مؤتمرات منظمة الدفاع الاجتماعى

سابعاً: مؤتمرات الدفاع الاجتماعي ضد الجريمة

كانت منظمة الدفاع الاجتماعي التابعة للجامعة العربية والتي كان مقرها في الرباط تعقد مؤتمراتها في المغرب، وكان أمينهاالعام السيد محمد الشدادي يحرص على حضوري ومشاركتي في هذه المؤتمرات، وكانت معظم الموضوعات  تتركز حول مقاومة الجريمة، ومعالجة أسباب الجريمة ووسائل الوقاية  من الجريمة في  المجتمع العربي، وقدمت عدة بحوث حول طرق الوقاية من الجريمة، وقد نشرت بعض هذه البحوث فى مجلة المنظمة …

وكنت أؤكد دائما على ضرورة الاهتمام بالأسباب المؤدية للجريمة، ولا يمكن أن تعالج ظاهرة الجريمة إلا بمعالجة الأسباب المؤدية لها ، وأهمها الفقر والجوع  الناتج من سوء التوزيع والفساد الاقتصادي والفساد الإداري والرشوة وفسادالقضاء وغياب القوانين الاجتماعيةالعادلة، و إذا لم تعالج هذه الأمراض فإن من المؤكد أن الجريمة سوف تستمر وتقوى ويكبر خطرها، وهي ظاهرة مرضية والمرض لا يعالج بالمهدئات، وإنما يعالج بإزالة أسباب المرض وإصلاح الخلل المؤدي إلى توتر النفوس وسيطرة مشاعر اليأس واللجوء إلى العنف  والجريمة وسيلة حتمية للتعبير عن الغضب المكبوت والانتقام من الآخرين، وجرائم المترفين أكثر من جرائم الفقراء المستضعفين، فهؤلاء يسرقون عن حاجة ويدافعون بذلك عن حياتهم وحقوقهم، أما الأغنياء والأقوياء فإنهم يرتكبون جرائم الفساد الاقتصادي والإداري والأخلاقي ,  ويسخرون الدولة لحماية فسادهم وهم يسرقون من الدولة نفسها ومن المجتمع , ويدفعون الرشوة لتغطية سرقاتهم عن طريق تهريب السلع والتهرب من الرسوم والضرائب والحصول على تراخيص استثنائية في البناء والتجارة والأراضي والمصانع والمشروعات الزراعية,  ويستغلون العمال ولا يعطونهم الأجور العادلة ويصدر القضاء أحكاماً  تبرر لهم اغتصاب أراضي الفلاحين وطردهم واستغلال جهدهم , ويمارسون أسوأ أنواع الاستغلال ضد مصالح المجتمع واحتكار السلع الضرورية …

قد يلتمس العذر للفقير إذا دفعه الجوع إلى السرقة , وقد يلتمس العذر للمظلوم إذا دفعه اليأس لمواجهة ظالمه , ولكن لا يلتمس العذر لمسؤول كبير دفعه الطمع إلى قبول رشوة لتمكين ظالم من حق لا يملكه , أو لإسقاط حق اجتماعي عمن يجب عليه أداؤه , أو للتساهل في مراقبة أغذية فاسدة أو أدوية مزورة , وقبل أن تعاقب من يتعاطى المخدرات من الأطفال والبؤساء واليائسين فعلينا أن نعاقب أباطرة المخدرات من أصحاب الياقات البيضاء في المجتمع , ومعظمهم من وجوه المجتمع وممن يملك القدرة على شراء ضمائر رجال الإدارة والقضاء والأمن , وهذه هي الجريمة المنظمة التي ترتكب باسم القانون والقضاء,  وهناك محامون وقضاة يدافعون عن هؤلاء , ويسهمون في حمايتهم باسم القانون , وما جاء القانون لكي يكون مطية للفاسدين والمجرمين وإنما جاء لكي يحقق العدالة ويطارد المجرم الذي يهدد أمن المجتمع واستقراره ..

إن مجتمعاً يعيش نصفه في أحياء مكتظة كالقبور ليس فيها مدارس أو مستشفيات ولا يجد سكانها ما يأكلون ولا ما يلبسون , ويشعرهم هذا بأنهم منسيون , كما ينسى الاحرار في سجون الأنظمة الاستبدادية  ومن الطبيعى أن تكون هذه الأحياء المهجورة والمنسية معسكرات لتكوين القابليات النفسية للجريمة وأفعال العنف وأفكار التطرف ,  وهؤلاء يملكون من قوة البأس والصمود والتضحية ما لا يملكه غيرهم من أصحاب الياقات البيضاء من رموز الجريمة من تجار المخدرات والسلاح والأدوية الفاسدة والأدوية المزورة وأصحاب الامتيازات ممن يحميهم القانون ويحكم لهم القضاء ..

هذا ما يجب أن تهتم به منظمةالدفاع الاجتماعي وكل المنظمات التي أنشئت لمقاومة الجريمة وإذا لم تعالح أسباب الجريمة فالجريمة مستمرة ولا أمل في القضاءعليها إلا عن طريق إزالة الأسباب المؤدية إلى إشعار النفوس الغاضبة واليائسة والجائعة بالعدالة والرعاية,  وبعد ذلك الاهتمام بأمرهم وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية….

وكنت أركز على فريضة الزكاة كوسيلة مادية لإشعار هذه الطبقة المحرومة بحقها المشروع في مشاركة الأغنياء في جزء من أموالهم ، وهذا حق الله وحق المجتمع، ولا يجوزإسقاطه ولا يجوز التحايل عليه ، ومن لم يدفع هذا الحق فلا شرعية لملكيته، ومن لم يدفع هذه الفريضة فيجب أن تؤخذ منه بالقوة ، وتفرض عليه عقوبات مالية رادعة .. وكل مال جمع عن طريق الحرام فلا شرعية له كالرشوة والربا والاحتكار والغش والإضرار بالمصالح الاجتماعية واستغلال حاجات المستضعفين في الأجور و والخدمات والأرباح الفاحشة واستغلال النفوذ للحصول على امتيازات غير مشروعة والاتجار في السلع الممنوعة والمحرمة كالمخدرات والأدوية المغشوشة والمواد الضارة بالصحة العامة، هذه الأموال ليست مشروعة وليست محصنة ، وليست محميَة، ويجب استرداد هذه الأموال والثروات، وإعادتها للمجتمع الذى سلبت منه ، ولا يمكن للشريعة الإسلامية أن تقر الملكيات والأموال الظالمة ولا ملكية الأراضي المغتصبة، ويجب إعفاء الطبقة الفقيرة من الضرائب وإعفاء هؤلاء من فوائد القروض الزراعية، وتمكينهم من المواد الضرورية الأولية لأعمالهم بأسعار ميسرة وبخاصة في الأرياف التي تحتاج إلى تنمية وخدمات تحقق المطالب المشروعة ..

وليس المهم أن ننشئ المنظمات التي تهتم بأمر الجريمة والدفاع الاجتماعي وأن نقيم المؤتمرات والندوات الرسمية , ليس المهم هذا وإنما المهم أن يكون صوت المؤتمرات عالياً وأن تسمع الكلمة الناصحة ولو أغضبت رموز الظلم والفساد في المجتمع , فما أقيمت المؤتمرات لكى تبرر المظالم باسم الدين حيناً أوباسم القانون ثانياً أو باسم العدالة ثالثاً , ولا يمكن للدين أن يبرر الظلم أو يدافع عن رموزه ,  ولا يمكن للعدالة أن تقف مكتوفة اليدين أمام مظاهر الظلم الاجتماعي , أما القانون فيجب أن يضعه من يؤمن بالعدالة الاجتماعية ,  وأن يسهر على تنفيذه قضاة من أصحاب النزاهة والاستقامة والدين والخلق , ولا حدود لأخطار فساد القضاء وإذا فسد القضاء فالجريمة حتمية,  ولا وسيلة لمنع الجريمة مع فساد القضاء وانتشار الرشوة فى الإدارة , ولاطريق لمن سلب حقه ظلما باسم القضاء  ولم يجد من يناصره ويحميه إلا أن يلجأ إلى كل وسائل المقاومة للدفاع عن حقه , وهذا هو طريق الجريمة ..

وقد أدت منظمة الدفاع الاجتماعي دوراً جيداً في مقاومة الجريمة، وأصدرت مجلة متخصصة في مجال البحوث المتعلقة بالجريمة وسبل معالجتها ,كما أصدرت مجموعة من الدراسات المفيدة، وقد تم الاستغناء عن هذه المنظمة وانتقلت اختصاصاتها إلى منظمات أخرى…

والسؤال المطروح الآن :

هل استطاعت هذه المنظمة وكل المنظمات المحلية والعربية والدولية المختصة بمقاومة الجريمة أن توقف الجريمة , وأن تخفف من أخطارها, ويكمن الجواب في لواقع الاجتماعي الذي نراه في المجتمع العربي .

والجرائم اليوم أكثرخطورة من جرائم الأمس ، ونحن على أبواب الجريمة المنظمة التي ترعاها منظمات إرهابية مختصة، في مجال المخدرات والممنوعات والتهريب وتزوير العملات والصفقات الموهومة واستيراد المواد الغذائية والدوائية وكل السلع المغشوشة ، وأصبح العنف وسيلة لتحقيق الغايات المطلوبة , وكلنا يريد مقاومة الجريمة، ولكن يجب أن تفرق أولاً بين أنواع الجرائم، وأن نبحث ثانياً عن دوافع الجريمة، وأن نوجه اهتمامنا لتكوين المواطن الصالح المؤمن بقيم الخير، وأن نحترم إنسانيته ومطالبه المشروعة , فالمجرم هو ضحية ظروف محيطة به تدفعه لارتكاب الجريمة، والمجتمع هو المسؤول عن الجريمة، فإذا صلحت الأنظمة والقوانين الاجتماعية ودافع المجتمع عن أمنه واستقراره باحترامه لكل حقوق الإنسان في الكرامة والكفاية والعمل فإن من المؤكد أن نسبة الجريمة سينخفض كثيراً، ولاشك أن التربية والتكوين وتلبية المطالب المشروعة هي طريقنا إلى مقاومة الجريمة وحماية أمن المجتمع واستقراره ..   

 

( الزيارات : 2٬005 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *