حوار سابق لرئيس تحرير موقع باب مع الدكتور محمد فاروق النبهان

حوار سابق مع الدكتور محمد فاروق النبهان

الرباط – عمر الإنصاري (رئيس تحرير موقع باب)

دعا الدكتور محمد فاروق النبهان مدير (دار الحديث الحسنية ) في المغرب إلى الفتوى الجماعية التي تصدر عن الهيئة العلمية المختصة بالفتوى.وطالب بإنشاء هيئة إسلامية للفتوى على نطاق العالم، وأن يكون علماؤها من المشهود لهم بالعلم والرأي والاستقامة.

كما تحدث عن أهمية وجود مؤسسات علمية للقضايا الاجتهادية.

دور ونشاط دار الحديث الحسنية

وقبل الدخول في الحوار يعطينا الدكتور النبهان نبذة سريعة عن دار الحديث الحسنية في المغرب.حيث يؤكد على الدور الذي تضطلع به دار الحديث الحسنية في خدمة منهج السلف من خلال الأهمية التي توليها للحديث الشريف الذي اشتهر علماء المغرب بخدمته.
وتحدث عن دار الحديث الحسنية بقوله: إنها مؤسسة علمية للبحث والدراسة، ومهمتها تنمية البحث في مجال الدراسات الإسلامية، وغايتها تكوين جيل من الباحثين المتمكنين في مختلف مجالات التخصص في العلوم الإسلامية، وهي متخصصة في الدراسات العليا، وتمنح شهادة الماجستير ودكتواره الدولة في العلوم الإسلامية، وتعطى أهمية خاصة لعلوم الحديث الشريف، واشتهر المغرب بخدمته لعلم الحديث، ومازال علماء المغرب يهتمون برواية الحديث وحفظ الأسانيد، ومنهج علماء المغرب في الجرح والتعديل متميز بدقته وحرصه على الرواية الصحيحة.

من إنجازات دار الحديث

وتخرج من دار الحديث الحسنية أكثر من ألف باحث في العلوم الإسلامية، ومعظمهم يعمل في الكليات والمعاهد الجامعية،وبخاصة بكليات جامعة القرويين وبشعب الدراسات الإسلامية بالجامعات المغربية.

وقد تم طبع أكثر من ستين أطروحة علمية متخصصة في علوم القرآن والقراءات وعلوم الحديث والفقه الإسلامي، ومعظم هذه الأطروحات طبعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وتحظى دار الحديث الحسنية برعاية خاصة ومتميزة.. وهناك مجلة سنوية تصدر عن دار الحديث الحسنية وهي مجلة متخصصة في نشر البحوث العلمية.
ويشارك المتخرجون من هذه المؤسسة في جميع النشاطات الثقافية والعلمية والأكاديمية التي تنظم في المغرب مؤتمرات وندوات ونشاطات ثقافية،كما يشاركون بفعالية في النشاط الثقافي الذى تشرف عليه وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية في كل رمضان للجاليات المغربية في العواصم الأوروبية، هذا نشاط ثقافي جيد ومفيد، وتشهد العواصم الأوروبية نشاطات إسلامية لأبناء الجاليات العربية والإسلامية.

وهناك جمعية للعلماء المتخرجين من دار الحديث الحسنية تجتمع في دورتها العامة في كل سنتين أو ثلاث سنوات في إحدى المدن المغربية، ولها فروع جهوية تشارك بفعالية بالتعاون مع المجالس العلمية الجهوية في تنظيم محاضرات ودروس للتوعية الإسلامية، كما تسهم في تكوين الكراسي العلمية في المساجد الرئيسية.

دار الحديث والتعاون مع وزارة الأوقاف

وتحرص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على طبع البحوث العلمية والأطروحات الأكايمية التي يعدها المتخرجون من دار الحديث الحسنية، كما أسندت لعدد من علماء دار الحديث الحسنية مناصب قيادية في جامعة القرويين وفي شعب الدراسات الإسلامية بكليات الآداب والعلوم الإنسانية كما أسندت لهم رئاسة المجالس العلمية التي تشرف على النشاطات الثقافية والإسلامية في الأقاليم المغربية.

الإعلام الغربي أسهم في تشجيع الغلو والتطرف

يعتقد د. محمد فاروق النبهان أن الإعلام الغربي أسهم بطريقة مباشرة في تشجيع الغلو وتكوين ظاهرة العنف ولهذا اتسعت دائرة الغلو والتطرف وانتقل التطرف إلى عنف خطير يهدد حياة الأبرياء.

ويطالب بالاعتراف بالمطالب الاجتماعية المشروعة للطبقات المهمشة، وأهمها تيسير أسباب التشغيل والاعتراف بحق المواطن في الدفاع عن قيمه الدينية والأخلاقية.
ويوصي بإدانة جميع أنواع العنف ومقاومة هذه الظاهرة، وتوفير أسباب الأمن النفسي لكل مواطن، وترسيخ قيم تربوية سليمة تحارب العنف وتقاومه، وتجعل حياة الإنسان في موطن القداسة.

و يدعو إلى احترام التعددية الثقافية والحضارية، وإيجاد منهجية تعترف بحق كل فريق في التعبير عن قضاياه ومشكلاته، والاهتمام بالتنمية الاجتماعية كوسيلة للتخفيف من حدة الاختناقات النفسية، وإيجاد السبل والمنابر للحوار الاجتماعي.

 ما هو تصوركم لمفهوم السلفية، ودور السلف الصالح في خدمة العقيدة الإسلامية؟

 لاشك أن مدرسة السلف الصالح هي المدرسة الأصيلة الجديرة بأن تكون النموذج الأسمى في الفهم والاجتهاد والتأصيل، و الابتعاد عن الانحرافات في مجال التأويل سواء في قضايا العقيدة أو في مجال المناهج الفقهية.

والسلفية لا تعنى الجمود، وإنما تعني التأصيل الموضوعي للقضايا التي وقع الاختلاف فيها لكي لا يكون هنالك انحراف عن المنهج الإسلامي الأصيل.
وعندما يراد بالسلفية أن تكون أداة للجمود فمن الطبيعي أن تكون السلفية نقيضا للتطور، والجمود دليل على ضيق الأفق، ومنهج السلف يتميز بقدرته على مواجهة القضايا الفكرية و “النوازل” الفقهية بمنهجية إسلامية ملتزمة بالثوابت الإسلامية ومتحررة من قيود التقليد التي أدت إلى الجمود.

والسلفية أداة للتحرر من الجمود لأنها تقوم بدور التأصيل، وتتجاوز منهجية التقليد، ولا تعترف بقدسية المؤثرات التاريخية، كما أن السلفية الحقيقية تعطي للاجتهاد مكانته وتحترم كل اجتهاد يدعمه الدليل ويتفق مع مقاصد الشريعة.
وإننا نحتاج اليوم إلى سلفية حقيقة، واعية ومتفتحة، تنطلق من منطلق الشرعية وتراعي المصالح المعتبرة التي جاءت الشريعة لإقرارها وتنظيمها، ولا نريد سلفية الجمود والتحجر، وإنما سلفية أصيلة، تقوم بدور التصحيح لكل انحراف، وتشجع الرأي والاجتهاد الأصيل.

ما تصوركم لمفهوم الدعوة إلى التجديد ؟

 الدعوة إلى التجديد دعوة مستحبة، إذ لا بد من التجديد، والتجديد مطلوب في كل عصر، لأن مهمة المجدد أن يقوم بتصحيح المسارات الفكرية، ويعيد الأمور إلى نصابها ويمنع الانحراف، فإذا أريد بالتجديد التأصيل والتصحيح فهذا أمر مطلوب، ويجب أن يتصدى العلماء لكل انحراف، لكي تكون المناهج سليمة وأصيلة وملتزمة بالثوابت الإسلامية.

أما إذا أريد بالتجديد إلغاء النصوص وتجاهل الثوابت فهذا ليس تجديدا، وإنما هو هدم، والدعوة إلى الهدم يجب أن تقاوم، لأنها تؤدي إلى الفتنة، فلايمكن أن يكون التجديد عن طريق التنكر للثوابت الإٍسلامية، ولايمكن أن يكون التجديد عن طريق التنكر لتراثنا الإٍسلامي، فالتجديد الحقيقي هو تصحيح المسيرة الفكرية والدعوة لتنقية الفكر الإسلامي من كل الشوائب التي أساءت إليه.

والعقل البشري هو أداة التجديد، وهو أداة فهم النصوص الشرعية، والعقل هو المخاطب بالخطاب الشرعي وهو المؤتمن على ذلك الخطاب، إلا أنه يشترط في العقل أن يبحث عن المصالح والمفاسد في إطار الرؤية الإسلامية، ولا يجوز التنكر للعقل أو تجاهل الاحتكام إليه في الفهم والتفسير والتأويل.

 ماهو دور الفتوى في العصر الحديث ؟

 أنني أدعو إلى الفتوى الجماعية التى تصدر عن الهيئة العلمية المختصة بالفتوى، ويجب أن تكون هنالك مؤسسات علمية للفتوى وإبداء الرأي.. وبخاصة في القضايا الاجتهادية التي وقع الاختلاف فيها بين العلماء والفقهاء.

ولا بد من تنظيم مؤسسات الفتوى لكى تؤدي دورها الشرعى، ويجب أن تدرس كل نازلة من النوازل بكل موضوعية، وأن تصدر الفتوى الجماعية من هيئة مختصة، والفتوى الفردية قد تؤدي إلى تصادم الفتاوى لأن اجتهادات العلماء ليست واحدة، ومن حق أي عالم أو فقيه أن يبدي رأيه وأن يعبر عن اجتهاده كما يراه، إلا أنه لا يجوز أن تكون الفتوى المتعددة والمتناقضة أداة للفتنة والاختلاف، وبخاصة عندما يتدخل الإعلام لإثارة الرأي العام مما يؤدي إلى إضعاف هيبة العلم والعلماء والتشكيك في نزاهة المؤسسات الإسلامية المختصة بالفتوى، فالقضايا الاجتهادية يجب الاحتكام فيها إلى الفتوى الجماعية، فما تراه أكثرية العلماء حسنا فهو حسن، ومن كان له رأي مخالف فمن حقه أن يدافع عن اجتهاده من خلال المناظرات العلمية داخل المؤسسات المختصة إلا فيما ثبت وضوح مخالفته للأدلة القطعية، ولا اجتهاد في مورد النص.

ما الشروط التي ترونها في المؤسسات المختصة بالفتوى، وكيف يمكن أن يقع الاطمئنان إلى ما يصدر عن هذه المؤسسات من فتاوى؟

 يشترط في مؤسسات الفتوى المكلفة ببيان الحكم الشرعي أن تكون مؤهلة من الناحية العلمية للقيام بمهمتها، وأن تكون نزيهة في قرارتها، وأن تكون شجاعة في التعبير عن موقف الإسلام، وألا تسمح لأية جهة بالتدخل في تلك القرارات والفتاوى الشرعية، لكي يطمئمن المواطن إلى سلامة و نزاهة تلك الفتاوى.

وعندما تصدر الفتوى من جهة مختصة بالفتوى ومؤهلة لذلك وتكون تلك الفتوى صادرة بعد دراسة موضوعية للنازلة، فمن الطبيعي أن يقع الاطمئنان إلى سلامة تلك الفتاوى، وهذا مما يدفع المواطن للاحتكام لمؤسسات الفتوى.. ولا بد من ترسيخ الثقة بين مؤسسات الفتوى والمجتمع وذلك عن طريق التزام هذه المؤسسات بالمعايير الإسلامية والأدلة الشرعية، وأن تكون الفتاوى ليست معبرة عن رأي واحد، وإنما تعبر عن رأى هيئة علمية لا يتوقع أن تنحرف عن أهدافها الشرعية في بيان حكم الله في النوازل والوقائع.
وأدعو إلى إنشاء هيئة إسلامية للفتوى على نطاق العالم الإسلامي، وأن تكون هذه الهيئة بعيدة عن الوصايا وهيمنات مراكز القوة الاقتصادية، وأن يكون علماؤها من المشهود لهم بالعلم والرأى والاستقامة والنزاهة والحرص على احترام حقوق الله وحقوق العباد.

 ظاهرة التطرف ما أسبابها وما وسائل التغلب عليها ؟

ظاهرة التطرف في المجتمعات الإسلامية أصبحت مقلقة، لأنها لم تعد ظاهرة سلوكية فردية، وإنما تجاوزت ذلك إلى سلوكيات العنف الذي يهدد استقرار المجتمع ويسيء لسمعته ويشغله عن قضاياه الرئيسية.. و التطرف لا يُزال إلا بدراسة الأسباب المؤدية إليه، وهو في جميع الظروف ظاهرة سلبية تدل على وجود خلل ما في مسيرة المجتمع، والخلل يؤدي إلى إفرازات سلوكية غير منضبطة.. ولا بد من دراسة أسباب التطرف.
ولا بد من تربية إسلامية صحيحة لتكوين قيم الفضيلة في الشخصية، ومقاومة مظاهر الانحراف، وهذا هو المناخ الملائم للعنف المرضي الذي يهدد وحدة المجتمع.

 يحاول الإعلام الغربى اليوم أن يشوه صورة الإسلام، كيف نستطيع أن نقدم الإسلام الصحيح وما وسائل ذلك؟

يحرص الإعلام الغربي بكل وسيلة على تشويه صورة الإسلام وتقديم صورة قاتمة للإسلام، ويعتمد في ذلك على بعض الممارسات الخاطئة والسلوكيات المنحرفة والأفكار المتطرفة.
وأؤكد في هذه المناسبة أن سلوكيات الانحراف والتطرف والعنف ليست من الإسلام، وتتنافى كليا وجزئيا مع السلوكيات الإسلامية السليمة، والعنف له أسبابه الموضوعية، وهو حالة غضب ويأس، ومن الضروري معالجة أسباب العنف، سواء كانت أسبابا نفسية أو أسبابا اجتماعية أو اقتصادية، وسلوكيات التطرف والعنف موجودة في كل المجتمعات، ومنها السلوكيات العنصرية في أوروبا.

والشخصية الإسلامية تحترم إنسانية الإنسان ولا تقر سلوكيات العنف، وهى أقرب إلى التساكن والتعايش، إلا أنه يجب أن تحترم خصوصيات الشخصية الإسلامية، فالمسلم لا يرضى أن يستفز في عقيدته أو قيمه أو أخلاقياته، وهذا حق طبيعى لكل مسلم، ومن حق الجاليات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية أن تحترم خصوصياتها الدينية والثقافية واختياراتها السلوكية، وفي نفس الوقت يجب على هذه الجاليات أن تحترم خصوصيات المجتمعات الأوروبية، وأن يقع التساكن القائم على الاحترام المتبادل.

وعندما يحاول الإعلام الغربي أن يشوه صورة الإسلام من خلال استشهاده ببعض السلوكيات الفردية لبعض أبناء هذه الجاليات فإنما يسهم في تعميق حدة الكراهية المتبادلة، ويعمق مشاعر التمييز بين الأوربيين والمسلمين ويوجد الأسباب النفسية لسلوكيات التطرف والعنف.

وفي نفس الوقت فإننا مطالبون بالتعريف بالإسلام الصحيح وتكوين أجهزة إعلامية قادرة

على تقديم الإسلام بصورته الحقيقية، وتطويق الإعلام الغربي الذي يكرس في أذهان الأوروبيين صورة الإسلام المتخلف والشخصية الإسلامية الرافضة للسلوكيات الحضارية.

ومن واجب إعلامنا أن يعرَّف بالإسلام الحقيقي، وأن يعد برامج تلفزيونية موجهة إلى الغرب وبلغات الغرب المختلفة، لكى يعرف الأوروبي حقيقة الإسلام كما هي، من غير تشويه أو تزييف.

وعلى الإعلام الغربي أن يتعامل مع الإسلام من منطلق الإيمان بالتعددية الثقافية والحضارية، وأن يتجاوز موروثه التاريخي الكامن في أعماق الشخصية الغربية في تحاملها ضد الإسلام.
والإسلام قوة بشرية هائلة وموقع جغرافي متميز وسوق اقتصادية قوية،و يملك قابليات غير محدودة لـ”المدافعة” والمغالبة والصمود، وليس في إمكان الغرب بكل وسائله إلغاء الإسلام، وفي نفس الوقت فالشعوب الإسلامية ليست قادرة على التصدى للحضارة الغربية ومغالبتها، إذن لا بد من الإيمان بحتمية التعايش والتساكن في ظل هذه التعددية، على أساس احترام الحقوق المشروعة لكل الأمم والشعوب، واحترام خصوصياتها الدينية.

( الزيارات : 1٬638 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *