ظاهرة تعدد الفتوى

   كلمات مضيئة..

لم اكن احب الفتوى , عندما كنت اسأل لا اجيب , واحيل السائل الى  من هو مختص بالفتوى , كنت بين خيارين اما الا اجيب  لان السائل قد لا يفهم الجواب , واما ان اجيب بما قاله الفقهاء من ائمة المذاهب وابين  ادلة هؤلاء العلماء,  وكنت اعرف جيدا تلك الادلة , واعرف خلاف الفقهاء فيها , واستطيع ان افتى براي احدهم او انسب الفتوى لمن قال بها , تلك مهمة يسيرة , ان تحفظ ثم تفتى بما حفظت , كنت اريد ان يتصدى للفتوى من هو متفرغ لهذه المهمة من المفتين , كان يؤلمنى ان اجد ذلك التباعد بين اراء الفقهاء , واتساءل مع نفسي كيف يمكن ان يكون الامر جائزا وغير جائز فى وقت واحد , هناك من يقول لك بكل ثقة ان هذا الامر لا يجوز ويقيم الدليل على ما يقول , وعندما تسمع الادلة تقتنع بحججه,  وتقول هذا هو الحق , وكل راي مخالف هو ضلال , وعندما انصت لرأي فريق اخر اجده يقول بالجواز , ويقيم الادلة على ما يقول , وعندما تنصت له تكاد تقتنع بما قال , كنت اتساءل مع نفسي كيف يمكن ان يكون الامر محرما ومباحا فى وقت واحد , هناك خلل ما فى منهجية الفتوى , وكنت اشفق على اولئك العوام الذين يضيعون بين المجيز والمحرم , لا احد من الطرفين يتهم فى تقواه وصدقه , ولا احد يتهم بالجهل وعدم الاهلية , اين الخطا , فى معظم المجالس كنا نسمع من يجيز ومن يحرم , لم اكن  اريد ان اتحمل مسؤولية الجواب وبخاصة فى مجتمع ينصت اهله لصوت من يحرم عليهم  ويتشدد فى الفتوى ويرون فيه التقى والورع , ويثقون بدينه ولو كان ممن لا يعلمون الا قليلا  , ويتقربون الى العوام بما يرضيهم , وبعضهم لم يعرف عنه التقى ولا الصلاح , كنت اطرح قناعتى فى مجلس اهل العلم , وهم اكثر فهما للادلة , واذكر اننى قلت فى الدروس الحسنية فى المغرب امام الملك الحسن الثانى رحمه الله اهم الموضوعات الخلافية , واخترت اهم الموضوعات خلال سبعة دروس , موضوعات معقدة فى الاقتصاد والمعاملات وفى الحكم ومفاهيم الحكم والبيعة ومسؤولية الدولة , وتحدثت عن مفهوم الربا وطرحت مفهومي للربا , وتحدثت عن الثقافة الاسلامية والتراث ودور التراث والمخطوطات وان الغاية من التراث هو الاضافة اليه والاستفادة واختيار النافع منه , وتكلمت عن تفسير النص والدلالة كما تكلمت عن دور الفضيلة فى تقييد الحق حماية للمصالح الاجتماعية , وتحدثت عن التربية النفسية , كنت اجد تشجيعا من الملك لحرية الرأي , كنت اريد ان اعبر عن تصورى وقناعتى , لا ادعى اننى على حق دائما ولكننى كنت اعبر عن قناعتى ,  لم اكن احب الجدل ولا الخلافات ولا المبالغات فى الروايات وتعطيل العقل وكنت اكره التقليد , كنت اريد ان اعبر عن قناعتى  كما اراها , ومجتمعنا لا يريد ان ينصت , ولا ان يغير ماهو فيه , هناك الكثير مما كنت اسمعه فى مجالس الجدل لا يقنعنى, ولا اجد فيه جديدا ,  واجد ان كل فريق يريد ان ينتصر على خصمه ولو بالباطل , كان البعض يريد ان ينفرد لكي يتميز ويعرف ويشتهر بين العامة , والعامة تنصت بعواطفها لا بعقولها , كان التعصب متمكنا , والتقليد متحكما , وهناك قداسة للتاريخ وللماضى وللتراث , كانت لفظة التكفير والشرك والالحاد على لسان  العامة لرفض كل تغيير , الخطر المحدق بالمجتمعات الاسلامية هو الجهل والتعصب وتعطيل العقول , الاسلام ابتعد عن الاسلام الحقيقى , العوام يرون ا ن ماهم عليه هو الاسلام, مع انهم يعرفون ان واقع المجتمعات الاسلامية من الجهل والتخلف والظلم والاستبداد وانحدار القيم الاخلاقية وكثرة الفساد والانحلال  بعيد عن الاسلام , الاسلام ايمان واستقامة وخلق واحترام للانسان , ما اشد التباعد بين الاسلام الحق وواقع المجتمعات الاسلامية , لا شيء من الاسلام فى واقع المجتمع الاسلامى , تاريخ الاسلام ليس حجة ولا يصلح ان يحتج به , الاسلام الحق يستمد من عصر النبوة ومن السيرة النبوية , وما تجاوز ذلك فهو تاريخ يعبر عن عصره رقيا وانحدارا , لا اجد الاسلام فى تاريخ الاسلام , العقول غائبة والانسان الذى هو اداة النهوض غائب , قضية الفتوى هي ظاهرة تعبر عن الفوضى فى حياتنا  , عندما نثق  بالانسان  نحتكم اليه لكي يضع اسسا تنظيمية لمجتمعه , فى الحكم والقضاء والاقتصاد والتعليم , لن ننهض فى غياب الانسان المؤهل لحمل المسؤولية , العقل هو المخاطب و العقل كالبدن اذا لم يجد الغذاء الكافى له والعناية به فلا يمكن الثقة به , تكوين الانسان هو نقظة البداية , اذا حسن تكوين الانسان علما وثقافة وخلقا واستقامة فمن اليسير علينا فيما بعد ان نجد اثارا مشجعة ومبشرة لبناء مجتمع اسلامى يجسد القيم الانسانية التى تسهم  فى فهم معنى  الحياة .                                                                                  

( الزيارات : 866 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *