غربة الاسلام فى مجتمعه

كلمات مضيئة ..غربة الاسلام

 

عندما كنت  اـامل فى  مفهوم الدين فى حياة الانسان  افهم شيئا مختلفا عما عهدنا ان نفهمه , رسالة الدين هي رسالة الله الى عباده لكي يكونوا اكثر فهما لمعنى الحياة واكثر انسانية ورحمة ورقيا فى مواقفهم واختباراتهم وعلاقاتهم فيما بينهم , كنت افهم ان رسالة الله الى خلقه هي رسالة واحدة , وان جميع الانبياء يؤدون رسالة واحدة وان اختلفت اساليبهم وتعددت شرائعهم , رسالة الدين هي رسالة الهية تتضمن امرين اساسيين ان يؤمنوا بالله والا يشركوا به احدا من الخلق وكل الخلق سواء عند الله ولو اختلفت انتماءاتهم وتعددت قومياتهم , ويتفاضلون عند الله باعمالهم الصالحة , وكل طواغيت الارض الذين علوا فى الارض على الخلق وافسدوا الحياة هم اعداء الحياة بما طغوا وظلموا وافسدوا واذلوا كل المستضعفين من عباد الله , ويجب التصدى لهؤلاء بما ظلموا ,  وهذا هو الجهاد للدفاع عن الحياة , وهذا هو الجهاد فى سبيل الله , اما جهاد العدوان فليس جهادا وان حمل اسم الجهاد , لا عدوان على المستضعفين ولو كانوا مذنبين  وفاسقين  , الا ان يعتدوا ويفسدوا ويعم ضررهم غيرهم ويتجاوزوا حدود ما انزل الله من حقوق العباد ,  والله مع المستضعفين والمظلومين فى كل زمان ومكان  اعداء الله هم الطغاة المفسدون المعتدون لا احد فى ملك الله خارج عدله و رحمته , اما المذنبون فامرهم الى الله  ان شاء عذبهم بذنوبهم وان شاؤ غفر لهم  , ولا احد خرج اسوار الرحمة والغفران  , والدين حليف المستضعفين يدافع عنهم لانهم خلقه ,  , ومن ناصر ظالما فى ظلمه فهوظالم ولا عذر له واكثر الناس غفلة عن ربهم هم الذين يناصرون الظالم ويبررون له ظلمه , وابعدهم عن الدين واجهلهم به هم الذين يبررون الظلم باسم الدين ولو كانوا من علماء الدين ورموزه التى تتكلم باسمه وترفع رايته , المدافعون عن الظلم ظلمة والذين يبررون الظلم ظلمة ومن يجعلهم الظالم مطاياه لظلمه فهم من الجاهلين ولا يبرر دفاعهم عن الظالمين , رسالة الدين واحدة لا تختلف بين نبي ونبي , وان اختلفت اساليبهم وتعددت مناهجهم بما يلائم عصرهم ومجتمعهم , ولا اختلاف بين الاديان , اما الاختلاف بين اتباع الاديان فهم خلاف على المصالح والمكاسب الدنيوية , ولو استقاموا لاتفقوا ولواخلصوا لتلاقوا , وحرب اتباع الديان هي حرب ظالمة مذمومة , وليس من حق اي شعب ان يعتدى على حقوق شعب اخر باسم الدين او يغتصب حقا من حقوقه او يستبيح ما حرمه الله عليه من حرمة الدماء وقدسية الحياة وحق كل شعب فيما هوله من الحقوق , دين الله لا يظلم ولا يدعو الى الظلم ولا يبرره باسم الدين , واماكن العبادة هي بيوت الله لا يعتدى عليها ولا على من فيها , وحرية العبادة يجب ان تكون مضمونة , ولا حرية للاساءة للاديان ولا للاساءة لانبياء الله , ويجب ان تحترم مشاعر المؤمنين فيما ترجح لهم انه الحق , ولكل دين خصوصيته وهي حق للمؤمنين به , الايمان بالله كلمة جامعة ويجب ان يستظل كل المؤمنين بها وان يجتمعوا عليها , وان يتركوا ما اختلفوا فيه لاهله , وليس من حق اي فريق ان يستفز الاخر فيما هو من اصول عقيدته , وامر الجميع الى الله وهو اعلم بهم , بما يعلنون وبما يسرون , ومعيار التفاضل فى الدنيا هو العمل الصالح الذى يحبه الله واهمه احترام الحقوق التبادلية بحيث تكون عادلة فيما اختاروه لانفسهم من المعاملات المتجددة فى كل مجتمع بما يراه الافضل له , والدين يدعو الى الكمال في كل اخيارات الانسان , والجهل لا يبرر باسم الدين والتخلف هو ثمرة الجهل , وفى ظل الجهل والتخلف تنحدر المفاهيم وتتراجع , والتحلف له اسبابه ولا يبرر بالدين , فالدين لا يقرالجهل ولا يبرره ولا يلتمس العذر لمجتمعه , وليس من العدل ان ينسب الى الدين ماليس منه من المفاهيم والاعراف التى هي ثمرة مجتمعها المتخلف , ماهو من امور الدنيا فهو من امر العقول  وهي مخاطبة به ومؤتمنة علي اختيار الاصلح والافضل والاعدل والاكمل , الدين لا يتحمل اعباء التخلف فى المفاهيم وليس من الصواب ان تعطل العقول عن اداء مسؤوليتها فى الفهم والاجتهاد فيما هو متجدد من المصالح , مفهوم العدالة ليس جامدا وانما يتسع فى عصر لكي يكون اكثر شمولا وتقدما نحو مزيد من الاعتراف بكرامة الانسان , ليس هناك مفهوم لا يتجدد والمصالح يجب ان تحترم , وما كان حقا للانسان فلا يمكن اغتصابه منه , الانظمة تتجدد باستمرار لكي تعبر عن تطلع الانسانية نحو مزيد كرامة الانسان وحقوقه , مجتمع الغد لا يمكنه ان يقبل اي شكل من اشكال الظلم فى الحقوق الانسانية , ولا احد من الناس سواء كان كبيرا او صغيرا خارج المسؤولية عما يفعل , والدماء متكا فئة وكل الانسانية متناصرة للدفاع عن الحق الفردى او الحق الجماعى  فى مواجهة التجاوز والجريمة واغتصاب الحقوق , هذه هي رسالة الدين كرسالة الاهية من الله تعالى يراد بها تاكيد عبودية الانسان لربه ..

  اما الامر الثانى فهو بيان الحقوق الانسانية التى اقرها الله لكل عباده , وهي الحقوق التى لا تستقيم الحياة الا بها , تحقيقا للعدالة , الصالحون هم الذين يعدلون ولا يعتدون , ويحترمون حقوق كل الاخرين ولا يتجاوزون , ويلتزمون بما امرهم الله به , هؤلاء هم المؤمنون حقا , كل الاديان تؤدى رسالة واحدة , وليس هناك شعب مختار عند الله , كل الخلق ولو كانوا مذنبين هم خلق الله , ولا ينتقص اي حق من حقوقهم , وفى مجال الحقوق فلا بد من العدالة , ماكان لله فهو لله , ولا وساطة بين الله وخلقه ولو كانوا مذنبين او غافلين , والله اعلم بما فى سرهم , دعوا الخلق لخالقهم فهو اعرف بهم واعدل وهو الغفور الرحيم , وحدانية الله تنفى الشريك عنه ,  لم يلد ولم يولد ولم له كفوا احد , اما العبادة فهي حق لله تعبيرا عن العبودية لله  والشكر له , الاسلام جامع لكل الاديان ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الانبياء والمرسلين , هذه هي رسالة الدين , وهي رسالة هداية ورشاد وهي دعوة الى الكمال , اما الانسان فهو اكرم خلق الله الى الله وهو المخاطب بالتكليف وهو مؤتمن على ما هو مكلف به , ماكان من الحياة فهو من اختيار الانسان وهو مسؤول عما يفعل امام الله بمقتضى التكليف والامانة , ثوابت الحقوق جاءت من عند الله , وقام النبي ببيان ما احتاج منها الى بيان , والنبي هو خير مبين لما اراده الله , لا شيء فى الكون الا بعلم الله وامره , ولا شيء خارج ارادته , والتكليف يقتضى ان يشعر المكلف بتمام اختياره فيما هو من امره لكي تقام الحجة عليه , ليس من اختصاص الانسان ان يبحث عما اختص الله به علما وتدبيرا , ليس من اختصاص الانسان ان يخوض فيما لا علم له به من امر الغيب وان يقرر ما يجوز لله ومالا يجوز , لقد انحرف كثير ممن خاضوا فى مباحث التوحيد وعلم الكلام عن جادة الصواب وتوغلوا وضلوا وظنوا انفسهم من المهتدين , كما انحرف الكثير من غلاة الصوفية ومن الجاهلين بادبها فى الحديث عن الطريق الذى يقودهم الى الله , وبخاصة من انشغلوا منهم بالدنيا وانفردوا بمنهجيات فى الذكر والعبادة نسبوها لانفسهم واشتهروا بها واصبحت مطايا اتباعهم الى الدنيا والجاه الاحتماعى وكانوا بذلك ابعد عن الله غفلة وجهلا , وهناك من اشتغلوا بالرواية سندا واهملوا المتون فهما واستدلالا,  وتحكمت فيهم الاهواء وضيقوا بجهلهم الخناق , وابتعدوا عن الاصول وعبثوا بالفروع , وهناك من عطلوا عقولهم وهي المخاطبة فكانوا بذلك من المقلدين الجاهلين , وهناك من ارادوا الدين مطية لهم لبلوغ ما يريدون من السلطة والمال والجاه فعبثوا بكل اصل واستنبطوا منه ما يخدم مصالحهم الدنيوية,  ونسبوا الى الدين ماليس منه من المفاهيم والدلالات ,واصبح التاريخ حجة يستدل به على الدين فهما لمضامينه , واصبحت المذهبية اداة للتنافس السياسي وحافزا للصراعات , واختصت كل دولة بمذهب , واتسعت الخلافات وتباعدت الطوائف الاسلامية , ما اشد غربة الاسلام فى بلاد الاسلام , فى مجتمع المسلمين لانجد الاسلام كما هو فى حقيقته , بقايا اختلط فيها الاسلام باعراف مجتمعات تخلف اهلها عن مواكبة عصرهم , واصبحت تقاليد الماضى هي الاسلام , وعكفوا على تبرير ماهم فيه بادلة لا تصلح دليلا ولا يمكن الثقة بها , وما صح منها فلا يحتج به على غير ما اريد به , ما اشد غربة الاسلام فى بلاد المسلمين ومجتمعات ابتعدت عن حقيقة الاسلام , الاسلام اكبر واشمل من تاريخ المسلمين , تاريخ الدول الاسلامية كان مليئا بالصراعات والمغالبات والتجاوزات وابتعدوا كثيرا عن حقيقة الاسلام كرسالة الهية ذات اهداف ايمانية واهداف اصلاحية , التاريخ ليس حجة والاهتمام به لا يبرر الاقتداء به , واخضاع الدين لمصالح المجتمعات يحرف الدين ويبعده عن اهدافه , التربية الروحية لاجل سمو الحياة وصفاء النفوس وطهارة القلوب وليست شيئا خارج الحياة وليست انعزالاولا تميزا , والدعوة الى الدين ليست مهنة , وانما هي كلمة طيبة ونصيحة صادقة , والعقل مشعل وهو ميزان ويجب الاحتكام اليه والثقة به , هو اداة النهوض بالانسان , واذا غاب العقل او وقع الاستغناء عنه كان الشطط والانزلاق وتمكنت اوهام الحالمين من الرسوخ فى العقول المعطلة والتى جف مدادها ونضبت مياهها , واصبحت كالابار الجافة والانهار التى انقطعت عنها ينابيعها , ما اقسى غربة الاسلام فى مجتمع غاب عنه الاسلام وترسخت فيه مفاهيم وقيم ومعتقدات هي ثمرة تراكم تاريخى  ظنوا انه الاسلام , فى مجتمع المسلمين لا يوجد اسلام , وانما هي صور جميلة ما زالت فى الذاكرة الشعبية , وكل ما عداها من قيم ومعتقدات ونظم هي بعيدة عن حقيقة الاسلام , فى بلاد المسلمين نجد الجهل والتخلف والظلم والعدوان وامتهان كرامة الانسان والتعصب والكراهية والتبعية والاستبداد  وقسوة القلوب وطغيان الاقوياء والفقر والمرض والتفاخر بالانساب , لا شيء من كل هذا من الاسلام  , اين نحن من مجتمع الاسلام , نريد الاسلام الصحيح لكي ننهض به وينهض به مجتمعنا , نريد ان نكون اكثر فهما لرسالة الاسلام كرسالة الهية , تحترم الانسان وتثق بعقله كمؤتمن على الحياة لكي تكون اكثر عدالة وامنا وسلاما , الغفوة فى المجتمعات الاسلامية وبخاصة العربية طالت وتمكنت وترسخت , وقد تستمر ما دامت اسبابها قائمة , ولا نجد فى الافق القريب ولا البعيد ما يوحي بان الفجر قريب , مواكب الراحلين تتعاقب وتتنافس , وما زلنا نحن فى حيرة من امرنا , نتفق يوما ونختلف يوما اخر , وتتعالى الاصوات ويقف العقلاء بعيدا  وقد اصابهم الياس والقنوط , مستسلمين منعزلين لا يملكون من الامر شيئا …   

( الزيارات : 543 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *