مؤتمرات رابطة علماء المغرب

سادساً :مؤتمرات رابطة علماء المغرب

كانت رابطة علماء المغرب نشيطة وفاعلة ومؤثرة وتحظى باحترام المجتمع المغربي كله بكل فئاته , وكان الأستاذ عبد الله كنون الحسنى  يتولى الأمانة العامة لهذه الرابطة، و هوعالم جليل متميز وذو أخلاق عالية,  ويتمتع بشخصية قوية معتزة بذاتها، وهو من الشخصيات التي كنت أعجب بها، وكانت تربطني به صلة مودة متبادلة ، وله كتاب قيم بعنوان “النبوع المغربي “وكان يحرص على مشاركتي في مؤتمرات الرابطة التي كانت تعقد كل ثلاث سنوات، ويحضر هذه المؤتمرات عدد كبير من علماء المغرب، وقد حضرت مؤتمرات الرابطة في أغادير وفي مكناس وفي مدينة الناضور وفي مدن أخرى، وكان الأستاذ أحمد بنسودة مدير الديوان الملكي يحضر هذه المؤتمرات لتأكيد الرعاية الملكية لعلماء المغرب ، وكانت السلطات الرسمية تهتم اهتماما كبيراً بالمؤتمرات التي تنظمها الرابطة، وتصدر بيانات وتوصيات تدعو إلى الإصلاح وتنقد بعض المظاهر السلبية ، وتحض الدولة على احترام القيم الإسلامية والاهتمام بالتربية الإسلامية,  وكان العلماء يعبرون عن آرائهم بحرية كاملة، وكانت الدولة تهتم بهذه التوصيات وتحترم إرادة علماء المغرب ..

وكنت أرقب باهتمام نشاط العلماء خلال هذه اللقاءات، وكان الأستاذ عبد الله كنون حكيماً وعاقلاً، وكان يتحكم  فى هذه التوصيات بحيث لا تتضمن إحراجاً للسلطة، ويخفف من اندفاع العلماء الشباب فيما يطالبون به فى توصياتهم، وكان الأستاذ كنون يحظى باحترام العلماء وثقنهم ، واستطاع أن يحافظ على وحدة الرابطة واستمرارها .

ولما انتقل إلى الرفيق الأعلى خلفه في الأمانة العامة الأستاذ محمد مكي الناصري، ثم خلفه الحاج أحمد بنشقرون، وضعفت الرابطة بعد وفاة الأستاذ كنون ، ولم تعد قوية ومتماسكة ومستقلة كما كانت من قبل ..

ولما توفي الأستاذ عبد الله كنون أقيم له في طنجة حفل تأبين كبير حضره عدد كبير من الوزراء والعلماء,  وألقيت كلمة في تأبين الراحل الكبير الذي كنت أقدره وأحترمه ، فقد كان شخصية حكيمة وعاقلة وأبيّة، وهو يمثل شخصية العالم الذي يعتز بعلمه ويقول كلمة الحق التي يؤمن بها ..

ولما حاولت وزارة الأوقاف السيطرة على الرابطة والتدخل في أمورها والتحكم في قراراتها ضعفت هذه الرابطة ، وشعر أعضاؤها  أن الرابطة لم تعد مستقلة و لا معبرة عن ارادة العلماء..

وقد أدّى  هذا الى  إضعاف الثقة بالرابطة، وعندما شعر العلماء بسيطرة وزارة الاوقاف على الرابطة اتجهوا الى تكوين جمعيات محلية غير منضبطة، ويؤدي هذا في الغالب إلى تشجيع الأفكار المتطرفة،و من المؤكد  ان أي جماعة لا تستطيع أن تتنفس بحرية ستبحث عن فضاء تتنفس فيه وتمارس فيه حريتها المسلوبة منها ، وكلما شعرت أي جماعة بالتضييق عليها اندفعت بقوة باتجاه معاكس للتعبير عن ذاتها، وهذا أمر طبيعي وحتمي، وليس من الحكمة التضييق على العلماء لكي لا يخرجوا عن منهج الاعتدال ، والنفوس البشرية تأبى أن يضّيق أحد عليها فيما تعتقده من حقوقها ، وما ظهر التطرف في المجتمع إلا لوجود أسباب شجعت عليه ، وأهمها التضييق على الناس في حرياتهم وإشعارهم بعدم الثقة بهم , ومحاولة الهيمنة عليهم، والذين يعتقدون أن الوصاية على الأفكار والتضييق على الحريات يمكّن ا لسلطة من التحكم في أمور النا س يخطئون في ذلك، وهم يسيئون للسلطة أولاً لأنهم يدفعون الناس للتجرؤ على النظام العام، وتزول الهيبة من النفوس وبدلاً من أن يتوجه النقد إلى الأخطاء والسلبيات  فإن النقد يتوجه إلى النظام كله ….

والعلماء ليسوا موظفين لدى السلطة، وليست مهمتهم الدفاع عن سياسة السلطة ولا تبرير مواقفها، وإنما مهمتهم التعريف بالإسلام وبيان أحكام الشريعة ، وتوجيه الناس إلى السلوكيات الأخلاقية، وتقديم النصيحة الصادقة إلى ولاة الأمر برعاية حقوق الله واحترام حقوق الناس، وإذا تمكنت السلطة من تجنيد العلماء لخدمة السلطة فانها تخسر كثيراً، لأنها تفقد العلماء خصوصيتهم الدينية، ويفقدون بذلك مكانهم فى مجتمعهم  وينفض الناس عنهم، ويبحثون عن رموز جديدة قد تكون جاهلة ومنحرفة ..

والسلطة الواعية تقوّي مركز العلماء في مجتمعهم وترسخ مكانتهم بين الناس لكي يثق المجتمع بهم، ويسمع نصائحهم ، وادعو حكماء السلطة لكي يدركوا أهمية دور العلماء في ترشيد السلوك الاجتماعي وإدانة التطرف والعنف وكل مظاهر الفساد ، وإذا صلح أمر العلماء انعكس ذلك بطريقة إيجابية على المجتمع ، والسلطة لا تحتاج إلى جند مقاتلين لكي يتصدوا  الى مطالب الناس,  وإنما تحتاج إلى مرشدين وناصحين يثق المجتمع بهم وينصت لنصائحهم ..

وليس من العلماء من رضي لنفسه أن يكون أداة للسلطة، وأن يسخّر منبره لتبرير المواقف الخاطئة، و العالم الحق يقدم النصيحة الصادقة لكل من الحاكم والمحكوم  على السواء ، ولا يقف موقف الريبة ولا يتملق ولا ينافق ولايطمع فى عطاء ، ويدافع عن  الحق حيث كان ,ويقف الى جانب الضعفاء لرفع الظلم عنهم..

.

 

( الزيارات : 1٬929 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *