لاوصاية على الانسان

                                

 

علمتني الحياة

أنّه لا وصاية على الإنسان فما يراه صالحاً لحياته , ولا وصاية عليه فيما يفكر فيه وفيما يعبر به عن آرائه إذا كانت منطلقاته سليمة وثوابته أصلية , وكيف يُحرَم إنسانٌ من حقّ مشروع , والرؤية العقلية اجتهاد ورأي وقناعة , ولا يُحرَم أحدٌ منه , كما لا يُحرَم أحدٌ من التعبير عما تراه عينه وما تسمعه أذنه , وما يشعر به ذوقه , وما تدركه العقول من قضاياها أكثر أهمية مما تراها العيون , ولماذا لا نعطي للإنسان حقّ الخطأ فيما يفكر فيه , ولا معيار للخطإ , فالخطأ الناتج عن خلل في منهج الاستدلال يسقط بسب الخلل , ولا يسقط لمخالفته لرأي الآخرين, ولا خلاف في أنّ العقول متفاوتة وعظمة العقول تكمن في هذه التبيانات والاستعدادات , فالألوان تدرك بالبصر أما الجمال فلا يدرك بالعيون , وإنّما تختلف معاييره باختلاف الأشخاص , وبالمشاعر والعواطف , والشعور بالسعادة أو الشقاء ليس  له  معيار واضح , وهو شعورٌ داخليٌ , فقد يكون شقياً من تحسبه سعيداً , ومن يكون متفائلاً من تظنّه يائساً , وقد تكبر إدراكات العقول وقد تضيق , ولا معيار لذلك , والثّقافة تنمي قدرات العقول , ولكنّها لا تُوجِد شيئاً من عدم , وقد يكون واسع العلم ولكن ضيّق الإدراك ..

ولذلك يجب أن يتّسع صدرنا لكلّ أفكار الآخرين , ولكلّ ما تنتجه عقولهم , وأن نحترم كلّ اختيارات الآخرين , أليس الآخر حيث كان هو شريك لنا في الإنسانية , فليختار لنفسه ما يشاء ، بشرط ألا يعتدي في رأيه على الآخرين ، وكلّ الثقافات  تعبر عن اختيارات مجتمعات وهي ناتجة عن إدراك عقول ، وعن قناعات ، فلماذا لا نجعل البشرية أكثر جمالاً بهذه التعددية الثقافية ؟ كحديقة جميلة تضمّ كلّ أنواع الزهور والأشواك ، والأشواك تؤدي مهمّة جمالية وكمالية ، فلماذا تضيق بما لا نحب ؟ فالكون رحب ، ويتسع لكل الأفكار والثقافات كما تنبت في الأرض الخصبة كلّ أنواع النباتات والفاكهة والخضار والزروع ، فما نحبه نأكل منه ، وما نكره نتركه لمن يحبه ويختاره ….

ولولا النقص لما كان الكمال ، ولولا القبح لما كان الجمال ، ولولا الشرّ لما كان الخير ، ولولا الكاذب لما مُدِح الصادق ، وعظمة الله تتجلى في هذا الكون الفسيح ، بنوره وظلامه ، بشمسه ونجومه ، بتناقضاته وكوارثه وانفعالاته ، فلماذا نريد الكون لنا وحدنا ، ولا نريد أحداً معنا ؟ فإذا فتحنا صدرنا للآخر فتح الآخر صدره لنا ، فلسنا أوصياء عليه ، ولماذا نحتكر الحق والصواب لنا ولا نعطي للآخر الحقّ في اختياره ما يريد ؟ هذه هي الحريّة التي نريدها ، حريّة من غير وصاية ، حرية الاختيار وحريّة الرأي ، وهذه هي الثقافة الإنسانية الشاملة لبناء الحياة وإعمار الكون ، وإشاعة المحبة والسلام ، أليس هذا هو العمل الصالح الذي يدعو إليه الإسلام ؟..

( الزيارات : 1٬911 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *