كيف تعمل العقول..

  كلمات مضيئة..كيف تعمل العقول ..

كنت كثير التأمل فى كل ظاهرة اراها امامى او تخطر ببالى , واعترف ان تلك الصفة جعلتنى قليل التتبع لما اسمعه , وقد تسببت تلك الصفة لى بمشكلات محرجة , كان البعض يتهمنى بعدم الاهتمام واعترف ان الامر ليس كذلك , كانت تشغلنى فكرة اخرى , قلما كنت انصت لمحاضرة اسمعها , كنت اسمع القليل , ويفوتنى الكثير , قلة من الاحاديث كانت تشدنى , لا ادعى  ان ما كنت افكر فيه كان مهما , كنت افضل القراءة على السماع , كنت ما اقرأه اخضعه لمعيار نقدى , كنت اقبل بعض ما كنت اقراه وارفض البعض الاخر,  واحيانا ادخل عليه من التعديلات المنطقية لكي يكون ممكنا من الناحية العقلية , كنت احتكم للعقل واعتبره معيارا ممكنا ونسبيا ,  فما لا يقبله العقل فلا يمكن ان يكون , ولعل هذا هو السبب الذى جعلنى اهتم بمنهج ابن خلدون فى تحكيمه اصول العادة وقواعد العمران فى قبول الرواية التاريخية , كنت اثق بالعقل واعتبره اداة للتمييز , فما يرفضه العقل لا يمكن ان يكون صحيحا , هناك امر واحد كنت اعتبره هو اليقين وهو الايمان بالله , وهو يقين مصدره الفطرة الانسانية التى تدرك ما لا تدركه العقول من القضايا الايمانية والروحية , الفطرة الصافية تدرك ما تعجز عنه العقول  , والنفس الانسانية التى هي موطن الفطرة  بطبيعتها تدرك مالا تدركه العقول من قضايا الايمان وتنجذب اليه كما ينجذب الجزء الى الكل والفرع الى اصله , وهذا هو اعلى درجات اليقين , كل شيء فى الوجود ينجذب الى الكمال المطلق وهو الله من غير تامل او تفكير او تكلف , هذه هي الحقيقة الايمانية المطلقة , اما العقل فهو اداة مادية تعمل وفقا لما تدركه الحواس الظاهرة , ادراكات العقل ليست منضبطة , عندما نحب نرى الجمال وعندما نكره نرى القبح فى نفس الوقت , عواطف الحب والكرة هي ثمرة لما نراه , لا يمكن الثقة بالعقل المجرد لانه قد يخدعنا ويعطينا احكاما متناقضة , من نحتاجه نراه اكبر ومن نستغنى عنه نراه اصغر , عندما نغضب نرى فيمن يتسبب فى غضبنا كل السيئات ولو كان قريبا , القاضى لا يقضى وهو غضبان لان الغضب يفقده القدرة على رؤية الحقيقة , مفاهيم العدالة تتأثر بمجتمعها , فى مجتمع جاهل تكون المفاهيم الاخلاقية وليدة الواقع , لكل عصر معاييره التى تعبر عنه , فى المجتمع الجاهل تكون صورة الدين مستمدة من ذلك المجتمع وليس من حقيقة الدين , احيانا يبررون لانفسهم باسم الدين مالا يقبله الدين , الدين رسالة الهية ذات اهداف ايمانية واجتماعية , وفى عصر التخلف يكون العبث باصول الدين ممكنا ومحتملا , العقل ولو كان هو المكلف فهو وليد مجتمعه ويتأثر به يرتقى الفهم برقيه وينحدر بانحداره , كنت اتساءل اين الحق فيما تبحث عنه العقول , كنت اتساءل كيف يمكن للمفكر ان يكون مصلحا ومبدعا وهاديا ويكون فى نفس الوقت جاهلا وضالا , كنت  احترم كل الباحثين عن الحق سواء قبلناهم او رفضناهم , كل الاخرين الذين ننكر عليهم  ماهم فيه  ينظرون الينا بنفس المعيار وينكرون علينا ما ننكره عليهم , كنت اتساءل لما ذا اختلفت العقول والاصل فيها الا تختلف , اليست هي الميزان الذى نميز به بين الخطأ والصواب , لما ذا لا ندرك بها الحق , كنت ارى العقل هو اداة انسانية تعمل بطريقة مادية لا مجال للمشاعر فى قرارات العقل , قساة القلوب يملكون عقولا راجحة وهي التى قادتهم لارتكاب اقسى المجازر والقيام بابشع الحروب , كل الطغاة فى الارض يملكون عقولا راجحة , وهم اصحاب دهاء وذكاء , الذين اخترعوا اسوأ انواع السلاح المدمر  هم اذكياء واصحاب عقول فكيف يمكننا الثقة بالعقل , كنت الاحظ ان الانسان يمكنه فى وقت واحد ان يكون صالحا وسيئا وان يكون رحيما وقاسيا فى موقفين عندما يحب او يكره , من طبيعة الاجسام الا تقبل الاشكال المتناقضة فى وقت واحد ولكن النفوس تقبل ذلك التناقض فيمكن للانسان ان يكون صادقا وكاذبا فى وقت واحد , العقول تختلف عن النفوس فهي اداة تنفيذية تعمل بطريقة مادية ,

العقول تموت وتفنى بفناء الابدان اما النفوس فهي اسمى واعلى لانها مستمدة من النور الالهي الذي يلهمها الخير والكمال فان حجبت عن ذلك النور اظلمت وقست وتحكمت فيها اهواؤها الكامنة فيها ..

تلك تاملات قد تكون عبثية , احيانا نريد ان نعبر عما فى نفوسنا من افكار , اعترف انها قدتكون  متناقضة وليست متماسكة شانها فى ذلك هو شان من يتخيل بناء مدينة بشوارعها وعماراتها وحدائقها قبل ان يشرع فى البناء , عندما نبحث عن الطريق فلا بد الا ان نبحث طويلا عنه  الى ان  نكتشفه ..

( الزيارات : 1٬015 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *