ذاكرة الايام..السيد النبهان

ذاكرة الايام
مازلت اتذكر مواقف فى حياتى تعلمت منها الكثير واكتشفت فيها طبائع الرجال , وما يخفى على الاخرين من اسرارهم ..ليس ما نراه فى الاخر هو الحقيقة التى يتصورها معظم الناس , وليس ما نتوقعه هو ما سنراه..كل شيء يختلف ويتغير بحسن المواقف والمجالس…
كم من رجال كبروا فى نظرى عندما اقتربت منهم فرايت منهم مالم اتوقعه من مواقف راقية وقيم عالية , وكم من عمالقة كنت اظنهم كبارا وكنت احسن الظن بهم ولما اقتربت منهم اكتشفت انهم لا يختلفون عن غيرهم فى القيام بما هو مخجل من التصرفات الصغيرة , تعلمت الكثير من هذه النماذج الانسانية , وكنت اتساءل فى سرى عن تفسير ما اراه ولا اجد جوابا مقنعا سوى ذلك الشعور الذى كنت احس به فى داخلى وانا أردد : هذه هي الحياة ..
كل من عرفت فى حياتى كنت ارى له ما يخفيه من اسرار واهتمامات , كل انسان له ظاهر وباطن , واحيانا تتسع الهوة بين ماهو ظاهر للعيان وما هو باطن ..
رجل واحد ما ازال ابحث عن سر ذلك الانسجام فيه واليقين ..لم يتغير قط بين ما يظهره وما يخفيه ..لم يكن له ما يخفيه , وكل ما تراه فيه فهو فيه , ظاهره كباطنه ..لم يتكلف قط ان يكون بغير حقيقته ..ما زلت احاول ان اعرف سر تلك القوة الخفية التى كان يملكها ..كنت اراه فى اخص مجالسه ولم يكن مختلفا عما هو فيه فى اعم مجالسه ..تعلمت منه الكثير من الصفات التى تجعل صاحبها كبيرا فى نظر نفسه لا يتكلف خلقا ليس فيه ولا يخفى خلقا فيه ..
لا اجامل ان ذكرت اسمه ولعل هذا مما يعرفه كثيرون ممن عرفوه عن قرب ..هو السيد النبهان طيب الله ثراه ..هو ذلك الرجل الذى لم اجده فى موقف اومجلس خاص يختلف عما هو فيه فى اي مجلس عام ..ماكان يقوله فى مجالسه العامة هي نفس كلماته التى كنت اسمعها منه فى اخص مجالسه , كلماته الايمانية الراقية التى كنت اسمعها منه فى مجالسه العامة هي نفس توجيهاته وقناعاته فى حياته الخاصة , لم اجده قط بغير الصورة التى عهدته بها ابدا ..لم اجده قط فى موقف ضعف انسانى وما رايت انسانا فى مثل صموده فى الازمات والشدائد وكانه ليس هو المعني بها..كان يشعر بالطمانينة القلبية وكان يغمره الرضا بقضاء الله , وسالته مرة ان يدعو الله بالفرج عند الشده , قال لى : وهل ادعوالله ان يرفع عنى ما اختاره لى وقدره علي..كيف اضيق بما رضيه الله لي ..ولما سالته عن الدعاء قال لى : غاية الدعاء :اظهار العبودية لله تعالى ..كان يقول :الله اعلم من نفسى بي وارحم ..
ما زلت اتذكر بعض المواقف الايمانية والروحية , واشعر بعظمة ما كنت اراه واعجزعن مجاراته فيه , ولو بالحد اليسير الذى يمكن لطبائع النفوس ان تكون قادره عليه..

( الزيارات : 1٬734 )

One thought on “ذاكرة الايام..السيد النبهان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *