ما أقسى مايعانيه جيل اليوم

ذاكرة الايام..بين الامس واليوم
مازلت اذكر ايام الشباب عندما كنّا طلابا فى الجامعة فى الخمسينات ، كانت جامعة دمشق شامخة بالآمال الكبيرة ، كنّا نشعر اننا اقوياء واقوى من كل الآخرين ، كنّا نشعر ان سوريا هي الأكبر فى مسؤوليتها القومية وفى التزامها ألوطنى وفى رقي فهمها لرسالة الاسلام وثقافة الاسلام ، كنّا نتحدى العالم كله ولاتخشى احدا ، كنّا نطالب بالحرية لكل الوطن العربى ، كانت ثورة الجزائر ضد الاستعمار وثورة عدن تشغلنا وتثير حماسنا فى تلك الايام وثورة شعبنا على النخلف والتبعي ، كنّا نشعر اننا اقوياء واقوى من كل اعدائنا ، كُنَّا معتقد اننا سننتصر لامحالة ، لان الارض ارضنا والشعب شعبنا ، كان اسلامنا راقيا فى مفاهيمه اخلاقي السلوك ، كان العلماء هم رموز الاستقامة والاخلاق والادب الاجتماعى وكان السياسيون اقل نفاقا وتبعية ، لم نعرف العنف ابدا فى مجتمعنا ، كانت كلمة الجها كما كانت خلال تاريخنا ان تقاوم من يعتدى على ارضك وكرامتك من الغزاة وليس ان تقاتل اخاك وجارك وصديقك ، لم نكن مختلفين ابدا كما نحن اليوم ، خلافاتنا لاتتجاوز التعبير عن الرأي ، لا تلغى المودة ولا تقطع التواصل ، كنّا اقرب لبعضنا ولو اختلفنا ، كانت هناك خلافات بيننا كطلاب ، وكنا نلتقى فى المناسبات الاجتماعية ، كان هناك الحياء والادب واحترام الكبير ، كنّا ارقى مما نحن فيه اليوم ، كنّا اقل مالا وترفا ولكننا كنا اكثر سعادة وكرامة ، لم تكن هناك هذه الفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء ، كان الكل يشعر بمسؤوليته ولا يتجاوز حدود المجاملات الاجتماعية ، لم نكن نعرف التطرّف ولا الغلو ابدا ، كان شيئا منبوذا ومذموما ودالا على الجهل والتخلف ، كنّا اقرب الى الدين مما نحن فيه اليوم ، كنّا لانعرف الكراهية ونضيق بها ، كان التعايش اجمل وأرسخ ، وكانت المروءة اقوى وأثبت ، كانت بلادنا شعلة من الحياة والآمال ، وكنا نشعر اننا مؤتمنون على حريتنا وكرامتنا ، كان التعليم اقل مما هو الان ولكنه كان اكبر اثرا ، لم نكن الافضل ولكننا نعتقد اننا سنكون الافضل ، كنّا اكبر من الأنظمة ، لأننا كنّا مواطنين ونطالب بحقوقنا ، لا احد اقوى من المواطن ، كانت الأنظمة تتغير باستمرار وكان المواطن ثابتا وشامخا ، ماالذى اصابنا اليوم وقد خبت آمالنا وانطفأت المشاعل فى داخلنا ، ما اشد قسوة الظلام عندما تنطفئ المشاعل ، كنّا نبتسم واليوم نشعر بالحزن والالم ، كنّا نستيقظ على أمل جديد واليوم نستيقظ على محنة جديدة فان لم تكن فإننا نتوقعها ان تكون ، كنّا نحب بَعضنَا اكثر ، كنّا نحترم الثوابت الوطنية ولو اختلفنا ، هل تغيرنا اليوم عما كنّا عليه ، هل اصابتنا الشيخوخة ومازال أبناؤنا يحلمون بالأفضل ، انهيارات متتابعة فى كل مكان ، الحصون كلها لم تعد محصنة ، اصبح بَعضُنَا يكيد للبعض الاخر ، عندما نفتح صفحة التواصل الاجتماعى ندرك حجم المأساة التى يعيشها المواطن العربى والضياع والمعاناة ، اصبح الكل يائسا مما يراه ، عصر جديد سيكون ولن يكون الافضل ، وجيل من الشباب يقف حائرا وهو يرى كل هذه الانهيارات ، الكلمة لم تعد مجدية ، والصمت اصبح هو المعبر عن حالة الضياع والحيرة ، ما اقسى ما يعانى منه اليوم جيلنا الذى ما زال يحلم بالأفضل ..

( الزيارات : 2٬919 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *