رد الدكتور النبهان على مناقشة اعضاء الاكاديمية عن ابن خلدون

  • ردود العضو الزميل السيد محمد فاروق النبهان :

أشكر الزملاء الكرام على هذه التعليقات المهمة والإضافات المفيدة التي أمدتني برؤية جديدة حول فكر ابن خلدون. لا شك أن هناك إضاءات في غاية الأهمية لتعميق رؤيتنا، ليس لشخص ابن خلدون ولا لما كتبه ولكن للمنهج الذي استخدمه ابن خلدون. وهذا هو الجديد.

ابن خلدون لما كتب عن التاريخ، أو كتب عن الدولة قدم منهجا يمكن أن يكون صالحاً في كل وقت. وأنا اليوم في كثير من المواقف المعاصرة عندما أطبق نظرية ابن خلدون، أخرج بنتائج قد تكون قريبة من الواقع من خلال تطبيق منهج ابن خلدون في موضوع العصبية.

مثال ذلك، الاتحاد السوفياتي سابقاً، وإذا طبقنا عليه منهج ابن خلدون، نجد نتيجة واحدة. بدأت طبقة من العمال والفلاحين يشعرون بظلم كبير في مجتمعهم أمام الثورة الصناعية. التحموا فيما بينهم على شكل اتحادات ونقابات. واجهوا النظام القائم.

 في البداية عندما التحموا كانوا في وضع المدافع عن النفس، وكانت لهم مطالب كبيرة. وقد قلت مرة أن في فيلم Dr.Zivago عندما قاموا بمظاهرة يطالبون فيها بالخبز، فجاءت خيول الإمبراطور فدهستهم، وعندما شعروا بهذا قام من بين الأنقاض رجل وهو مليء بالدماء، وقال الآن بدأت الثورة  لن نطالب بعد اليوم بالخبز، بل سنطالب بإسقاط الإمبراطور.

وصلوا الحكم عن طريق القوة، كانوا عصبة ووصلوا الحكم عن طريق الغلبة.أقاموا دولة، الجيل الأول أقام هذه الدولة وفرضها بالقوة. فريق منهم انفرد بالمجد والسلطة، تصارعوا فيما بينهم وقتل بعضهم البعض. كان لينين، وستالين سلطويين…الخ. جاء الجيل الثاني، بدأ يحافظ على هذه الدولة، جاء خر وتشوف وغيرهم، ثم جاء الجيل الثالث كذلك، إلى أن وصل الجيل الرابع وكان في حالة من الترف. فخروتشوف ذهب إلى أمريكا ورأى عوائد المجتمع الأمريكي وبدأ النظام ينهار. فهو لم يعد يقدر على مواجهة خصومه، هذا موجود حتى اليوم وخاصة في الأحزاب الاشتراكية، تأتي بنفس المنطق عن طريق كنفدراليات، ثم تصل إلى السلطة عن طريق القوة سواء كانت قوة الثورة أو قوة الضغط.

اليوم المؤسسات، وفي القديم، كما قال الدكتور التازي كانت قبائل على شكل كنفدراليات. كان هناك تجمع عن طريق الولاءات، بمعنى هذه القبيلة انضمت إلى هذه الخ…وكونوا تكتلاً، وهو القوة التي أوصلتهم  إلى السلطة.

وعندما يصلون إلى السلطة تحدث عملية التفكيك الداخلي. ومن خلال هذه العصبية المتناحرة يحدث انشقاق بين أفرادها لأنهم لم يأخذوا حظهم من السلطة، ويكون بعض هؤلاء الشركاء أقسى على جماعته من الآخرين، لأنه كما نرى في العراق وسوريا كان هناك حزب البعث، وصل إلى السلطة، وقويَ واستقر …الخ، وأول ما بدأ طرد الزعيم من الباب وحكم عليه بالإعدام، ذلك لأنه كان منافساً للسلطان. وهكذا كانت عملية القسوة على أنصار الماضي والمؤسسين الأوائل لأنهم ينافسون السلطة في هذه الحالة. ولكن أنصار النظام يبتعدون عنه إلى أن يصل الوضع المستوى الذي لا يطيق الناس الصبر عليه وتكون الثورة حتمية.

لابد أن تكون الدولة في مرحلة الهرم لكي يتم تفككها. وذلك يحدث عن طريق الزمن.

 إذن ابن خلدون قدم لنا منهجا. وقيمته في هذا المنهج الذي قدمه التاريخ مثلا لا يخرج عن الواقع فهو جزء منه. ويجب أن نفهمه في إطار الواقع.

وإذا قدمت تاريخاً فيه مبالغة، فإن القارئ يستطيع أن يراها واضحة.

فيما يتعلق بسؤالك حول الدولة، ودين الدولة، أنا إلى اليوم لم أستعمل كلمة الدولة أو دين الدولة. هناك دولة تحترم الدين أو لا تحترمه، ولكن الدولة ليست هي الدين.

الدولة الدينية هي فقط دولة الرسول ﷺ. بعد ذلك ليس هناك دولة دينية.

الدولة في تكوينها ليست  وظيفتها حماية الدين. ليست هناك دولة دينية وليست هناك دولة محمية بالدين إطلاقاً. فإذا أعطيتها القدسية الدينية، خرجت من دائرة الدولة.

 عند الشيعة هناك الدولة الدينية لأن عندهم إماما. إمام يملك سلطة غيبية لا يملكها الآخرون، فيطاع.

 في موضوع الدولة ليس هناك دولة غيبية إطلاقاً، الدولة مرتبطة بشؤون التدبير. وشؤون التدبير مرتبطة بإرادة الأمة. تبقى هذه الدولة التي أقيمت تحترم ثوابت الدين كلياً أو جزئياً.

ليس هناك حزب يقول أنا حزب ديني، لأن الدين للجميع. هناك أحزاب سياسيةملتزمة بثوابت الدين أو غير ملتزمة بها .

فمكونات الدولة ليست هي الدين، الدين ركن أساسي، ويجب أن تحترم ثوابت الدين في العقيدة وفي الحقوق. لكن عندما أقول “الدولة الدينية، فمصدرها الرسالة، والرسالة انتهت، وإذن رئيس الدولة لا يمتلك الصفة الدينية القدسية. الشيعة يقولون “هذا معصوم عن الخطأ”! هذا غير موجود عند أهل السنة. ولهذا فنص القرآن واضح في هذا المجال “أمر الناس شورى بينهم” أي أمر التدبير المرتبط بحياة الناس، هم الذين يتشاورون ويختارون النظام الذي يرونه صالحا لأنفسهم. إذا لم يصلح هذا النظام، نغيره بنظام آخر.

يبقى اختيار الأمة لهذا الشخص لأنه من أصل شريف، هذا من حقهم، أو يختارون ذلك الشخص لأنه محل ثقة، فهذا حق لهم كذلك.

 فيما يخص الخلافة الإسلامية كانت هذه ملكية بكل مكوناتها، كما نجد عند الموحدين والمرابطين ..الخ سلطة انطلقت من ضوابط الدين ولكنها سلطة دنيوية.

مثلا قانون الأسرة، “المدونة” هذا قانون، ولكن قامت على أساس الإسلام واحترام الثوابت الإسلامية، وأعطاها القانون حرية أكثر في التفسير والتنفيذ فيما يتعلق بهذه الثوابت. لم يخرج عن الثوابت إطلاقاً ولكنه انطلق من دائرة مذهبية.

أنا لا أقول إن هناك مذاهب، فكل الأئمة يتفقون على الثوابت. هناك فقط خلافات في تطبيق الفرعيات. هناك اختلاف مناهج فقط. اختلف مالك مع أبي حنيفة ومع الشافعي، كل واحد قدم منهجاً في الاستنباط، في دور العقل، وكان له تأثير صغير في الفروع وليس تأثير في العقائد إطلاقاً. بيد أن مع الشيعة هناك خلاف واحد، وهو مفهوم الإمامة.

عند أهل السنة الإمامة خلافة، ملك، رئاسة دولة. الشيعة يقولون لا : الخلافة سلطة دينية، صاحبها معصوم من الخطأ وهو امتداد للرسالة وبالتالي فهو يفهم من القرآن مالا يفهمه الناس، يفهم باطن القرآن، والناس تفهم ظاهره.

اختلفوا في الحديث، كلّ مَن وقف مع الإمام فهو موطن العدالة. وكل من وقف ضد الإمام فهو مجروح ولا تقبل روايته. وبالتالي أبو بكر وعمر وعثمان لا تقبل روايتهم. ليس هناك إجماع عندهم، لأن رأي الإمام مقدّم على باق جماعة المسلمين.

إذن ما نحتاجه اليوم ليس إعادة تكرار ابن خلدون.نحتاج اليوم أن نوسع منهج ابن خلدون في التفكير وهو منهج التعليل وذكر الأسباب.

هو لا يذكر فقط “الحدث” بل يزيد ويقول :”والسبب في ذلك..” ، وهكذا يعلل أقواله. ولما ذكر موضوع الدولة وجاء بالعصبية، فمعناه أن العصبة والتكتل والتلاحم هو أساس الدولة. يمكننا أن نسميها اليوم بالكنفيدرالية. ونعرف أن اليوم إذا لم يتّحد الناس فلن يحصلوا على شيء إطلاقاً.

————————–

( الزيارات : 1٬545 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *