ذاكرة الايام…العلم بين الامس واليوم

ذاكرة الايام..قراءة فى كتاب
مما لفت نظرى وانا اقرأ كتاب الاحياء للامام الغزالي فى الجزء الاول منه في باب العلم انه قسم العلوم الى اقسام , ومنها العلوم المذمومة التى تسبب ضررا لصاحبها او لغيره كعلم السحر او لانعدام الفائدة منها كالخوض في دقائق الاسرار الالهية , وبعد ذلك انتقل الى البحث عن اسباب الخلاف بين العلماء واقبالهم على علم الخلاف والجدل فى ذلك الزمن , وعلل اسباب ذلك الاقبال عليه ان الخلفاء عندما اتسعت الدولة احتاجوا لمن يتولى امر القضاء والحكم من اهل العلم , وعندئذ اقبل اهل العلم على طلب العلم توصلا الى نيل العز والجاه والمناصب العالية , واصبح العلماء يعرضون انفسهم على الحكام , وبعد ان كانوا اعزة باعراضهم عن الحكام اصبحوا اذلة بالاقبال عليهم وانكبوا على علم المناظرة و علم الجدل لكي ترتفع مكانتهم فى نظر الخلق وادعوا انهم يدافعون عن الدين وشرع الله وهم يتنافسون على الدنيا ويسترضون العامة بما يجادلون فيه , , وشبه الغزالى العلم بالمال , فكما ان المال يقتنى اولا ويكتسب ثم يدخر ثم ينفق منه ويبذل منه لمن يحتاجه , والعلم كذلك , وله حال استفادة واكتساب وتحصيل ثم حال استبصار وتبصير , والعالم كالشمس تضيء لغيرها ولمن يحتاج اليها وهي تضيء لنفسها , ما اجمل هذا التشبيه وما اقربه الى الواقع , العلم لم يعد كما كان ولم يعد اهله اعزة كما كانوا من قبل , هم بما يختلفون فيه يريدون بذلك التقرب من العامة بما يعرضونه عليهم من افكارهم وبالغوا فى ذلك , وفى مجتمع كثر فيه الجهل كان الانصراف عن العلم الحق الذى يراد به ارضاء الله الى ارضاء الناس بالمبالغات والانحرافات والحكايات ونسبوا الى الدين ماليس منه من المواقف والاهتمامات , واصبحنا نسمع كل يوم الجديد الذ ى لا نعرفه من الافكار والروايات الموضوعة المنسوبة للعلماء الاقدمين واصبح التعصب ظاهرة معبرة عن ذلك الجهل باحكام الدين , وكان العلماء في الماضى يجتهدون فى امرهم واصبح العلماء فى عصرنا يقلدون وقلما يفهمون او يلتزمون , واصبح مجتمعنا المؤمن يتطلع الى كلمة الدين التى تعبر عن حقيقة الدين واخلاقياته وادابه , ما زلنا نتطلع الى الافضل الذى يستمد من ثوابت الدين , ولسنا بحاجة لاستبدال واقع متخلف بمثله ولا حاكم جاهل باخر مثله جهلا ،وانما نحتاج الى ثورة تصحيح وتجديد تعيد بناء ما تهدم من ثقافتنا وماتشوه من قيمنا الاصيلة وما عبث به العابثون من تراثنا الاصيل في مصادره الصافية التى ابتعد العلماء عنها , تلك امنية جيلنا والاجيال التى ستأتى من بعد فى ثورة على الجهل والتقليد والتعصب , رحلة التصحيح قد تطول عقودا او قرونا ولكننا يجب ان نبحث عن الطريق , علينا ان نقدم ثقافة الاسلام من الاسلام الحق وليس من تاريخ المسلمين ولا من حكايات دولهم المتعاقبة ولا أفكار علماء السلاطين من الطامعين والطامحين والمنافقين التى لا تعبر عن الاسلام الاصيل الذى دعا اليه رسولنا الكريم وخوطب الانسان به لكي يكون اكثر رقيا وانسانية ورحمة .

( الزيارات : 725 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *