كلمة التنصيب والترحيب

حفل التنصيب..ز

كلف الملك  الحاج محمد باحنينى  الوزير الدائم فى الحكومة  والمكلف  بالمصالح الملكية ان يرأس حفل التنصيب الذى يتسلم به  المدير الجديد  ادارته , وحضر الحفل عدد من الوزراء منهم وزير التعليم العالي ووزير التعليم الثانوي ووزير الاوقاف ومدير الديوان الملكي أحمد بنسوده وإبراهيم فرج مدير المصلحة الإدارية والمالية للقصر والذي عين فيما بعد في منصب الحاجب الملكي وكبار المسؤولين في الدولة وعلماء المغرب وقدماء الخريجين ، وترأس الحفل الحاج محمد باحنيني الذي ألقى كلمة رائعة صاغها بعبارات أنيقة وأسلوب أدبي راقٍ ، وبدأها بقولـه :

عهد إلي صاحب الجلالة الحسن الثاني أدام اللـه ناصر زمانه وواطد سلطانه بتسليم مقاليد هذا المعهد الموسوم باسم العاهل الكريم الظافر بالسابغ من كلاءته ورعايته إلى مديره الجديد العالم النحرير الدكتور …………….. وإني لمبتهج شديد الابتهاج ومعتز عظيم الاعتزاز بأن يضفي عليّ شرف هذا التسليم ، ويختار للحظوة بهذا المنصب الجليل صديق مبجل عزيز ، وإذا كانت الأعراف جارية في مثل هذه المناسبة بتقديم من يقع عليه الاختيار وتسند إليه المهام إلى الملأ من ذوي الصلة والعناية ، فما أراني اليوم في حاجة إلى ركوب مسلك مألوف والأخذ – امتثالاً للعادة –  بعرف معروف ، ذلك أن الدكتور الفاضل أغنى بما فيه بلاغ للسائلين ، فقد قدم نفسه أحسن تقديم إلى مختلف طبقات المثقفين في مشارق الأرض ومغاربها بما ألقى من دروس وألَّف من تآليف وتحدث به من أحاديث وعرف الناس بالواسع من درايته والدقيق من بحثه والصحيح من استنتاجه والمتصل من كفاحه ونضالـه إعلاء لكلمة الدين وتبيينا لإغلاق الفكر الإسلامي وترغيباً فيما أنجبته العبقرية الإسلامية من ثقافة غنية مخصاب ، وأبقته من تراث شامخ بهيج .

وتابع خطابه بقولـه :

لقد أفضى إليك صاحب الجلالة الحسن الثاني أطال اللـه بقاءه بالاهتمام البالغ الذي يوليه لدار الحديث ، وبالأغراض التي يتطلع إلى إدراكها من خلال اعتلاق الطلبة بالكتاب العزيز والسنة النبوية ، وأوضح لك يوم أفضى إليك بهذا كلـه ما يستجيشه من طموح إلى أن تصبح هذه الدار الموقوفة على كتاب اللـه وسنة رسولـه صلوات اللـه عليه وسلامه حصناً حصيناً يقي العقول والأفكار مكاره الغزو والتوهين ، ومركز وثيق الأركان من مراكز التألق والإشعاع ومنطلقاً وطيداً لإصلاح النفوس المعتلة والضمائر المدخولة ، ثم انتهى إلى نفسك من البيان الملكي أن الغاية المطلوبة أن يعطى هذا الصرح من المناعة ويمد به من الأسباب ويضفي عليه من الجلال ويكسب من الوزن والفاعلية ما يرد التيارات المناوئة للدين . مغلولة الحد داحضة مدحورة لا تستطيع وإن اجتهدت أن تُحدِث في المجتمع السليم ما تبتغيه من شنيع الآثار ..

وختم كلمته بقولـه :

وإني إذ  أحيي في شخصك أيها الأخ العزيز العالم الذي أحببناه منذ عرفناه ، وطفقنا نُسَرُّ بطلعته وحديثه كلما لقيناه وحادثناه لأعد من أسباب سعادتي أن أجدد لك في هذا الحفل الحفيل تهنئتي بما حظيت به من ثقة سامية غالية ، وأردد  ما شافهتك به من يقين بأن اللـه سيسدد خطاك وينجح مسعاك ، ويكتب لدار الحديث الحسنية بجميل تصريفك ولطيف تأنِّيك المصير المعلم بالإشراق على مدى العصور والأزمان ([1]) .

جرى حفل التنصيب يوم 5 أبريل 1977 بعد شهر ونصف من تاريخ التعيين ، وأذاعت التلفزة المغربية كلمة الحاج محمد باحنيني كاملة كما نشرتها الصحافة المغربية بعناوين بارزة ..

وألقى صاحبنا كلمة شكر جلالة الملك لثقته التي يعتز بها ، وحدد ملامح الخطة التي وضعها للنهوض بهذه المؤسسة والتي التزم بها فيما بعد ، واعتبرها برنامج عملـه ، كانت كلمة الوزير واضحة في بيان الأهداف المرتجاة من تعيين المدير الجديد والغاية المطلوبة وأهمها :

إعطاء هذه المؤسسة المناعة والقوة والفاعلية والوزن لرد التيارات المناوئة للدين ودحرها حماية للمجتمع من خطورة ما تحدثه تلك التيارات من آثار ضارة ..

أحدثت كلمة الوزير اهتماما في المجتمع المغربى ، وبدأ التساؤل عن الدور المطلوب أن تؤديه هذه المؤسسة .. لماذا كل هذا الاهتمام .. ما المراد بالتيارات المناوئة للدين والتي يراد دحرها وهزيمتها ..

هذه أول إطلالة لدار الحديث الحسنية على المجتمع ، وقد اتجهت الأنظار إلى المدير الجديد ، وسلّت السيوف من أغمادها لكي تواجه ذلك القادم من الشرق ..

كان الكل يعرف أن الحسن الثاني يحسب حركته ويتحرك بذكاء وشجاعة نحو الهدف الذي يريده ، هناك حصن يشاد ويسهر الملك نفسه على بناء أعمدته ..

كان الملك يبحث عمن يتوسم فيه القيام بهذا الدور ..

كان الحاج محمد باحنيني من أعمدة المؤسسة الملكية ، بل هو الركن الاول والأقوى فيها ، يتحرك بقوة وذكاء ، ويعبر عن الأهداف الملكية ، لا تحركه العواطف ولا يستجيب للأهواء ، يتحرك بإرادة الملك ، ويفهم جيداً الدور المطلوب منه .. هو مع الملك  في كل خطواته ، في إقدامه وإحجامه ، في حبه وكراهيته ، ولاؤه للملك بلا حدود ، هو موطن الأسرار .. كان الكل يهابه ويحسب حسابه ، ابتسامته محسوبه وحركته منضبطة ، تتغير الحكومات وتتعاقب الأدوار ويظل هو في موقعه في الوزارة ، ينتقل بين الوزارات, وقوته في ثقة الملك به ..ويستشار في أهم المواقف ، ويكتب خطابات العرش ، وتوكل إليه المهمات الصعبة .

وأهم فضائلـه أنه أمين فيما يوكل إليه ، نظيف اليد والسمعة ، لا تحركه مصالحه ، ولا يستغل مكانته ونفوذه لمصالح شخصية ، وهو ذكي هادئ شديد التهذيب والأدب ، يكتفي بالإشارة ، والتلميح ، ولا ينبغي أن يستفز أو يستغضب ، وفاؤه للقصركبير، وثقة الملك به تمنحه الاستقرار النفسي ..

يخشاه الجميع ولا يخشى أحداً ، ويتقرب إليه الجميع ولا يتقرب إلى أحد ، فهو عين الملك يراقب كل شيء ، وينبه إذا وجد خللاً أو انحرافاً ..

كان أستاذاً للملك وتولى الأمانة العامة للحكومة ومناصب وزارية ، واستمر في الوزارة إلى أن توفاه اللـه ، وكان إلى جانب مسؤولياته مشرفاً على المصلحة الإدارية والمالية للقصر الملكي التي تتولى كل المصالح الملكية ، فهو الذي يشرف على ميزانية المصالح الملكية ويوقع كل التعيينات والترقيات والمهمات , وكان يساعده السيد إبراهيم فرج الحاجب الملكي الذي تولى هذه المسؤولية بعد وفاته ، وبناء على أن دار الحديث تابعة للقصر الملكي فالحاج محمد باحنيني هو المسؤول من الناحية الإدارية والمالية عليها ، ويتولى وزير التعليم العالي الإشراف التربوي فقط ولا علاقة لـه بالتعيينات الإدارية والإنفاق المالي .

كانت هذه الازدواجية في علاقات المؤسسة بالوزارات المختلفة هي العقبة الأولى ، فكيف يمكن لوزارة التعليم العالي أن تشرف وأن توجه وهي ليست معنية من الناحية الإدارية ، و المؤسسة ليست تابعة لها ، وكيف يمكن للقصر الملكي أن يشرف على النشاط الأكاديمي ولوائحة خالية من أي شيء ينظم هذا النشاط ، وبالإضافة إلى هذه التبعية المزدوجة هناك تبعية ثالثة لوزارة تكوين الأطر التي يجتمع في رحابها مجلس التنسيق الذي , ومعهد الشبيبة والرياضة الذي يتبع وزارة الشبيبة والرياضة ، وهناك أكثر من ثلاثين مؤسسة تابعة لوزارة تكوين الأطر التي تشرف على مجلس التنسيق الذي يقر التعيينات في المناصب العلمية وترقيات الأساتذة فإذا ضمت وزارة تكوين الأطر إلى وزارة التعليم العالي فالأمر يسير ويجتمع المجلس برئاسة وزير التعليم العالي ، وإذا انفصلت فلابد من إلحاق تكوين الأطر بوزير آخر وتحدث مشكلات الازدواجية وتعدد المراجع وتداخل الاختصاصات..



([1]  ) نشرت مجلة المناهل التي تصدرها وزارة الثقافة نص الكلمة كاملة وذلك في العدد التاسع عدد نوفمبر عام 1977 .

( الزيارات : 1٬697 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *