ما مفهوم العدالة العادلة..

كلمات مضيئة…ما مفهوم العدالة العادلة ..

اهتم علماء الفلسفة والاخلاق وكل المفكرين على امتداد التاريخ الانسانى  بموضوع العدالة , وماهو مفهومها وما المراد بها , تأملت كثيرا فى هذه الكلمة ودلالاتها , ولا يمكن لاي احد ان يحدد المعنى المراد , اهم ما فى العدالة انها احدى اسس الاخلاق الاربعة وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدل , والعدل هو المساواة , اي عدم الزيادة او النقصان , والعدالة  وسط بين زيادة ونقصان , فمن تجاوز الوسط بزيادة لنفسه ونقص لغيره فقد جار والجور هو الظلم , من اليسير علينا ان نرفع شعار العدالة ولكن ما المعيار الذى يحدد لنا تلك العدالة , العدالة هيئة نفسانية راسخة تصدر من صاحبها من غير تكلف ولا روية , وهي صفة ذاتية تعبر عن الخير وهي نقيض للشر , ومن تكلف العدالة فليس عادلا ولو رفع شعارها  , ومن تكلف الشجاعة فليس شجاعا ومن تكلف العفة فليس عفيفا ومن تكلف الحكمة الناتجة عن القوة العقلية فليس حكيما , لابد فى الهيئة النفسانية من الرسوخ , وهي صفة ارادية واختيارية , من كان هو الاقوى فلا يعنى انه الاشجع لانه يعتمد على قوته فى الاقدام وليس على شجاعته , كل الفلاسفة الاقدمين والمحدثين اهتموا بموضوع العدالة , ولكن النقطة الاهم هي معرفة اين تكون العدالة , نقول الاجر العادل والكسب العادل والحكم العادل , كيف يمكننا ان نعرف معنى تلك العدالة فقد يكون القانون الذى يحدد معنى العدالة ليس عادلا والقانون الذى يحدد مقدار الاجر ليس عادلا , لقد امر الله بالعدل ولكن كيف  يمكننا ان نعرف كيف يكون العدل ويتحقق , الاجر العادل كلمة جميلة ولكن كيف يمكننا التأكد من عدالة الاجر , الاتفاق بين رب العمل والاجير لا يحقق العدالة ابدا لأن رب العمل يملك كل شيء والاجير طرف ضعيف ومذعن , ولا ارادة له ولا بد من حماية حقوقه , والمفروض ان من يحمى العدالة هو القانون او السلطة المؤتمنة على حماية الحقوق , ولكن لا يمكننا التاكد من العدالة , فالاقوى يختار العدالة التى تناسبه , كل القوانين ترفع شعار العدالة وتدعيها , هل هي عدالة او مجرد توهم العدالة او عدالة الاقوياء على الضعفاء , اهم موضوع كنت اتامل فيه هو الاجور , وكنت ارى ان اجر العامل لا يقل عن حاجته , لان الحياة مضمونة واسبابها مكفولة , كل اسباب الحياة مضمونة فلا اجر يقل عن الحاجة , وازيد بان قيمة جهد الانسان يجب ان يراعي تكلفة ذلك العمل , ويراعى فى الاجر ان الانسان يحتاج الى عشرين سنة من الانفاق عليه فى طفولته وتربيته وتعليمه ويحتاج الى عشرين سنة من الانفاق عليه فى شيخوخته , ولذلك فان تكلفة عمل الانسان يجب ان يكون اكثر من حاجته بثلاثة اضعاف لتغطية مصاريفه فى الطفولة والشيخوخة لانها تكلفة اعداد الانسان , لكي يكون مقدار كسبة يعادل قيمة تكلفته , هذا هو الحد الادنى للاجر العادل , والعامل هو الركن الاهم فى الانتاج ولولاه لما كان ذلك  الانتاج , لذلك يجب ان يكون شريكا فيما ينتجه من الاعمال  وهو اهم من المال واكثر مشقة , ومن حق المزارع فى الارض ان يكون شريكا قويا فيما تنتجه الارض من المزروعات , وهو اهم من مالك الارض فالارض لا تنتج الا بجهد العامل , ليس عدلا ان يكون اجيرا مستضعفا فى عمل شاق يقوم به وياخذ القليل من الربح , مهمة الدولة انها تحمى المستضعفين بقوانين اجتماعية عادلة لاجور فيها وكافية ومنصفة توفر الكفاية والكرامة وهذه هي العدالة كما افهمها , اما العدالة او لا عدالة , من حق العامل ان ياخذ حقه من انتاجه وعمله , اما الفقير الذى لا يكفيه دخله فان الدين فرض له حقا معلوما ثابتا فى اموال الاغنياء وهذا حق الله على عبادة , شريان من التواصل بين الاغنياء والفقراء يحقق العدالة اولا والسلام ثانيا ,  , العدالة اولا وليست كل عدالة هي عدالة , كل تجاوز بزيادة او نقصان فهو من الجور , فاذاكانت الزيادة فى طرف فهناك نقصان مؤكد فى الطرف الاخر , عندما تكون الاموال دولة بين الاغنياء والاقوياء فمن المؤكد ان المال سيكون قليلا وناقصا لدى الطبقة المستضعفة , التكافل بين الانسان والانسان  عدالة ومن مظاهر العدالة  فاذا انتفت العدالة فلا يمكن للسلام الاجتماعى ان يتحقق , النقد لا يلد النقد والمال وحده لا يلد المال الا بجهد الانسان  و الكسب هو وليد جهد الانسان وهو حق لصاحبه , المجتمع متكافل للدفاع عن حياته عن طريق التوزيع العادل للثروات و لا يمكن اقرار الجور كنظام اقتصادى او اجتماعى , من العدالة ان يرتبط الاجر بمقدار الجهد المبذول , فالعمل الشاق يجب ان يكون اكثر من العمل اليسير , الجهد الانسانى واحد ومن العدالى الا تكون الفوارق بين الاجور كبيرة , وتراعي تكلفة الجهد , وتكلفة الاختصاص , الفوارق يجب ان تكون عادلة وليست متباعدة , ان الله يامر بالعدل والعدل هو حق الله على عباده , ومن العدل ان تؤدى حق الله عليك فيما اكرمك به وتشكره وتقر له بالعبودية  , حقوق الله اولا وحقوق الاخرين عليك فلا تظلمهم ولا تجور عليهم فيما هو حق لهم , الطغيان جور ولو فى نطاق الاسرة الواحدة , الربح العادل هو الذى يتناسب مع قيمة الجهد المبذول فيه , واعراف اهل الاختصاص هم الذين يحددون معنى الربح العادل والمنصف الذى لا زيادة فيه لقوى ولا نقصان فيه لضعيف , مازلنا نحتاج الى معرفة ذلك الوسط الذى تتحقق العدالة فيه , مهمة الدولة ان تكون عادلة تمنع الجور , الفردية الانانية خطر على السلام الاجتماعي لانها تحابى الاقوى وتمنحه قوة المغالبة وتترك الضعيف بغير قوة ولا خيار له الا ان يرضخ لسلطة الاقوياء , عندما يقل الترف فى المجتمع تذهب اموال المترفين لمن يحتاجها من المستضعفين , الترف المتجاوز فيه جريمة تهدد السلم الاجتماعي , ويجب ان يتصدى المجتمع للمترفين الذين يستفزون مشاعر المستضعفين بسلوكيات لايقرها الدين ولاالاخلاق  , ولا تسهم فى اقرار صيغة عادلة للتعايش بين الطبقات الاجتماعية , ماتجاوز الاعتدال فى الانفاق فيجب ان يقع انكاره على  من يفعله باسم القانون المؤتمن على حماية الامن الاجتماعى ,

كنت اتامل كل ذلك فى حوارى الداخلى مع نفسي وانا افكر فى مفهوم العدالة كشعار اخلاقى امر الله به وهو شعار قانونى يحظى بالاهتمام والاحترام  , العدالة او الجور , خيار وحيد , ليس المهم ان نرفع شعار العدالة ولكن المهم ان نحدد المدلول الاخلاقى لمعنى العدالة كما ارادها الله وهي مقترنة بكلمة الاحسان للاشارة الى ان  العدالة لا تنفصل عن معانى الرحمة , فاذا كان هناك تجاوز فيجب ان يكون لصالح المستضعفين , وهنا ننتقل من تجاوز يمثل النقصان الى تجاوز اكمل واجمل وهو تجاوز للافضل الذى يعطى معنى التفضل لصالح الانسان المستضعف ,  وهو منهج اكثر رقيا وانسانية ..

( الزيارات : 1٬018 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *