مؤتمرات وندوات فى المغرب

المؤتمرات والندوات في المغرب

شهد المغرب فى السنوات الأخيرة من القرن العشرين حركة ثقافيةنشطة، سواء داخل الجامعات أوخارجها، وكانت المؤتمرات تعقد في كل مدينة مغربية وفي موضوعات مختلفة، وكانت تضم كفاءات علمية متميزة، وكنت أشارك في بعض هذه اللقاءات التي تدخل ضمن اهتمامي، وبخاصةالمؤتمرات التي كانت تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وجامعة القرويين والشعب الإسلامية في كليات الآداب في الجامعات المغربية، وأهم هذه المؤتمرات ما كانت تنظمه وزارة الأوقاف عن المذهب المالكي وأعلام المغرب والمؤتمرات التي تنظمها جامعة الصحوة الإسلامية، التي كانت تهتم بالقضايا الاجتماعية المعاصرة، كموضوع المرأة والتطرف والعلاقات بين الإسلام والغرب، ونظرة الغرب إلى الإسلام ، وقد وجه المغرب اهتمامه في الفترة الأخيرة إلى القضايا المعاصرة , وهذا اهتمام حيد، ويجب أن يوجه كل جيل اهتمامه لقضاياه التي تهمه وتسهم في زيادة وعيه، وإذا وقع تناول الموضوعات التقليدية القديمة التي اهتم بها أسلافنا فيجب أن نبحثها من زاوية معاصرة,  وأن نبدي رأينا فيها كما نراه وكما نؤمن به ..

 

 

نشاط وزارةالأوقاف

تابعت باهتمام نشاط وزارة الأوقاف خلال ربع قرن، وكانت الوزارة نشيطة وفاعلة، وقد نظمت عدة مؤتمرات موفقة,  وأهمها:

مؤتمر الإمام مالك في فاس ,  ومؤتمر القاضي عياض في مراكش , ومؤتمر البيعة والإمامة في مدينة العيون، ومؤتمرات الصحوة الإسلامية في الدار البيضاء والرباط، وقد شاركت في هذه المؤتمرات بتدخلات مكتوبة , وقد نشرت هذه التدخلات في المطبوعات التي أصدرتها الوزارة ,كما نشرت في بعض كتبي المطبوعة  ، وهناك ذكريات مازالت عالقة بذاكرتي، وأذكرها في بعض الأحيان بسرور، وتعلمت منها دروساً مهمة، وهي تؤكد أهمية مراعاة المخاطبين والتماس العذر لهم فيما يذهبون إليه.. وأهم هذه الذكريات

أولاً:في مؤتمر الإمام مالك الذي عقد في مدينة فاس قدمت بحثاً عن أثر الإمام مالك في المنهج الفقهي العام، وعندما تحدثت عن الأمام مالك بينت أثر منهجه الفقهي في المنهج الفقهي العام من حيث ترسيخ مكانة السنة في المنهج الفقهي وبخاصة في العراق، ولدى علماء الرأي (1).وكان تأثيره قوياً في منهج الإمام الشافعي الذي تلقى علمه على يد الإمام مالك وخالفه في بعض الآراء، وحاول أن يوجد مدرسة متوسطة بين مدرسةالحديث ومدرسةالرأي , ولقيت هذه المدرسة قبولاً لدى كثير من الفقهاء الذين تأثروا بفقه الشافعي في العراق ومصر، وقد اظهر بعض العلماء ممن لم يطلعوا على تاريخ المذاهب امتعاضاً، وأكدوا أنه لا يمكن أن يقارن الشافعي بشيخه مالك إمام المغاربة، وقد أسعدني تعلق المغاربة بالإمام مالك، وهذا التعلق أدى إلى تحقيق الوحدة المذهبية ، وكنت أرى أن المذهبية قد خدمت الفقه وشجعت التدوين الفقهي,  وساعدت على نمو علم أصول الفقه بمايخدم كل مذهب، إلا أنني لم أكن مع التعصب المذهبي، سواء بين المذاهب السنيةأو بين السنة والشيعة والزبدية والإباضية، وادعو باستمرار إلى التمسك بالثوابت وإعادة التأصيل الفقهي والعودة إلى ربط الفروع بالأصول,…

()البحث منشور في كتاب ابحاث في الفكر والثقافةوالحضارة

فالمذهبية لا تعني التعصب ضد الآخر، وكل المذاهب أسهمت في خدمة الفقه الإسلامي، ويجب أن يتسع صدرنا لكل الآراء الفقهية، وكنت أجد التعصب في المجتمعات الإسلامية ذات المذهب الواحد في المغرب وإيران وعمان والسعودية,  ولم أجد هذا التعصب في البلاد ذات المذاهب المتعددة كما هو الشأن في مصر وبلا د الشام نظراً لانتشار المذهب الحنفي والشافعي بشكل متماثل، ويدرس كل من المذهبين في المدارس الشرعية ..

وتعلمت من هذه التجربة أن أراعي هذه الملاحظة، وأنا أقول أن كل مذهب يمتلك مزايا خاصة به وهي متساوية في مكانتها، وتختلف في حجم انتشارها، وكل مذهب يكمل المذهب الآخر، وقد لاحظت في السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً لظاهرة التعصب في معظم البلاد الإسلامية بفضل جهود الجيل الجديد من العلماء الذين أخذوا ينظرون للفقه من زاوية أكثر اتساعاً وشمولاً ..

 

 

ثانياً:مؤتمر البيعة والإمامة في مدينة العيون الصحراوية المطلة على البحر الأطلسي، وقد قدمت بحثا اًعنوانه “مفهوم الإمامة في الفكر السياسي “، وقد غابت عن ذهني أهداف المؤتمر، وأعترف أنني نسيت ذلك، وقدمت بحثي بموضوعيه وعفويه، وكنت أتكلم عن شروط الإمامة وضوابط البيعة، وقلت مثل هذا في مجلس الملك في الدروس الحسنية، ولكن عند ما تتكلم في مؤتمر [1]  عام فيجب أن تكون أكثر مراعاة للمكان والزمان وطبيعة الحاضرين، وليس من الضروري أن تخالف ثوابتك، ولكن من الحكمة أن تقدم ثوابتك بطريقة منسجمة مع واقعك ومع ما هو مطلوب منك أن تقوله، وليس من الضروري أن يركز المتكلم في هذه المناسبة على البيعة، وأنه لا شرعية لبيعة الإكراه، وأن الالتزام في البيعة يرتبط باحترام كل الطرفين لما تتطلبه البيعة من وجوب الالتزام بالضوابط الشرعية وحماية المصالح الاجتماعية والقيام بما تتطلبه هذه المسؤولية من احترام لإرادةالأمة… وكان معظم الحاضرين يتوقع مني أن أقول ما يجب أن يقال من ثوابت الإسلام، إلا أن الحكمة واجبة، لكيلا يعطى الإنسان لأصحاب النوايا السيئة لكي يستشهدوا بكلامه لتحقيق أهداف مشبوهة وضارة وكنت أكبر شخصية الملك الحسن الثاني فقد كان واسع الصدر وكان يحترم العلم ويحترم الكلمة الصادقة والنصيحة المخلصة ويشجع عليها بشرط أن يلتزم صاحبها بأدب النصيحة وحسن النية وألا تكون ناقدة، اومسيئة ، وكان يرى أن الحرية في مجال الفكر الإسلامي تمنح النظام قوة ورسوخاً وعندما يقدم الإسلام كما يؤمن به الناس فإنه يعطي للمتكلم مصداقية في نظر المجتمع، وهذاأمر يرسخ الثقة بالنظام، وكنت لا أحب أسلوب التقرب إلى الحكام بما يسيء إليهم، والمبالغات نسيء ولا تقنع وتنفرالنفوس، والعقلاء يكبرون المواقف العاقلة والعلماء مؤتمنون على الشريعة……


 



[1]البحث منشور في كتاب محاضرات فى الفكر السياسي والاقتصادي في الإسلام

( الزيارات : 1٬929 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *