لكل مجتمع خصوصياته وقضاياه..

كلمات مضيئة ..لكل مجتمع قضاياه.

كنت كثير التامل فيما كنت اراه واتابعه من سلوكيات الانسان فى المواقف المختلفة , كنت اتساءل عن طبيعة العلاقة التى تربط بين النفس والعقل , واحيانا كنت اجد تداخلا بينهما , كنت اؤمن ان النفس هي موطن الغرائز الفطرية التى لا تستقيم الحياة الابها , والغرائز قوة فطرية توجد كاملة فى الانسان منذ ولادته , وهي القوة التى تدفعه للقيام بالنشاط الضرورى لدوام الحياة , ولولا هذه القوة الفطرية لما تحرك الانسان من مكانه , النبات عندما يعطش ولا يجد من يسقيه يمون صامتا , وعندما يجد من يعتدى عليه فيقطف زهرة منه  او يقطع  غصنا من اغصانه  ولو بطريقة عدوانية فانه لا يتحرك دفاعا عن نفسه ولا يقاوم من اراد به شرا , اما الانسان فانه يطلب الغذاء الذى يحتاج اليه ويسعى فى طلبه مهما كان طريق ذلك عسيرا , واذا وجد من يعتدى على اي حق من حقوقه فانه يقاومه وقد يدفع حياته ثمنا لذلك , هذا حق له , هذا الحق يثبت بالوجود الانسانى و الدفاع عن الحق امر مشروع , هذا هو مفهوم الحق , مهمة الدين انه ينظم تلك الحقوق ويقرها للانسان ويمنحه الحق فى الدفاع عنها , ما ارتبط بالحياة فهو حق اقره الدين للانسان , والاخلاق هي مفاهيم اجتماعية مستمدة من الدين او من الاعراف الاجتماعية التى ارتضاها المجتمع لنفسه , مهمة القانون التى تضعه السلطة انه يحمى تلك الحقوق ويعاقب من يخالفها او يتجاهلها , القانون هو جهد انسانى تضعه السلطة المؤتمنة على العدالة والحقوق وهو متجدد,  ويجب ان يلائم عصره , اهم الدراسات العلمية التى يجب الاهتمام بها هي دراسة الحقوق ودراسة الوسائل التى تجعل العدالة ممكنة , ومن اهم شروط القانون ان يكون عادلا ومنصفا وان يقتنع المجتمع بعدالته , لكي يقع الاحتكام اليه , لا احد فوق العدالة , احيانا لا يكون القانون عادلا عندما تضعه سلطة جائرة تعبر عن مصالح طبقية او معايير اجتماعية او مصالح شخصية , مهمة الدين ان يامر بالعدل ويحرم الظلم ويترك للمجتمع دور التفسير واختيار التطبيقات التى تحقق العدالة , عندما يتحكم الاقوياء فى تحديد مفهوم العدالة ويضعوا القوانين فمن المؤكد ان القانون لن يكون عادلا ولا مقنعا وتفقد السلطة هيبتها واحترامها فى نظر شعبها , مفهوم العدالة يتجدد ومفهوم الظلم يتغير , التجاوز ظلم , وكل عدوان على الاخر الاضعف هو ظلم , احيانا يقع الاحتكام الى العقل لانه يملك قوة التمييز بين الصواب والخطأ , ولكن العقل متأثر ببيئته ومجتمعه وثقافته , وكلما احترمنا  القيم الانسانية التى اقرها الله للانسان حقوقا وحياة وكرامة كنا اكثر رقيا فى قوانيننا وفى تصورنا لمفهوم العدالة , مهمة تفسير معنى العدالة ليس امرا يسيرا فما يراه البعض عدلا لا يراه الاخرون كذلك لاختلاف البيئات والمصالح والقناعات , كيف يمكننا ان نفهم معنى العدالة , عندما حرم الاسلام الربا اراد بذلك الا يكون ظالما او مظلوما , هناك صورة للربا بنى عليها الحكم وهو الربا الجاهلى التى كان بنو المغيرة وثقيف يتعاملون به فى الجاهلية , ولذلك لم يسأل اي احد من الصحابة عن معنى الربا فى القرأن لان صورة الربا كانت ماثلة فى الاذهان , الالف واللام فى كلمة الربا للعهد كما يقول القرطبي فى تفسيره , وهو الربا المعهود المتعارف عليه , كل معاملة تحقق معنى الظلم تعتبر محرمة كما حرم الربا , عندما تستغل حاجة مستضعف وتفرض عليه شروطا مجحفة فانت تظلمه , وهذا امر محرم , عندما تنتقص قيمة عمل الاجير فانت تظلمه وتعتدى عليه , لكل جهد قيمة فمن تجاوز قيمة عمله فقد ظلم واكل اموال الاخرين بالباطل , كل كسب لم يحترم ضوابط الكسب المشروع فلا شرعية له , لا بد من تحديد معنى العدالة , وكيف يمكن للعدالة ان تكون عدالة , قد يقول قائل ان العقل هو اداة التمييز وعندما نحتكم اليه ندرك معنى العدالة , ولكن العقول متفاوتة فى ادراكاتها وفى مكوناتها , ولكل مجتمع معياره للعدالة ويتطور مفهوم العدالة رقيا الى الاكمل الذى يحترم كل الحقوق الانسانية , الفقه يتجدد باستمرار لانه جهد العقول الذى يتأثر بعصره ومجتمعه , وفقهاء كل عصر يختلفون فيما بينهم متأثرين بخصوصيات كل واحد منهم , فاذا اختلف الزمان والمكان كانت دواعي الاختلاف اكبر واكثر الحاحا , والعدل لا ينفصل عن الاحسان والرحمة فاذا كانت العدالة خالية من الرحمة والقيم الانسانية كانت ظلما وجورا , فمعايير العدالة تتسع لكي تواجه كل ما يحمل ملامح الظلم من انواع السلوك الانسانى , الاقوياء فى كل مجتمع هم مظنة للتجاوز , وعندما يكون القانون عادلا يريح المستضعفين ويدفعهم للاحتكام اليه , وهنا تبرز مهمة التربية الروحية فى حياة المجتمعات انها تعمق المشاعر الايمانية وتجعل الانسان اكثر انسانية ورحمة واخلاقية , التربية الروحية رسالة انسانية تخاطب الانسان لكي يحاسب نفسه امام الله فلا يظلم ولا يحقد ولا يعلو ولا يفسد , اذا لم تؤد التربية الروحية هذه المهمة فلا حاجة لها , ليست مهمة التربية الروحية ان تجعل المظلوم اكثر صبرا وانما ان تجعل الظالم اقل سفها وجورا , المجتمع يحتاج الى الامن والاستقرار , وعندما نفهم جيدا مطالب الانسان وحقوقه المشروعة نقف معه فيه لتحقيق مفهوم اكثر رقيا للعدالة والاخلاق , عندما يكون الانسان مخاطبا فهو مؤتمن على فهم ما خوطب به , وهو وليد عصره ويجب ان نثق بالانسان تكليفا وفهما , ولكل جيل قضاياه الخاصة به وهو مخاطب بها وعليه ان يختار لنفسه ما يراه عدلاوحقا ودينا , ليست هناك وصاية لجيل على جيل , وفقهاء كل عصر وكل مجتمع هم مخاطبون ومكلفوم ومؤتمنون , ما يريده الله من عباده الا يتظالموا فيما بينهم وان يفعلوا الخير,  والخير موصول ولا يتوقف , علينا ان نعرف الطريق وان نسير فيه وان نجتهد فيما ترجح لنا انه الحق والصواب ,     

 

 

 

 

 

 

 

 

( الزيارات : 935 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *