ما أحوج الشعوب الى موقظ حكيم

ذاكرة الايام ..مسرحية الحياة كما هي
عندما كنت طالبا فى الدراسات العليا فى القاهرة تعلقت بالمسرحيأتِ الأدبية والاجتماعية ، وأهمها مسرحيات الأديب الإنكليزي شكسبير ، كنت أقرؤها كمسرحيات ادبية راقية الدلالة والاسلوب ، وتعبر عن قيم كانت سائدة فى عصرها ، وكنت اتابع ماكان يكتب عنها فى المجلات الأدبية من تحليل للأحداث ولشخصيات الرواية ، واهم تلك المسرحيات مسرحية هاملت ومسرحية عطيل ومسرحية تاجر البندقية ، وهناك مسرحيات اجتماعية لأدباء مصريين ومنهم مسرحيات الحكيم ، وكان هناك مسرح يهتم بالأدب العالمي ويقدم اهم المسرحيات العالمية ، واهم المسرحيات هي التى تجسد لك المشكلات الاجتماعية والمواقف الوطنية ، ومازلت اذكر أننى رايت مسرحية عن سليمان الحلبى ذلك الطالب الازهرى الذى ترصد القائد الإنكليزي كليبر وقتله دفاعا عن مصر كتعبير عن مقاومة الاحتلال ..
المسرحية كالقصة الأدبية تعرض قضية او واقعة تاريخية تعبر عن مواقف وقناعات..ليس كل كاتب يمكنه ان يكتب المسرحية او الرواية ، هناك مقدمة ،لا بد الا ان تكون هي البداية ثم يكون الفصل الثانى والثالث ثم تكون النهاية ، لا احد يعرف النهاية الا المخرج ، الممثل يؤدى دوره ولا يعرف النهاية ، لو عرف النهاية لما نجح فى اداء دوره ، لا يمكنه ان يعرف مصيره فى المسرحية ويظنها كما يريد ويخطط ولا يدرى ان القدر له بالمرصاد لا يمكن تجاوزه ، انه يؤدى الدور ويترك الأحداث تتوالى بطريقة مقنعة وعفوية ، لا بد الا ان تكون النهاية غير متوقعة ، لكي تكون المسرحية مشوقة ..
عندما تكون فى المشهد الاول فى المسرحية فلا يمكنك ان تفهم ما سوف يكون فيما بعد من مشاهد واحداث ، الوحيد الذى يعرف النهاية هو مخرج المسرحية التى رسم من البداية احداثها وفصولها ، لا بد الا ان تتعدد الفصول وكل فصل يقرّبك من النهاية فلاتستعجل النتيجة ، عندما تكون فى البدايات فلا يمكنك ان تتوقع ما سوف يكون ، اذا عرفت النهاية من البداية فهذا دليل على سذاجة المخرج ، اجمل المسرحيات وأكثرها تشويقا هي التى لا يمكنك ان تتوقع ما سوف يكون ، لو انكشفت لك النهاية فلا حاجة لك ان تتابع المشاهد التالية وسوف تكون مملة على وجه اليقين ، مازلت اذكر بعض المشاهد المثيرة والمعبرة ، كنت ارى الحياة كمسرحية والإنسان هو بطل ما يجرى امامه من احداث ، لكل انسان قصته من البداية الى النهاية ، كل انسان يؤدى دوره فى الحياة وهو البطل لمن حوله وفيما يتعلق بحياته ، امال وأحزان وإحباطات ومآسي ، هي قصة الحياة فى كل زمان ، الدول كالأفراد تبتدئ وتنتهي ، وتمر الأحداث سريعة متلاحقة ، امتنا اليوم تمر بمرحلة مهمة تستحق ان نراقبها ونكتب عنها ، ما نكتبه اليوم عن السابقين من الاجيال والدول سوف يكتب الأحفاد قصتنا ومانمرّ به من احداث ، هم الذين سيكتبون تاريخنا ، هم القضاة ، سيحكمون وحكمهم سيكون عادلا ، سيكتبون عنا كما نحن ، نحن اليوم لا نكتب الحقيقة لأننا نخاف من الحقيقة او لانراها كما هي ، قد نكتب متأثرين بعواطف الحب او الكره ، المعاصرون لا يكتبون الحقيقة كما هي ، من سياتى سيكون اكثر موضوعية ونزاهة ، سيكون محايدا ، نحن اليوم فى المشهد الاول ولانعرف ماذا سيكون ، احيانا نتوقع ما يمكن ان يكون ولكننا نخاف من الحقيقة ، احيلنا تدفعنا اطماعنا لكي نكتب ما يرضى الاقوياء الذين نخافهم او نحتاج اليهم لتحقيق مصالحنا ، كتبت مرة منذ سنوات وقلت نحن فى المربع الاول ، وما زلنا فيه ، كل الماسى والازمات تشير الى اننا اليوم لم نتجاوز المربع الاول ،هذا ما أراه ولست على حق دائما ، ارى من بعيد ما يوحى ان المشهد الاول من المسرحية قد قارب ان ينتهى ، لا بد من إطفاء الأنوار وإسدال الستارة وتغيير الديكورات ، المربع الثانى قد اقترب ، سيبرز ابطال جدد ووجوه جديدة من الأبطال ، لا بد من تجديد الديكورات لكي تكون ملائمة للفصل الثانى ، لقد ارهق الفصل الاول ابطاله ، الفصل الجديد قادم ، قد يكون اشد اثارة وتعبيرا ، قد يكون طويلا ، لانه سيعطينا إشارات مبهمة وغامضة عما يمكن ان يكون ربما لمدة عقود ، نحن اليوم فى منطقة اشد سخونة ، حرارة الصحراء لأتعرف الرحمة ، الجغرافيا كما يقول ابن خلدون فى مقدمته مؤثرة فى طبائع الرجال قسوة ورحمة ، انهم اشداء اذا اختلفوا ، هي طبيعة الصحراء وطبيعة البداوة ، تحدث ابن خلدون عن طبائع البداوة والحضارة ، كتبت كثيرا عن طبائع البداوة والحضارة ا،البداوة لا يتقنون لغة الحوار وهم اشد قسوة اذا غضبوا وانفعلوا ، قال ابن خلدون ، اهل الحضارة اذا سمعوا صوتا معاديا أغلقوا أبوابهم وانتظروا من يدفع عنهم عدوهم ، اما اهل البداوة فانهم اذا سمعوا صوتا معاديا حملوا سلاحهم وخرجوا يواجهون ذلك العدو بصدورهم ، حياة البؤس فى الصحراء تجعلهم اشد بأسا وقوة ، ما احوجنا ان نقرأ ماكتبه ابن خلدون عن طبائع النفوس ، اعمار الدول كأعمار الرجال ، الدول تشيخ عندما تتجه الى العمران والترف ، انهم ينامون طويلا ، ويعتمدون على غيرهم ان يحميهم ويدافع عنهم، يقول ابن خلدون ، اذا انفردت احدى العصبيات المتماسكة بالمجد والسلطة والمال فلا بد الا ان تتفتت تلك العصبية وتضعف وتنهار قوتها ، مسرحية الواقع العربى اليوم يشعرنا اننا فى الفصل الاول ، وقد تسدل الستارة قريبا ليبتدئ الفصل الثانى ، المربع الثانى هو الذى يكون اشد وطأة وثقلا ،وقد يكون طويلا ، الامم عندما يتحكم الطامعون فيها فى امرها فمن الطبيعى ان تتلاحق ازماتها وتشتد حرارة صيفها ، ما احوج الشعوب التى طال ليلها الى موقظ حكيم يهمس فى إذنها الا تثق بمن يشعل الفتيل فى ارضها فقد يدفعها الى ما تندم عليه ..

( الزيارات : 2٬945 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *