رسالة صدقة الفطر

كلمات مضيئة..رسالة صدقة الفطر
عندما اتأمل فيما اقره الاسلام من واجبات اجتماعية اكتشف الكثير من الدروس الاخلاقية والواجبات ذات البعد الانسانى , تاملت في فريضة صدقة الفطر التى تجب على المسلم في ليلة العيد عندما يستعد الناس للافطار , هناك من لا يجد ما يفطر به بسبب فقره , ولا بد له الا ان يفطر مع المفطرين ويفرح اولاده مع الاخرين , ما اقسى ما يفعله الفقر فى النفوس من جراحات والام , الصدقات هي دعوة للسلم الاجتماعي بحكم الدين ولاحدود لعمل الخير والاحسان في مقدار قيمة تلك الصدقات , هناك من يملك المال وهو يملك اكثر من حاجته وهناك من لا يملك مقدار حاجته , الحياة حق ويجب ان تتوفر اسبابها لكل المحتاجين لها بقدر حاجتهم , عندما تكون الرحمة والاحسان فالسلم الاجتماعى سوف يتحقق , ومن طبيعة النفوس ان تصبر على فقرها ما لم يكن ذلك الفقر نتيجة ظلم واستغلال واحتكار , الثروة الناتجة عن كسب مشروع يجب ان تحترم وهي قيمة الاعمال للعمال او المديرين ولكل قيمة عمله بالمعروف من غير تجاوز لمبدأ العدالة , اما الثروة الناتجة عن الاحتكار والاستغلال وانواع الربويات فلا يمكن ان تكون مشروعة ولو كانت الاعراف الاجتماعية تعتبرها مشروعة فالعبرة فيها هو تطبيق المعايير الشرعية العادلة التي تحقق الكفاية ولا احد خارج المسؤولية التكافلية , مهمة الدولة فى نظر الاسلام هي المؤتمنة على منع التجاوز والاحتكار والكسب غير المشروع واستغلال النفوذ الاجتماعى وهي المسؤولة عن انصاف العاملين من الاستغلال الظالم , المهم الا تكون الاموال دولة بين الاقوياء , عندما تكون الاموال دولة يكون الاستغلال حتميا , فلا تنافس فى ظل انعدام اسبابه فى توازن القدرات , ولا يمكن للضعفاء ان ينافسوا الاقوياء وهم الى زوال حتمي امام المنافسات الجائرة سواء على مستوى الافراد او الدول والمنافسات بين المستضعفين لتمكينهم من النمو وليس بين قوي وضعيف لترسيخ طغيان المال في المنافسات والكبار يملكون من الأسباب المشروعة وغير المشروعة مالا يملكه الضعفاء وهكذا تنحل المنافسة العادلة تحت معاول كبار المنافسين , الطبقات المتوسطة يجب ان تحظى بالحماية الكاملة والثقة بها وتدعيمها وتمكينها من المنافسة لكيلا تنقرض من الاسواق وهذا يهدد السلم الاجتماعى لانه يضاعف من اعداد الفقراء والمحتاجين ويبقي على الاقوياء , وهكذا تكبر الثروات الكبيرة ويصفر الصغار لان من شروط المنافسة التماثل في القوة ولا مماثلة ثبوت قوة الاقويإء ، وهذا هو الفساد الذى ينكره المجتمع ويهدد امنه الاجتماعى , عندما نستمد فكرنا من واقعنا الاجتماعى تكون افكارنا اكثر واقعية وممكنة وهنا تكمن مهمة الفقهاء ان يكتبوا عن قضايا عصرهم من منطلق فهمهم لها وبيان احكامها وليس من منطلق افتراضي بعيد عن الواقع والفقه تتجدد احكامه بتجدد رؤية كل مجتمع لمعنى العدالة في العقود والمعاملات , الشعور بالظلم يفسد النفوس ولو كانت صالحة ويجعلها اكثر قبولا للعنف الناتج عن اليأس , وهو اشد انواع العنف والتطرف فى الافكار هو السخونة فى الابدان التى تشعر اصحابها بخلل قد يكون كبيرا اذا لم تعالج اسبابه , ما اجمل ان نكون اخلاقيين ومنصفين , صدقة الفطر مثال حي واضح لاهمية التكافل الاجتماعى فى المناسبات الاجتماعىة , ولا حدود للاحسان الناتج عن ارادة الخير ولاحدود لنهاياته في مسؤلية الاغنياء عن فقرائهم ولو كثروا لان الكل يجب ان ياكل ويجد حاجته ليس فى العيد فقط وانما فى كل الايام , حياة الفقر والحرمان هي التى تشجع الفكر الذى يقود الى التطرف والانحراف , الطبقة الفقيرة تحتاج لمن يهتم بامرها ولمن يخفف الا مها تلك فريضة دينية مؤكدة لمن فهم معاني الدين , كل المجتمعات الانسانية تحتاج الى عدالة فى توزيع الثروات , المجتمع الانسانى اسرة واحدة يجب ان تكون متكافلة. لتوفير أسباب الحياة المادية لكي تكون متحابة مدافعة عن السلم الاجتماعى, الجهد الانسانى هو اغلى سلعة منتجة , اذا لم يكن الانسان فليس هناك انتاج , عندما نتجاهل انسانية الجهد الانسانى وكرامة الانسان نجرد ذلك الانسان من كرامته ونجعله كالآلة وحتى الآلة مزودها بأسباب قوتها من الطاقة والإنسان لانزوده بأسباب تلك الطاقة التي يعمل بها , نريد النظام الاقتصدى الذي يسهم فى اغناء العمال والمستضعفين وان يشعرهم بكرامتهم التي أقرها الله لهم , عندما لا يجد الانسان ما يعمله في حالات البطالة فهذا لا يفقده حقه فى الحياة والكرامة والكفاية وهو شريك في الرزق الذي أودعه الله في الارض , الناس شركاء فيما ارتبطت الحياة به ولا احد ينفرد الا بقيمة جهده الذي قام به ومالم يعمل فيه فلا حق له فيه , وهذا هو الرزق الذى كفله الله لكل خلقه , ولا احد يملك اكثر من قيمة عمله وهذا هو الكسب المشروع وهو الذي يملك ادخاره واستهلاكه وماليس له يسترد منه ويعاد لاهله , وكل مال نما بجهد المجتمع فالمجتمع اولى به بمقدار يحقق العدالة , ومفهوم العدالة ليست ما يراها الاقوياء وانما هي ما يراها الحكماء الاتقياء ممن يخافون الله ويرضون ضمائرهم, وهؤلاء قلة وممتحنون وقلما تجد من ينصت لهم , مهمة الدين ان يكون حليف المظلومين والمضطهين فى كل عصر وان يطالب بانصاف هؤلاء لانهم عبيد الله وقد كفل الله لهم بارزاقهم من ثروات الكون , وهي مباحة لمن استخرجها واكتشفها وهي ملك لكل المجتمع ومن عمل فيها فله قيمة جهده فيها لا يتجاوزه , كل الثروات الطبيعية فى البحر والارض والفضاء وهي من الثروات التى يملكها الانسان وهي تخترق الحدود لتشمل الاسرة الكونية , لا سلطان للاقوياء على الضعفاء , وتحترم ارادة الانسان فيما كان من امره بشرط الا يكون مزعنا او خائفا او طامعا فى سلطة او عطاء , وهذه الاوصاف تفقده اهليته لقول الحق والصواب , والحق لا يصدر الا من اهله وهم قلة في كل العصور , مهمة الانبياء فى عصرهم ان يبلغوا كلمة الله للخلق وان يوقظوا من ارسلوا اليهم من الامم , للتذكير بان الله تعالى هو الخالق لا شريك له وان كل الخلق عبيد لله , وان المال هو مال الله , وان الظلم محرم وأن الظالم لا يدوم , وان الانسان يملك الحق فى الحياة والكرامة ولا احد ينترع منه هذا الحق وان الدفاع عن الحق المشروع جهاد , وكل حرب يدفعها الطمع والطغيان فهي حرب عدوانية وكل من شارك في عدوان فقد اعتدى وظلم وهو مسؤول عن افعاله , وان دماء الأبرياء مصونة فلا تهدر الا بحق يبررها ..
تلك تاملات فى ليلة العيد وصدقة الفطر ومحاولة فهم حكمة الله تعالى فيما اوجبه الله على عباده مما يوجب علينا ان نتامله ونستمد منه منهج الله فيما اراده الله من عباده ..

 
 
 
( الزيارات : 532 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *