فقه واحد تعددت مناهجه..

ذاكرة الايام..فقه واحد تعددت مناهجه ..

بعض ماكان فى الطفولة ما زال كما كان , احيانا افرح به او احزن , ومع ذلك اتعلم منه , كنت اتذكر وانا فى المراحل الاولى من دراستى الشرعية ما كنت اتعلمه , اسماء الاساتذة والاهم اسماء الكتب , مازلت احفظ بعضها , منهجات التعليم تعتد على فهم النصوص وتحليلها والاهتمام بالشروح والحواشى والتعليقات وتسمى فى المغرب بالمدارس العتيقة وقد زرت بعضها وتخرج منها كبار العلماء, , ما زال المغرب يحتفظ بالكثير من المدارس العتيقة وبخاصة فى منطقة سوس فى جنوب المغرب , وهناك المئات من تلك المدارس التى حافظت على ذلك التعليم الاصيل , وهذه تسميات متداولة ويراد بها ذلك التعليم الشرعي الذى يخضع للمناهج التقليدية فى التلقين والتعليم والتكوين , وقد تعلمت بهذه الطريقة فى حلب فى المدرسة الشعبانية وهناك مدرسة اخرى اكثر شهرة ومكانة هي المدرسة الخسروية وهي ازهر حلب , وتخرج منها اكبر العلماء علما ومكانة , واهم ما لفت نظرى هو دراسة الفقه وكنت ندرس على يد اعلام فى الفقه , وكان استاذنا فى الفقه هو الشيخ عبد الرحمن زين العابدين , كنا فى درس الفقه ننقسم الى شافعية وحنفية , كان طلاب الفقه الشافعى اكثر عددا , هناك طالب واحد يدرس الفقه الحنفى , كنا نشعر بالاعتزاز بذلك فنحن الاكثر عددا , كنت انظر الى اتباع المذهب الحنفى وكأنهم الاخر الذى ليس منا , نحن شافعية وكفى ومن قلد ابا حنيفة فكانه اساء وانحرف عما نحن فيه , تقليد المذهب الاخر تفريط وعقوق وتقصير , ما اقسى ماكنا فيه من تعصب وجهل , كان التعصب ناتجا عن جهل راسخ فى اذهاننا  , كنت انظر لمن ينتمى للحنفية كأنه من دين اخر ليس هو الدين الذى ورثناه عن اسلافنا  , كان تعصبى اقل من كل الاخرين ومع ذلك كنت اشعر به لدى معظم الاخرين , ثم درست الفقه الحنفى فى كلية الشريعة واصبحت المذهبية اقل بروزا واهمية , عندما احذت ابحث فى الدراسات العليا كنت اهتم بالفقه الاسلامى بكل مذاهبه واقوال كل العلماء المجتهدين ممن اشتهرت اراؤهم او لم تشتهر وفقه اهل البيت وفقه الائمة الاخرين والفقه الجعفرى والفقه الزيدى والفقه الاباضى وفقه الظاهرية , واصبحنا نهتم بكتب جديدة لم نسمع بها من قبل  وكتب النوازل عند المالكية وما جرى عليه العمل ويسمى بفقه العمل وقد نشرت بحثا علميا فى مجلة العربى الكويتية عن فقه العمل فى المذهب المالكي , واشرفت على اطروحة علمية لاشهر طلابى واكثرهم علما ومكانة عن فقه العمل وهو الدكتور عمر الجيدى وكان نابغة فى الفقه المالكى , وكتب اهم الكتب ثم انتقل الى رحاب الله مبكرا  , وكنت اتساءل مع نفسي هل كنا على حق ونحن ندرس الفقه الاسلامى من خلال الفقه المذهبى ولما ذا نضيق ما اتسع من تراثنا وجهد اسلافنا , كنت اميل الى الفقه المقارن ويسميه فقهاء المالكية الخلاف العالى , وكنت اقول لماذا نوغل فى المذهبية ولا ندرس الفقه كفقه واحد تعددت مناهج الفقهاء فيه ولم تتناقض ابدا ,  وليس في هذا لتعدد اي  انتقاص لمكانة احد من الفقهاء , كل الفقه الاسلامى هو واحد تعددت كتبه ومناهجه وفقهاؤه , والكل يخضع لاصول واحدة وثوابت مستمدة من الادلة , وهناك من توسع فى مجال الرأي والاقيسة , وهناك من غلب على اجتهاداته التوسع فى اعتماد الرواية , وكنت اجد مثل هذ التعدد فى مدارس التفسير بالرأى او التفسير المأثور او التفسير الفقهي او التفسير اللغوى , بعض المفسرين كان من المعتزلة كالزمحشرى ومع ذلك فان تفسيره يعتبر من امهات الكتب المعتمدة فى التفسير , ليست ضد تعدد المناهج الاجتهادية اما بسبب تغليب الرواية او الدراية او بسبب معايير الجرح والتعديل فى رواية الحديث والاختلاف فى الاسانيد ,  وهو امر لابد منه ولكننى لا ارى ذلك التعصب ما دام الدليل هو المرجح  وهو الحجة التى لاخلاف فيها , وقد اصبحت الادلة اكثر وضوحا وثبوتا بعد ان ازدهر التدوين فى كل العلوم وبخاصة فى تدوين الحديث وانتشار كتب الصحاح التى يسرت على الفقهاء مهمة معرفة الدليل , والفقهاء هم اقدر على الاستنباط واعرف بقواعده من الحفظة والرواة فالرواية لا تعنى كمال الدراية والدراية تحتاج الى ملكة الفهم وحسن الاستدلال , اننا نحتاج الى اشعار كل الاخرين ان الفقه الاسلامى واحد وهو ماكان فى الماضى على امتداد الاجيال الماضية وكل جيل اضاف ما لديه من جهد علمائه  وما سيكون  فى المستقبل من جهد العقول فلا توقف لمسيرة الاغناء والاثراء ما دامت الاجيال تتعاقب  وتسهم بقدر طاقتها بما تراه الاصلح لمجتمعها , ولاتوقف لمسيرة الاجتهاد الفقهي مادام الانسان  موجودا ومكلفا  بان يبحث عن الطريق  , لانريد ان تتعدد الفتاوى وتتزاحم بسبب تعدد المرجعيات وانتشار الفتوى الخاضعة للاهواء والمصالح والامزجة , لا بد من مرجعية علمية مؤهلة وموثوق بها ولا سلطان لاحد عليها , وليست خاضعة لمراكز النفوذ والوصاية على الدين واحكامه وعندما يكون الاجتهاد خاضعا لمؤسسات متخصصة بالبحث والعلم فمن الطبيعى ان تكون الفوضى اقل خطرا وانتشارا مما نحن فيه اليوم  , الاسلام واحد والفقه الاسلامى واحد وهناك مناهج مختلفة للبحث عن الحق ,  ولا احد اولى من احد بالبحث عن الحق الا بحجة ودليل , اننا نحترم الواقع الذى ورثناه عن اسلافنا فى مناهجنا التعليمية ولكننا بحاجة للبحث عن الافضل الذى يقودنا الى ما يريده الله منا من البحث عن الصواب  من خلال اصول وثوابت ومقاصد واهداف , نحن اولى بعصرنا وعلينا ان نختار المنهج الذي يلائمنا وينهض بجيلنا الى الافضل الذى يحبه الله منا , لا احد اولى بالدين من احد الا بحجة ودليل , عندما تجمعنا الاصول والثوابت فمن اليسير علينا ان نقبل التعددية فى المناهج والفروع وما هو متروك لجهد العقول ان تفكر فيه وان تختار ماهو الاصلح لها والذى يحقق مصالح العباد من غير  تجاوز او ظلم او عدوان..

( الزيارات : 780 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *