ذاكرة الأيام…الرحلة المغربية

ذاكرة الأيام…الرحلة المغربية

زرت المغرب ثلاث زيارات, كل زيارة تستغرق عشرة أيام كنت خلالها ألقي درساً أمام الملك الحسن الثاني رحمه الله ..في الزيارة الرابعة عرض علي الملك أن أتولى إدارة دار الحديث الحسنية وهي من أهم المؤسسات العلمية الاسلامية فى المغرب…كانت تضم أهم علماء المغرب ,وكان طلابها من كبار العلماء..ترددت كثيراً وطلب منى أمير الكويت أن أذهب منتدباً من جامعة الكويت إلى المغرب..تلبية لطلب ملك المغرب..وصلت الرباط وتصورت أنني سأعود بعد عام واحد أو أقل من عام..كنت لا أعرف أحداً في المغرب ..وكنت الوحيد غير المغربي في الإدارة المغربية..مهمة شاقة وعسيرة ..كان الكل يتصور أنني لن أكمل السنة الأولى..المغرب بلد التقاليد العريقة وبلد العلماء الكبار ..وليس من السهل على قادم من المشرق أن يصمد فى وجه الصعوبات والتحديات.

كنت أحمل مفتاح منزلي في الكويت الذى سأعود إليه..مضى العام الأول ومازلت في المغرب ..مضت ثلاث سنوات ..تصورت أنها الحد الأقصى لي..لم يسمح لي الملك أن ارجع إلى الكويت..أصبحت أكثر معرفة بالمغرب..مضت خمس سنوات وأكملت السنة العاشرة..واستمرت مهمتي مدة ثلاث وعشرين سنة في مهمتي كمدير لهذه المؤسسة العلمية..لم أعد أجد صعوبة كما كنت في البداية..كنت أحظى بثقة الجميع ومحبة الجميع..
ومن واجبى أن أذكر بالفضل والثناء هذه النخبة من العلماء والمفكرين وطلابي من كل المدن المغربية الذين كانوا جميعاً خير عون لي في مهمتي..كانوا في غاية النبل والتعاون ..كانت الصعوبات أقل مما كنت أتوقع وكانت عواطف المحبين أفضل مما كنت أستحق منهم.. ليس من السهل أن تكون في إدارة واحدة لمدة ربع قرن ..
مرت الأيام وعندما غادرت المؤسسة كانت دموع المحبين تذرف وأنا أودعهم وأقدم لهم صديقي الدكتور أحمد الخمليشى المدير الجديد الذي جا ء بعدي ليكمل المهمة..
زرت الكويت بعد ربع قرن..كل شيء تغير فيها..لم أجد أصدقاء الأمس ..ألقيت محاضرة على طلاب الدراسات العليا في كلية الحقوق.. تقدمت مني طالبة لا أعرفها.. قالت لي :أمى تسلم عليك , كانت طالبة عندك قبل ربع قرن في كلية الحقوق..شعرت أنني غبت طويلاً طويلاً..
ذكريات الأيام هي أجمل ما يحتفظ به الإنسان في حياته..إنها الأمس القريب..ما أجمل أن ترى طلابك يكبرون..وما أروع أن ترى أولادك ينجحون..زهور تتجدد باستمرار.. وأجيال تتلاحق في رحلة الحياة الجميلة من نقص إلى كمال ومن طفولة إلى شباب.

( الزيارات : 1٬615 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *