طبائع الكبار

 

علمتني الحياة

أنّ الناس قسمان ، قسمٌ يكبر ولا يسمح لأحدٍ أن يكبر معه ، ولو كان من أقرب النّاس إليه ، ويضيق بمن يقترب منه من أعوانه ، وتدفعه أنانيّته لإسقاط كلّ من يتوهم أنّه ينافسه في مكانته أو يطمع في خلافته بعد موته ، ويظنّ نفسه خالداً ، وهذا النّوع من الرجال لا يصنع رجالاً لأنّه يخيفهم ويرعبهم ، ويختار الضعفاء لصحبته ، ويخشى من الأقوياء ، ولا يرضى أن يُنسَب الفضل إلا إليه ، ويغريه النفاق والمدح ويسعده أن يسمع من يصفه بالعبقرية ، وهذا نموذج للقادة وأصحاب النفوذ والزعماء السياسيين وقادة الأحزاب وزعماء العشائر والقبائل والطرق الصوفيّة ، وفي ظلّ هذا النوع من القيادة يتحقق الانضباط وتقلّ الفوضى وتكثر الأخطاء وسلوكيّات النفاق والتملق والغدر والوشاية ، والزعامة مهمّة في بعض المواقف ، ومظهر قوّة للدولة وللجماعة وللطائفة وللأحزاب وللزعامة الروحية والزعامة القبلية ، ولوحدة الأسرة وانضباطها وحسن سير أمورها ، وهناك قسمٌ آخر من الرجال يكبر بنفسه ويكبر بمن حوله ، ويسعده أن يرى من حوله من جماعته وأنصاره كبيراً ويعتقد أنّه يكبر بهم ، وهذا يدلّ على شخصية عاقلة وأخلاقية ، ولا يصدر مثل هذا السلوك إلا في ظلّ ثقافة عالية وقيم حضارية واحترام للآخر ، ومثل هذه الشخصيات تملك القدرة على تكوين تجمعات متماسكة ، ومتطورة وتملك قابليات للتوسع والامتداد ، والكلّ يعمل بكلّ طاقته وبكلّ الحماس والالتزام ، ولا بدّ في مثل هذه القيادة من وضوح الأهداف المرجوّة وأن يتمتع الرمز الأول بمواصفات القيادة الحكمية والقدرة على فهم الموازنات , واحترام الرّفاق والأنصار , ومشاركتهم في المسؤولية والأعباء , وهؤلاء أكثر إخلاصاً لوجود الاختيار في الانتماء , ولا خوف من إبداء الرأي والمعارضة والرأي الآخر , وهذا النموذج من العمل الجماعي لا يسقط أبداً  بسقوط زعيمه , لأنّ الولاء الأول للأهداف والثوابت , وليس للأشخاص , وهنا تصنع الجماعة زعيمها , وهناك يصنع الزعيم جماعته , ويسقط الكلّ بسقوط الرمز الأول , وقد يسقط بيد أنصاره , إذا غفل عنهم , فقد ينقلبون عليه , وهو أمرٌ حتميٌ إذا تمكن أحد منه عن طريق الغدر به ، والخيار الثاني هو الأفضل والأضمن والأصلح إلا أنّه قد لا يصلح في بعض المواقف , وقد يؤدي إلى الفوضى وعدم الانضباط والانشقاقات الداخلية والصراعات والانقسامات , ويرتبط الأمر بشخصيّة هذا الرّمز وخصاله , والشخصية القياديّة يجب أن تتمتع بخصال الاستقامة والنزاهة وسعة الأفق والأدب في مخاطبة الآخرين والعدالة في المواقف وتجاهل الإساءات واستيعاب المعارضين والمتمردين , إلا أنّ هذا النّوع من الرّجال يجب أن يتوقع العقوق ممن سعى في تكوينهم وألا يغضب إذا تطاول عليه من كان قريبا له ومحسوباً عليه, وهذه سنّة الحياة فمن عرفها من قبل لم يُفاجَأ بها , ويجب توقعها في كل حين .

( الزيارات : 925 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *