رسالة الشدائد

رسالة الشدائد

تضيق النّفس البشريّة بالشدائد والابتلاءات والمصاعب ، سواء كانت ناتجة عن أمراضٍ أو فقد أعزةٍ أو خسارة مال ، وأحيانا تأتي الشدائد من عزيز تَنَكَّرَ لواجب الوفاء أو قريب كان عاقاً في سلوكه قاسياً في كلّامه متنكراً لأبسط واجباته ، وما أقسى عقوق الأولاد وقسوتهم ، وما أشقّ نكران الزوجة للعشرة والمودّة . هذه الشدائد توجّه رسائل لصاحبها إذا قرأها بعناية وفهم أسرارها وأدرك أنّ الله هو الذي حرّك القلوب لهذه المواقف ليوقظ الإنسان من غفلته ، ويشعر بضعفه ويتحقق بمرتبة العبدية لله تعالى ، فيخرج هذا المحبوب من قلبه بعد أن كان متعلقاً به ، ويتحرّر من ذلك التعلّق المذلّ والمتعب ، ويزداد تعلّقه بالله ويسلّم أمره له ، ويرى أنّ كلّ تلك الشدائد من الله لكي يعيده إليه ، وغالباً ما تكون الابتلاءات لأهل العناية إذا سيطرت عليهم الغفلة عن الله ، ولا توقظهم إلا الشدائد التي تشعرهم بالضعف والعبدية وتدفعهم للتسليم لما يريده الله لهم ، فإذا قُرئَت هذه الرسالة أدخلت الفرحة والسرور في قلوب من وقع عليهم الابتلاء ، ومما يخفّف عنهم الابتلاء علم المبتلى بأنّ الله هو سلط عليهم ذلك الابتلاء كما يقول ابن عطاء في حكمه .. و الشدائد موقظات لأصحاب الهمم الغالية والإرادات القوية , ومحبطة لأصحاب الهمم الضعيفة , الذين ينهكهم الجهد , ويتعبهم صعود الجبال , فإنّ هؤلاء يستسلمون بسرعة , ولا أتكلّم عن هؤلاء وإنّما أتكلّم عن هؤلاء الرجال الذين إذا سقطوا نهضوا بسرعة ، وإذا شعروا بالإحباط لفترة وجيزة سرعان ما يدفعهم الفشل إلى النجاح , وليس كالشدائد تصنع الرجال , ولولا الشدائد لما كانت العزائم فيا أصحاب العزائم القوية انهضوا من الكبوة , وقاوموا اليأس , فالفرج قريب وقودوا المراكب في البحار العاصفة لكي تكونوا القدوة لغيركم , فالشدائد لا تدوم إلا إذا أردتم دوامها بالاستسلام لها , وكلّ شدّة ترفعكم خطوات على الأمام , والله مع الصابرين على تحمل الشدائد وليس مع المستسلمين والقانطين واليائسين , وإيّاكم أن تعتقدوا أنّ الشدائد هي عقاب لكم من الله , وكلّ الأنبياء والأولياء والصادقين واجهوا الشدائد ولم يستسلموا وكان الله معهم في الشدائد , فلا تيأسوا من فضل الله , وارجعوا إلى الله بضعفكم وذلكم وسيتولى الله أمركم ومن تولاه الله أكرمه.

( الزيارات : 1٬620 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *