كمال يليق بالانسان..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نفحات روحية ..كمال يليق بالانسان.

النفس والعقل والقلب مصطلحات مختلفة ولكل منها دلالته الخاصة به ,

النفس موطن الغرائز الشهوانية والغضبية , والغرائز عمياء لا تبصر ولا تفكر , انها تقتحم عالم  الانسان مهما كان ذلك الانسان ولا احد خارج القبضة الغريزية , الغريزة قوة كمال ولولاها لما استقامت الحياة , فكل ما نطلبه من اسباب كمالنا يعود الفضل فيه الى الغريزة , لولا غريزة الشهوة لما طلبنا الطعام والشراب ولما كان هناك اي نشاط انسانى , ولولا غريزة الغضب لما دافع انسان عن اي حق من حقوقه , ولا تستقيم الحياة الا بتلك القوة ,وهي موجودة فى الانسان والحيوان معا , وفى الصغار والكبار فالطفل يطلب الطعام بقوته لغريزية , ليست الغاية من المجاهدات النفسية اماتة الغرائز والشهوات , ذلك تفسير خاطئ لمن اعتقده او سعى اليه , كمال الخلق بكمال استعداده لكل ما يحتاجه للحياة , ولكن القوة الغريزية نظرا لرسوخها وحاجة الانسان اليها واستعداد النفوس لقبولها قد تتحكم وبخاصة اذا تمكنت ووقع الاستسلام لها , الطفل عندما يستجيب لكل مطالبه تنمو لديه الانانية والرغبة فى استحواز ما بيد اخوته الاصغر منه والاضعف , ولهذا تبرز مهمة المربى الذى يقوم بدور التأديب والترويض لكي يمسك الانسان بزمام غرائزه فلا يستسلم لها , من ملك القوة ولم يخضع لمنهج تربوى صارم فمن المؤكد سيكون اكثر انانية وعدوانية , الكبير يعتدى على الصغير والاقوى يعتدى على الاضعف , القوة والجهل يؤديان الى خلق السفه والرغبة فى العدوان وهذه هي ازمة السفه فى عصر السفه , كان الملوك يختارون الحكماء لتربية اولادهم , وهم المربون , والمربى ليس هو المعلم , التربية لا يحسنها الا الحكماء الذين تعلموا وملكوا الحكمة والبصيرة وهم قلة من كرام مجتمعهم , وغاية المجاهدات النفسية ان تجعل القوى الغريزية الشهوانية والغضبية اقرب الى الاعتدال فلا يتجاوز اذا غضب الى  ما لا يليق به , ولا يعتدى على من هو اضعف منه اذا طمع فيه , والطمع هو وليد القوة الشهوانية وهو ثمرة من ثمارها ..

اما العقل فهو امر آخر يختلف عن النفس انه مكرمة من الله للانسان لكي يميز به بين الخير والشر فيختار الافضل والاكمل , العقل قدرة تحتاج الى تنمية لكي يتمكن من حسن الاختيار وحسن القرار , والعقل له جناحان الاول هو الملكة الفطرية التى يملكها الانسان بدرجات متفاوتة  , وهناك الجناح الاخر وهو الجانب الكسبي الذي يسهم الانسان فيه عن طريق العلم اولا وعن طريق التجربة الانسانية ثانيا , طريق العلم هو التعلم , ومكان العلم هو القلب وليس العقل خلافا لمن يرى خلاف ذلك , والقلب هو الذى يجعل العلم اكثر اخلاقية وانسانية , فاذا توقف العلم عند حدود العقل ولم يتجاوزه كان صاحبه اكثر عدوانية واقل انسانية وهو كالسيف بيد جاهل فقد يقتل به  فى لحظة غضبه , والذين اخترعوا السلاح المدمر والقاتل هم علماء وعقلاء ولكنهم ليسوا انسانيين ولا اخلاقيين , ما اقسى ما يفعله العلم عندما يستخدم لتدمير الانسان , هناك علماء سفهاء كانوا اكثر ظلما ونفاقا وكانوا اداة بيد الظالمين والمستبدين , العلم عندما يكون موطنه القلب يكون اكثر انسانية ورحمة فلا يظلم ولا يقتل , غاية العلم لا ان تميز فقط وانما ان  تستنير بالعلم وترتقي به فى مشاعرك وعواطفك فتكون اكثر استقامة وصدقا وتعاطفا مع المستضعفين , الحيوانات تملك عقولا وتختار وتنتقم وتهرب عندا يقع اي عدوان عليها ولكن ذلك العقل هو اقرب للغريزة لا انسانية فيه ولا رحمة , وعندما يكون الحيوان اكثر قابلية للتعليم والتدريب والتاديب كان ارقى من الحيوان الاخر فالخيول اكرم مكانة من الحيوانات الاخرى التى لا تحسن التعليم , الخيول تفرح بمن يمتدحها ومن يمسح على ظهرها تشجيعا وتكريما واعجابا , مهمة العلم ان يرتقى بمستوى العقل لكي يكون اكثر فهما لما يحيط به , الغاية من قراءة التاريخ ان تستفيد من تجارب السابقين , وهذا من العلم , العلم لا يعنى ان يكون صاحبه افضل , هناك من يعلم ولا يحدث العلم اي تاثير عليه فلا يستفيد من علمه وكانه جاهل , وهذا كثير و غاية العلم ان يوصل المعلوم الى القلب فيحدث اثره فيه وينعكس ذلك على السلوك فان لم يحدث اثره فى القلب فلاقيمة له  , غاية العلم احداث المعرفة الانسانية فاذا لم تكن هناك معرفة فلا اهمية لذلك العلم , المعرفة اشمل وهي ثمرة العلم , ان تكون اكثر انسانية واخلاقية ورحمة , قساة القلوب هم الغافلون الجاهلون ولو كانوا ممن ملكوا العلم ظاهرا فكانوا به اشد قسوة وارسخ جهلا , العقول يمكنها ان تفهم العلاقات السببية وقوانين الطبيعة وقوانين النفس , ولا تتجاوز ذلك الى ادراك ما تجاوز ذلك من العواطف الانسانية التى تجعل الانسان اقرب الى الكمال الانسانى , كل الناس يمكنهم ان يشتهوا ما يحبون من المآكل والملذات,  وقلة منهم يختارون منها ما يحقق الكمال لهم , وكثرة من الناس يغضبون وقلة منهم يمسكون بزمام غضبهم فلا ينتقمون ولا يعتدون ,

عندما نحسن فهم قوانين الحياة نفهم جيدا ما نراه اليوم من سلوكيات الافراد والقادة والدول وكل الجماعات الانسانية , هؤلاء هم جزء من واقعهم يرتقون وينحدرون ويعبرون عن قيم مجتمعهم وتربيتهم ,  لن ننهض ابدا الا اذا ارتقت رؤيتنا للانسان لكي يختار الاكمل له , ليس الكمال ان تكون اكثر مالا واكبر مما انت سلطة ولا ان تكون اوسع علما وثقافة,  وانما ان تخضع كل ذلك لمعيار اسمى للكمال  وهو ان تحب الكمال لذات الكمال وهو الاستقامة اولا وان تحب العدالة ثانيا وان تكون اكثر رحمة ثالثا , وهذا هو الرقي الحقيقي والكمال الذى يليق بالانسان .

( الزيارات : 1٬063 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *