سياسة الاصلاح التى يقودها الملك

 

الإسلام عميق الجذور في المغرب ولا يمكن مقاومته ويجب الثقة بالإسلام والإسلام هو دعامة قوية للنظام السياسي والنظام الملكي بصورة خاصة إلا أن صورة الإسلام اليوم لم تعد كما كانت في الماضي وخرج الأمر من يد القيادات الإسلامية التقليدية إلى يد قيادات أخرى من ذوي الكفاءات العلمية والشعارات الاصلاحية, وهؤلاء يحتاجون إلى أسلوب في الخطاب والتعامل باسلوب أكثر إقناعا فقد كان العلماء في الماضي يسيرون رغبة أو رهبة في ركاب السلطة ويرصون بالقليل من ثمن الولاء ويعطون الشرعية لكل سلطة قائمة ولو كانت سلطة مغتصبة , ولم يعد الأمر كذلك اليوم لأسباب كثيرة أهمها زيادة وعي العلماء بقضايا عصرهم ورسوخ قيم إسلامية  , وما زال الحكام لم يدركوا أهمية هذا التحول الكبير في مجتمعاتهم ولا يمكن تجاهل هذا الواقع أو التصدي له عن طريق الحلول الأمنية وخاصة في مجتمعات تعاني من الفقر والتهميش والاختناق النفسي والغضب الناتج عن اليأس، ومعظم هؤلاء يتعاطفون مع كل دعوة تمرد لأنها تريحهم نفسياً وتمنحهم شعوراً ولو ضئيلاً بالأمل وينساقون وراء كل فكر متطرف وبخاصة إن كان يرفع شعار الإسلام والطريق إلى معالجة ذلك هو الالتفات إلى معالجة  مشاكل الفقراء والمحرومين والمنسيين وإشعار هذه الطبقة بالرعاية الاهتمام ولو بالحد الأدنى للتخفيف من مشاعرهم اليائسة والجوع محرك  للثورة والتمرد…

ولابد من سماع صوت هذه الطبقة المهمشة والمنسية وإعطائها الأمان وإدماجها في مجتمعها والثقة بها فهي جزء من المجتمع ولها قاعدة راسخة في مجتمعها ولايمكن تجاهلها بسهولة لأن الظروف التي أنشأتها مازالت قائمة وسوف تنشأ تجمعات لاحقة قد تكون أكثر تطرفاً وعنفاً وعلى الأنظمة السياسية أن تقترب من الإسلام فى الاحياء الشعبية فى مطالبها الاجتماعية  ،والاسلام في المغرب قوي وراسخ والملكية قوية وراسخة ايضا والاسلام احد أهم الدعائم لهذه الملكية والملك هو الرمز الدينى والوطنى  الكبيرالذى يمثل المغرب والمغاربة , والاسلام الحقيقي يكمن في الاحياء الشعبية الدافئة بمشاعر التكافل وهي اكثر ايمانا وقوة وتماسكا في دفاعها عن كيانها وكرامتها, واستفزاز هذه القاعدة الصامدة الصابرة اليائسة فى تجاهل مطالبها العادلة امر مخيف ولاحدود لخطره والبؤساء يجمعهم البؤس وان اختلفوا في المشارب والاهواء والانتماءات فالبؤس هو العصبية الاكبر الجامعة لكل البؤساء ولايمكن للدين ان يقف في وجه المحرومين واليائسين وان ضلوا الطريق ويلتمس العذر لكل المظلومين والمضطهدين في اختيار الوسائل الخاطئة  للدفاع عن مصالحهم  والسلام الاجتماعي يتحقق بالعدل وتلبية مطالب الشعوب المشروعة في الحرية والاجور العادلة والمساكن الآمنة ومقاومة الفساد والاستغلال وتعاطف السلطة مع هذه الطبقة لكي يزول غضبها, والمواطن يتحمل الجوع ويصبر عليه ولكنه لا يصبر على الظلم.

والظلم يستفز المحرومين واليائسين ولا تنفصل الظاهرة الإسلامية عن الظاهرة الاجتماعية المتمثلة بالفقر والظلم والمرض وتجاهل المطالب المشروعة لهذه الشريحة الواسعة في المجتمع .

إن ما ينفق على الحلول الأمنية لو أنفق مثله على هذه الطبقة الفقيرة لأعطى نتائج إيجابية أكثر نفعا ولأدّى إلى سلام اجتماعي مؤكد وكل تنازل تقدمه الأنظمة الحاكمة لصالح الطبقات الفقيرة هو أقل خطرا من الأثار الحتمية لغضب اليائسين والمحبطين,  والإصلاح مطلوب قبل فوات الأوان ويجب ان تسعى الأنظمة الحاكمة لتحقيق التصالح بين السلطة والمجتمع وأن ييتدى الحوار الصريح الجاد لكي يسمع كل طرف كلام الآخر ويلتمس له العذر فيما هو فيه فقد كان للسيف هيبة في الماضي ولم تعد للسيوف اليوم هيبة وأحداق الشعوب الغاضبة أكثرهيبة من سيوف السلطة …

والإسلام في المغرب كما رأيته لا يمكن أن يكون خطرا على النظام السياسي ولا يمكن أن يؤدي إلى الإخلال بالأمن والسلام الاجتماعي بشرط أن يتم التعامل معه  بذكاء وواقعية وتفهم لأسبابه , فالمغاربة لا يحبون العنف ولا يميلون إلى التطرف الديني ولا يمكن للتطرف الديني أن ينمو في المغرب في ظل خطة شمولية للإصلاح الاجتماعي وتحقيق العدالة ومقاومة الأمراض الاجتماعية والمغرب قاد سياسة جادة ومحكمة لحل المشكلات الاجتماعية ورسم منهجا للاصلاح حقق الكثير من الاهداف المرجوة منه وما زال يتابع باهتمام  سياسته الاصلاحية فى المجالات الاجتماعية , ولم أجتمع مع رموز التطرف , ولم ألتق مع أي فرد من دعاة العنف ولم أكن أحب ذلك النوع من السلوكيات وأعتبر ذلك من سلوكيات الجهل ولا تصدر مثل هذه الأفعال إلا عن أفراد يغلب عليهم التوتر الداخلي والتعصب والجهل بحقيقة الإسلام , ومن جهل حقيقة الإسلام فمن اليسير التأثير عليه باسم الدين لارتكاب أفعال لا تنسجم مع ثوابت الدين وأخلاقياته ….

والتطرف الديني ظاهرة مرضية وتدل على أفق ضعيف وتأبى النفوس مثل هذه السلوكيات مهما كان أسبابها ولا يلتمس العذر لأصحابه فيما يفعلون من سلوكيات العنف الجاهل وهو ليس من الدين وإن أورتكب من الدين …

وكنت ألتقي بشخصيات علمية ذات رؤية إسلامية ناضجة ويملكون وعيا متميزا بقضاياهم المعاصرة ويحسنون الفهم , وكنت أرى في ملامحهم إدانة للواقع الإسلامي في العالم العربى ولبعض المفاهيم الخاطئة , وكانوا ينقدون بعض المفاهيم السائدة بإسلوب عاقل وبلهجة هادئة وهم ليسوا من النظام القائم وإنما كانوا ضد الممارسات التي ترتكبها السلطات للسيطرة على الرموز الدينية والمؤسسات الدينية وترويج الافكار التي يريدها النظام لتدعيم مكانته وتبرير مواقفه , وهذه ظاهرة كنت ألمسها عند كثير من الرموز الفكرية بالرغم مما كنت ألاحظه من تحفظ وكنت أسمع ما لا يسمعه غيري نظراً للثقة التي أحظى فيها في نفوسهم فيعبرون أمامي عما كان يجيش في داخلهم وما يتردد من أفكار في عقولهم, و ما كنت أسمعه همساً في الماضى أصبح يتردد علينا في المجالس والصحافة أكثر صراحة وجرأة ,وكل هذا يدعونا إلى التأمل في المستقبل ,ويحضنا على إصلاح بعض المفاهيم السائدة والاستفادة من الملاحظات لتصحيح بعض الجوانب السلبية وما كان جيلنا يقبله في أمسنا ربما لن يقبله الجيل المقبل في الغد , وهذا الأمر لا يقتصر على المغرب وإنما يمتد لكل الأقطار ولكل الجماعات الإسلامية ولكل من يستظل بمظلة الدين أو بمظلة أية عقيدة دينية أوغير دينية للسيطرة على العامة , وكل الشعارت الوطنية والقومية والاشتراكية تفقد قيمتها عندما يكتشف أنها مطية للحكام للسيطرة على الشعوب والتأثير عليهم , وهذا كله قد ينجح في البداية وسرعان ما يكتشف المواطن أن هذه الشعارات ليست صادقة وينفر منها ويحقد على من خدعه من دعاتها والمروجين لها ويبقى المواطن ويغيب الجميع…

( الزيارات : 872 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *