شوق النفوس الى الكمال

كلمات مضيئة..شوق النفوس الى الكمال

كنت فيما اكتب اؤكد ان الانسان هو المخاطب والمؤتمن والمسؤول , وهذا الانسان متجدد ومتفاوت ومختلف , وهو وليد مكوناته النفسية والتربوية وما هو مختزن فيه من مشاعر وذكريات ومكبوتات  قد لا يشعر بها وهو وليد واقعه ومحيطه وما يجب عليه ان يحترمه ويلتزم به من القيم الاخلاقية  والاعراف الاجتماعية , الانسان ليس واحدا وهذا هو السبب الذى يفسر لنا اختلاف العقول فيما تراه انه الحق والصواب ,  ومن الواضح ان مهمة المفسرين شاقة وعسيرة , لان العقول وليدة المؤثرات التى اسهمت فى تكوين قناعاتها , عندما ندعو الى الثقة بالعقل فيجب ان نعترف بالتعدد حتما , ولا احد يمكنه ان يدعي انه الاحق بالحق , العقل هو المخاطب ويجب عليه ان يفهم ما خوطب به , بنفسه او بغيره , وسيلة فهم الخطاب هو فهم مخاطبه لذلك الخطاب , عندما تنتفى المصالح الظاهرة فمن اليسير ان تكون العقول اكثر قدرة على التوصل الى الحق , ولكن العقول وان استقامت فلا يمكنها ان تتحرر مما هي فيه من ميول واستعدادات ومشاعر تتحكم في توجيه تلك العقول , سلوك الانسان الظاهر ليس هو كل تلك الحقيقة التى هو عليها , فهناك مالا يمكن التعبير عنه من المكبوتات الخفية التى هي وليدة مواقف ومخاوف قد يظهر اثرها على فكر الانسان وقناعته , عندما ندرس افكار كل انسان فسوف نجده منسجما مع نفسه ومعبرا عما هو فى داخله , عندما نحلل الافكار فسوف نجدها تعبر عن شخصية صاحبها وتحمل ملامحه الشخصية الفطرية والمؤثرات التى صنعت شخصيته , ما ينقل لنا من افكار العظماء ليس الحقيقة المطلقة كما هي وانما ما يراد له ان يصل , وما يكتبه هؤلاء عن سيرهم انما يكتبون ما يريدون ان يظهر من شخصياتهم , هناك الوجه الاخر الذى لا يريدون التعبير عنه وقد لا يشعرون به او يعرفونه ولا يعترفون به ,  كنت اجد فى ذلك الانسان  سر الوجود وابداع الله تعالى فى خلقه , عندما اتابع ما كتبه الفلاسفة والمفكرون اجد ذلك التعدد والكثرة فيما يكتبون واجد فى نفس الوقت ذلك التناقض فى تعريفهم لذلك الانسان كما تصوروه , لا احد كالاخر فيما كتب , ولكل رأيه ولا يقين فيما كتبوه , ليس فيما كتبوه عن الالهيات وانما فيما كتبوه عن الانسان نفسه , كيف يمكننا ان نثق بالفكر الانسانى وهذا الانسان هو وليد واقع خاص به مؤثر فى فكره وسلوكه , كل فكر هو وليد رؤية صاحبه فى لحظة واحدة , ولا يعنى ان تتجدد فى لحظة تالية , وهذا ينفى فكرة امكان الثبات فى الافكار , كل جيل مخاطب ومكلف وعليه ان يفهم ما هو مخاطب به , مهمة التفسير شاقة وتتجدد باستمرارفى كل لحظة زمانية , لا شيء من الجمود فى الحياة , الكون هو ما يراه الانسان ولا يعنيه ما تجاوز ذلك , مهمة الانسان ان يسخر الكون لخدمة الحياة الانسانية , كل ما ارتبط بالانسان وما يمكن للعقل ان يحيط به ويسخره ويجعله فى خدمة الانسان فهو حق له , لا حدود لقدرات العلم ان يصل اليه من اكتشافات , ولولا الانسان لما كان ذلك مهما , هكذا اراد الله تعالى ان يجعل الانسان هو المكلف وهذا هو معنى التكليف والتكريم الانسانى , كل ذلك يجعلنا نتساءل عن ذلك العقل الذى وليد تلك المكونات المادية التى تتمثل فى وجوده وتلك المؤثرات فيه من المشاعر الخفية والعواطف المختلفة بالاضافة الى ما يؤثر فى الفكر والسلوك من موروثات ناتجة عن المجتمع والتربية , لا احد يمكنه ان ينكر اثر تلك العوامل فى عمل العقل , وكل هذا يدفعنى للتامل فى تلك النفس الانسانية , وكنت اراها اكثر اهمية من ذلك العقل فى امتدادها الروحي الذى لا يمكن الاحاطة به , لانه من اسرار التدبير الالهي , ذلك الانسان هو الذي تتجلى فيه عظمة الله في الكون , انه عندما يصفو يزداد شوقه الى الكمال ويكون ذلك عندما تنتصر لديه الرغبة فى الكمال وتواجه عن طريق المجاهدات النفسية والروحية تلك الغرائز الشهوانية التى تنمى لديه الاطماع الدنيوية فى المال والسلطة والشهرة وتلك حظوظ النفس  الامارة بالسوء ,  عندما تتحرر النفس من كل تلك الميول والمشاعر ترتقي وتسمو وتكون اقرب الى الله في كل افكارها وميولها وسلوكها فىما تظهره وفيما تخفيه من امرها , تلك هي مرتبة الفهم العرفانى الذى يجعل صاحبه اكثر سكونا فى قلبه واكثر استقامة فى سلوكه ..

( الزيارات : 686 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *