صحبة مؤترة

ذاكرة الايام .. صحبة مؤثرة
كنت اتأمل في بعض الافكار التي أكتبها عن الدين والحياة والمال والحقوق واعيد التفكير. في كثير من المفاهيم والقيم التي كنت أسجلها وأحاول ان ابحث عن مصدرها وجذورها. فى نفسي  , واتساءل عن مدى صحة  تلك الافكار , لا شيء من افكارنا لا تخضع للمراجعة النقدية الجادة , ليس عيبا ان نحاسب انفسنا , احيانا نجد انفسنا تحت تأثير موقف او عاطفة او انفعال , فنعبر عنه  , كل فكرة لها جذور مؤدية لها وتقود اليها , لا شيء من جهد العقول لا يخضع المراجعة , الفكرة وليد اللحظة التى نعيشها , هذا هو شان الانسان من قبل ومن بعد ,لا احد كالاخر فى كل شييء و لا تماثل  وانما هناك تعدد وتكامل لكي تستقيم الحياة ,  كل فكرة هي وليدة  انفعال سابق  ادى اليها  , من حقنا ان نبحث عن جذور كل فكرة  من افكارنا , كيف تكونت  فى عقولنا  وانتقلت من مجرد الخاطرة الى الفكرة , الخاطرة هي بارقة سحاب قد تمر سريعة واحيانا تعود الينا على شكل فكرة نتبناها وتنمو فى عقولنا وتصبح قناعة , لا اشك ان تريتى الاولى فى الطفولة كانت بصحبة السيد النبهان طيب الله ثراه كانت هي الاهم فى حياتى , مدة عشر سنوات من الصحبة كانت كافية لتكوين الكثير من ملامح شخصيتي فى تلك الحقبة ,  وتأثرت بها واصبحت تمثل لي قناعة وفكرا.وتغيرت اشياء كثيرة ولكن الجذور بقيت كما هي قوية وراسخة , لقد كانت تربيتى الدينية هي الاساس وكانت مؤثرة  فى ملامح  ثقافتى  , هناك مفاهيم وقيم روحية  تربيت عليها منذ الطفولة , مازالت كما تلقيتها ,  وترجحت لي فيما بعد انها مما يريده الدين ويعبر عن مقاصده ، مصدر الكثير من تلك الافكار  من تأثير السيد النبهان طيب الله ثراه في طفولتي الاولي وتربيتي ورؤيتي لما كان يفعله في حياته. ، كنت اراه عن قرب. ،فى ليل ونهار وفى كل مجالسه العامة  وحياته الشخصية ,  وبقيت تلك المواقف في الذاكرة وكنت اراه  كيف كان يفعل ، وأخذت فيما بعد أعيد التفكير فيما كنت اراه واستعيده فى ذاكرتى ، كنت اراه يفعل كل ذلك من غير تكلف ، كان يمثل بالنسبة لي الشخصية الاسلامية في كيفية فهمها للحياة ولرسالة الاسلام وكنت محبا له ومعجبا به ,  كان يفهم الاسلام كمنهج الهي. للحياة اكثر تعبيرًا عن رقي الانسانية في اختيارها لحياتها ونظامها بما يدعو الانسان الي الكمال والرقي الاخلاقي ، لم يكن السيد النبهان قط متكلفا في اَي سلوك  ، كان يتصرف بعفوية وتلقائية من غير ادعاء او شعور بالتميز ، كان له فهم للاسلام عميق يختلف عما كان لدي الاخرين ممن عرفتهم فيما بعد من رموز الدين ومن العلماء والدعاة ، كان ملتزما من غير تكلف او ضيق في الفكر او تزمت متكلف , كان الدين بالنسبة له منهج حياة امر الله به ويمثل الكمال الاخلاقى ، كان المال في نظره هو اداة للحياة ولم يكن يعرف الادخار بأية صورة من صوره ولولمصروف غده ، كان المال يأتي بالجهد والعمل  وينفق منه علي نفسه وعلي كل من حوله من المحتاجين ولَم يمسكه قط. عن محتاجه ولو كان عاصيًا في نظر مجتمعه كان يحترم الانسان لصفته الانسانية ولا يسأله عن هويته ومذهبه وانتمائه ، كل ما يملكه كان ينفقه في نفس اليوم علي كل. المحتاجين من حوله , لم اره قط يرد محتاجا. عن طعام او دواء او ما هو ضروري له ، كل ما زاد عن حاجته هو لمن يحتاجه , كان يرى ان المال في خدمة مجتمعه ، لم يدخر قط. اَي مال ولو لشراء منزل له أولأحد أولاده ولم يفكر في ذلك وكان الامر يسيرا عليه ، ولم يترك. ملكية او شيئا لورثته. ، كان مدينًا باستمرار ، ولم يكن الدين بالنسبة اليه وظيفة معاشية او مهنة دنيوية ، لم اجده يتظاهر قط بماليس فيه او يتقرب الي العامة بما كان يفعله من العبادات وأعمال الخير،. كان يفكر في كل الاخرين اكثر مما يفكر فيمن حوله من اسرته كانت اسرته كبيرة وتشمل كل المحبين من اخوانه ، ويسعي في خدمتهم وبخاصة المستضعفين والأطفال والشيوخ ، لم اجده يتظاهر بالدين. او يدعيه ،ما يثبت لديه. من السنة النبوية اخذ به اتباعا من غيرتردد فيه ، وما لم يثبت  لديه كان يتجاهله ولا يفعله ولو كان شائعًا لدي كل الاخرين ، لم يكن ينكر ما كان عليه غيره احترامًا لخصوصيتهم وفيما اختاروه لانفسهم  , كان يحترم كل طريق يقود الى الله ويعتبر ذلك حقا لصاحبه  انطلاقا من احترامه  لخصوصيات كل الاخرين ولو كانوا مخالفين له ، لم يكن يهتم بامر السياسة والسياسيين ابدا لا تعنيه المنافسةعلي الدنيا ، ولم يشغله ذلك ، ذلك كله من امر الانسان ، كان قريبا من الله. في كل عمل من أعماله. ويري الله تعالي فيما يفعله من خدمة عباد الله ، كان راضيا بكل ما قدره الله عليه ولم اجد اكثر منه قبولا للابتلاء ، ويقول : لقد وجدت كل الخير في الابتلاء ، كان يعيش لاجل كل الاخرين في قضاياهم وبخاصة المستضعفين. ، كان يعمل في الدنيا ويهتم بالعمل ويجيده ويتقنه  , ويعتبر ذلك مما امر الله به لكمال الحياة ، كان زاهدا في كل شيئ من امر الدنيا ، لم اجده قط متعلقا باي شيئ من الدنيا ، كانت مقتنياته قليلة جدا  وهي ما يحتاجه لحياته ، ومالا يحتاجه. كان يستغني عنه ، لم اجده يوما يتكلم بلغة الثواب والعقاب. ، والجنة. والنار ، ولم يعمل لاجل الجنة ولم يترك أمراً محرمًا خوفًا من النار ، ما أمر الله به كان يفعله لانً الله امر به وما حرمه كان يتجنبه من غير تردد ، لم تكن له أوراد صوفية معنادة ولم اره  يحمل  بيده مسبحة ابدا وكان يضيق بمن يلعب بها ، و لم يتكلم بلغة الأرقام في اداء. الطاعات كان يفعل الاكمل والافضل ، كان يؤذن في غرفته ويصلي اماما لاسرته او من معه ولم أره قط يصلي منفردا او يؤخر صلاته عن موعدها ، كان قريبا من الله في كل أعماله ، وكان يتكلم بلغة العبدية لله والرضا بقضائه وقدره ، كان دعاؤه لإظهار العبدية لله ولم اره يدعو الله لاجل دنيا يصيبها ويرغب فيها وكان يرى ان الله ارحم به من نفسه واعلم واحكم  وما يختاره له هو الافضل له ، لم اره قط يدعو لاحد بالرزق ، ودعا لي مرة واحدة بالرزق في ورقة التيسير عندما طلبت منه ذلك وكتب عليها بناء علي طلبه وكانه كان يتبرأ من الدعوة بامر اختص الله به ، كان دعاؤه لكل المسلمين ويردد بأن الله رب العالمين وليس رب المسلمين فقط ، كان بعيدًا عن التعصب الديني والطائفي والقبلي والقومي ، كان بعيدًا عن كل ذلك، لم اره قط في زيارة سياسي ابدا ولو كان صديقا له ومحبا ، ولو في زيارة اجتماعية ، كان يزور المرضي والمستضعفين ويهتم بهم ، كان بعيدًا كليًا عن البدع والمبالغات. في الدين ، كان صوفيا ولكنه كان بعيدًا عن توظيف التصوف لأغراض دنيوية وضد التوريث المتعارف عليه وانتقال الاسرار وتوارث الطرق والاهتمام بالكرامات وخوارق العادات والبحث عن الغيبيات وتفسير الأحلام ، لم اسمعه يوما يروي حلما من احلامه في المنام او يفسره لاحد ، ولم اسمعه يتحدث عن السحر او يهتم به ، كان ملتزما بغير حدود باحكام الشريعة كما هي من غير تجاوز او اهمال ، لم اره قط حاقدًا علي احد. ، كان معياره الدين والاستقامة ، كان محبًا لكل الاخرين ويمد يده لكل من اراد الهداية ، كان يقبل العصاة. ويفتح قلبه لهم ويتجاهل ماهم فيه ، ويمنحهم الامل ويقول بان باب الله لا يوصد ابدا امام من يلجأ اليه ، لم يكن يحب استغلال الدين في امور السياسة ، ولا تسخير الدين لغير الدين كما امر الله به ، تأثرت بما كنت تربيت عليه مع السيد النبهان طيب الله ثراه ، ما زال هو المرجع الذي استمد منه افكاري عن الدين والحياة والقيم الدينية ، هناك الكثير من المفاهيم من اثار طفولتي وتربيتي وصحبتي للسيد النبهان ، كان هو المعلم الاول الذي تأثرت به ، ولم انأثر بغيره ممن تلقيت عنهم العلم فيما بعد ، كان مختلفا عن كل الاخرين ،>

 

( الزيارات : 533 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *