولا : القوة الغريزية التى تخلق كاملة فى الانسان منذ ولادته , انه يبحث عن اسباب كماله عن طريق الغريزة , الصغير والمجنون يملكان ما يملكه الكبار من كمال الغريزة الشهوانية والغضبية , وهذه القوة هي اهم قوة لكمال الاجسام , القوة الشهوانية تطلب ما تحاجه الاجسام من كل الحاجات الضرورية , والقوة الغضبية هي اداة للدفاع عن تلك الحقوق عندما يقع الاعتداء عليها , هناك من تتمكن منه غرائزه او تسيطر عليه احدى تلك الغرائز وتتحكم في سلوكه فينقاد لها من غير تامل او تفكير او تمييز , وهي فى حال اعتدالها تعتبر مفيدة وضرورية , الغرائز ليست شريرة ابدا الا اذا دفعت صاحبها الى افعال الشر , فحب الاشياء والشوق اليها لا يعنى الانقياد لها والاستسلام لرغباتها الملحة , من استسلم لشهواته تمكنت منه وقادته الى امرين الطمع فى حقوق الاخرين والحقد عليهم اذا قاوموه , معظم الجرائم ناتجة عن هاتين القوتين , جرائم الطمع الناتجة عن القوة الشهوانية واهمها السرقات والرشاوى والجرائم الناتجة عن الشهوات والملذات الحسية , ومما يساعد على الاستسلام للشهوات حياة الترف وعوائده المترتبة عليه , والشعور بالقوة تنمي الرغبة فى التحكم فى المستضعفين والعدوان على حقوقهم واذلالهم فى المعاملات والاجور , اما القوة الغريزية الاخرى فهي القوة الغضبية الناتجة عن الشعور بالظلم والاضطهاد , وهذا الشعور ينمى مشاعر الحقد والانتقام , والفكر الانسانى وليد واقعه الاجتماعى , افكار المترفين تعبر عن تعاليهم وملذاتهم وطمعهم , وافكار المظلومين والمضطهدين تعبر عن الامهم واحقادهم , مهمة التربية ان تمكن الانسان من التحكم فى غرائزه لكي تكون اكثر اعتدالا وانضباطا , وان تكون تلك الغرائز فى قبضة العقل اولا والا تتجاوز معايير الدين واخلاقياته وبخاصة فى مجال الحقوق .

ثانيا : القوة العقلية , وهي قوة تولد ناقصة ومحدودة ثم تنمو وتكبر من خلال عاملين , الاول هو التجربة الانسانية , وفى كل يوم يتعلم الطفل شيئا من قوانين الطبيعة , ولذلك فان الطفل يفعل اشياء ضارة به ولا يعقلها ولا يدرك خطورتها على حياته وعلى من حوله , ومع التكرار ولملاحظة والتجربة تكبر قدراته التمييزية تدريجيا من البديهيات الفطرية الى التمييز الى الرشد , ولكل مرحلة خصوصيتها التكليفية , وقد اهتم علماء الاصول بهذا الامر في بحث قضايا التكليف والرشد المالى , وهناك عامل اخر يسهم فى تنمية العقل وهو جودة التعليم ورقيه , لكي يتعلم قوانين الطبيعة العلمية واكتشاف الغامض منها , وما اكتشف العلم من قوانين الطبيعة هو القليل الذى يحتاج اليه , ومما يسهم فى تنمية العقول هو معرفة القراءة والكتابة للاستفادة من تجارب الاخرين على امتداد التاريخ , ما زالت العقول فى بداية طريق المعرفة , وهي معرفة ظنية وافتراضية وليست يقينية , وكلما ارتقى التعليم ارتقت العقول فى معرفتها واتسعت افاقها واكتشفت الجديد من غوامض الكون , العقول متأثرة بمجتمعها وتجربتها وبما تختزمه فى الذاكرة , وتتاثر بمشاعرها ونموذج حياتها , ادراكات العقول لاتتجاوز حاجة الانسان في بحثه عن كماله , العقل هو مشعل نور لهداية الانسان , المشعل يكشف لك الطريق ولكنه لا يقودك لانه اداة بيدك , يساعدك على حسن الاختيار وصحة القرار , العقل ينصحك ولا يلزمك , انه يخاطبك بان تفعل ما يفيدك وان تتجنب ما يضرك , العقل كما يهديك الى الخير فانه يخطط لك طريق الشر , العقل الغريزى  ينظر فى المصالح المادية ولو تمكن من الافلات من العقاب لزين لك عقلك  الطريق لتحقيق غرائزك الشهوانية والغضبية , العقل لا يحصنك ضد الفساد والطمع والانتقام والاضرار بالمستضعفين واحتكار اقواتهم وظلمهم بما يستطيع ان يفعله , الضمير ليس نتاج العقول والاستقامة الناتجة عن الخوف من العقاب ليست فضيلة , اصحاب الياقات البيضاء من المحتكرين والطغاة والظالمين وقساة القلوب ليسوا اغبياء ابدا , تجار السلاح والمخترعون لادوات القتل الجماعى هم من العلماء المبدعين , جنرالات الحروب ليسوا اغبياء , والقادة الذين يتحكمون فى مصير الشعوب ليسوا اغبياء ايضا  , انهم يملكون  عقولا متميزة وقدرات فائقة , معظم العقول تتحكم فيها الغرائز  الشهوانية عندما يخلدون الى حياة الترف والنعيم , والغضبية عندما ينفعلون ويحقدون  وهم اشد من كل الاخرين قسوة وانتقاما , ولا تستقيم الحياة الانسانية الا بما يوفر لها اسباب العدالة واحترام انسانية الانسان بعيدا عن التصنيف العرقي والطبقى والقومى ,  اذا لم تتحرر اية حضارة من اسباب فنائها وهو الاستعلاء فى الارض  والانانية البغيضة التى تمكن الاقوياء من استعباد الضعفاء واشعارهم بالاذلال والتبعية فانها فانية حتما وتجرى عليها سنن الاولين  ..

ثالثا : القوة الروحية وهي القوة التى تنمى في  الانسان خصوصيته الانسانية الراقية التى تجعله انسانا مكرما , لان الله تعالى اراده ان يكون مؤتمنا على الحياة الانسانية ومستخلفا على هذه الارض وكل شيء مسخر له , والانسان هو الوحيد بين الكائنات التى يملك القدرة على تسخير كل شيء فى الطبيعة لخدمته , هذه القوة الروحية موطنها هو ذلك الانسان المادى بكل طاقاته البدنية والنفسية والقلبية وبفطرته الايمانية التى هي من الجود الالهي , وهذه القوة لا يملكها الا الانسان لانها اداة صلته بعالمه العلوي الذى لا تدركه العقول ولا الاجسام , هذه القوة الروحية هي من تجليات الله تعالى خالق الكون الذى هو نور السموات والارض , وهذه القوة ككل القوى توجد فطرية فى الانسان ثم تنمو وتكبر الى ان تتحكم فى القوتين الاخريين الغريزية والعقلية , وتتحكم فيها وتسخرهما لما اراده الله من الانسان , وهذه القوة قد تخبو لدى الغافلين الذين شغلتهم دنياهم  وتعلقوا بها وجعلوها هي همهم وغايتهم فاستعبدتهم الدنيا واغتروا بالمال او السلطة او الجاه الاجتماعى , هؤلاء ليسوا سعداء بماهم فيه لان الله يعطى الغافلين ما يريدون ويحرمهم من لذة ما يعطيهم وتكون مصدر شقائهم , وطريق التربية الروحية هي التاملات والمجاهدات النفسية التى تنمى العلاقة مع الله من الايمان الى الاحسان وهو ان تشهده فى كل اعمالك مدبرا حكيما , لا شيء فى الوجود الا بمشيئته , هذه هي القوة الاهم بين القوى الثلاث لانها تجعل الانسان اكثر فهما لمعنى الحياة وما يريده الله من ذلك الانسان ,

( الزيارات : 924 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *