عقد التأمين وحوار العلماء فيه

اكرة الايام.. عقد التامين وحوار العلماء
عندما كنا طلابا فى جامعة دمشق فى ايام الوحدة عقد مؤتمر للفقه فى رحاب الجامعة شارك فيه عدد كبير من العلما ء ويخاصة من مصر, وكنا نتابع بحماس اعمال هذا المؤتمر ومازلت اذكر بحوثه ومناقشاته , ومن اهم هذه البحوث فى هذا المؤتمربحث قدمه العلامة الاستاذ مصطفى الزرقا فى موضوع : موقف الشريعة من التامين وكان الموضوع موطن نقاش كبير بين المحرمين له والمبيحين والمقيدين لحالات منه اجازوها وحالات منعوها كحالة التامين على الحياة , ولم يكن الموضوع حول شركات التامين وما تقوم به من ظلم واستغلال فهذا امر لاخلاف فى تحريمه لوضوح الاستغلال فيه , وانما كان النقاش حول فكرة التأمين التكافلى , وكان الاستاذ الزرقا قد قدم بحثا علميا تأصيليا وفى غاية الدقة والنزاهة والفهم دافع فيه عن فكرة التأمين واعتبره شكلا من اشكال التكافل لمواجهة الاخطاروالكوارث غير المتوقعة مما يخفف من اعباء الاضرار الواقعة على الافراد والشركات , وقد تصدى علامة مصر الشيخ محمد ابوزهرة الذى كان من اشهر علماء عصره علما واكثرهم تأليفا ومشاركة , وكان قوي الذاكرة حسن التعبير فصيح اللسان والبيان واسع المعرفة بفقه المذاهب المختلفة وكتب فيها تراجم لائمة المذاهب فى كتب مشهورة , ولاول مرة القاه وكنت طالبا فى الجامعة , وكان يثير اعجاب الشباب بحماسه ومواقفه المتشددة , كان الاستاذ الزرقا عالما واسع الاطلاع وفقيه عصره لا منازع له , وكان دقيق العبارة عميق الفهم قوي الحجة , واشهد انه اكثر فقهاء عصره فهما للفقه وتاصيلا لاحكامه , وهوعالم نوازلي لا تجد له مثيلا فى معاصريه من العلماء , وكان يرى ان التامين هو ترميم للاخطار وتوزيع لاثارها وتكافل لا غرر فيه ولا ضرر , وكان ابوزهرة يحرمه لوجود غرر فيه ومقامرة , لا ن البعض يدفع ولا يأخذ شيئا ومن وقع فى ازمة فانه ياخذ من اموال الاخرين..
ما اجمل ان نفتح باب الحوار الفقهي فى قضايانا المعاصرة وان نبحث عن الحق والصواب والا يتهم بعضنا البعض الاخر بالتفريط فى دينه والتساهل فى شريعته , لا تفريط فى البحث عن الحق ومن لم يلتزم بالحق فهو المفرط والمقصر , ولاحق ولا صواب فى الامور الاجتهادية الا فيما قام عليه الدليل او ترجح بالدليل , كم نحتاج الى فهم اعمق لقضايانا لكي نتوصل الى ما يحقق المقاصد الشرعية ويراعي المصالح الاجتماعية ..
هذا ما نتمنى ان يكون فى ظل احترام حرية الراي والاجتهاد وكرامة العالم والمجتهد ومن حق العالم ان يجتهد وان يخطئ فى فهم قضايا عصره ويختلف الحكم فيها بحسب المكان والزمان وخصوصية كل حالة , وما زلت اؤكد على اهمية الحوار الفقهي الموضوعي فى المجامع الفقهية المختصة بالبحث والدراسة والفتوى , ولا يمكن ان يقع الاجماع فى القضايا الاجتهادية ولارأي لغير اهل الاختصاص فى القضايا التى لا يعلم غير اهلها بخفاياها واسرارها وبخاصة فى مجال الطب وكل المجالات العلمية الاخرى …

( الزيارات : 1٬160 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *