مجالس لا تنسى..

 ذاكرة الايام..مجالس لا تنسى ..

بلغنى اليوم نبأ وفاة الاخ الاستاذ عبد البر عباس رحمه الله واقدم اصدق عبارات العزاء والمواساة لا سرته الصغيرة ولاهله,  ولكل اسرته العلمية الكبيرة فى الكلتاوية التى عرفته منذ شبابه الاول عندما جاء الى حلب منذ منتصف الخمسينيات وكان انذاك طالبا فى كلية الشريعة في سنتها الاولى , وكنت يومها صغير السن , كان قادما من مدينة حمص , وعرف السيد النبهان طيب الله ثراه  ولازم مجالسه فى الكلتاوية , وكان من المحبين الصادقين وهو ابن اسرة علمية فى حمص , كنت اراه باستمرار رفقة مجموعة من اصدقائه ممن كانوا طلابا فى الجامعة او يهتمون بالثقافة  , وكانوا قرابة عشرة افراد ما زلت اذكر اسماء بعضهم وهم الاستاذ عبد الرحمن عتر والاستاذ نذير حامد والاستاذ نزار لبنية والاستاذ محمد لطفى والاستاذ حسان فرفوطى  والسيد ناظم فرا ,وانضم الى هذه المجموعة فيما عدد من طلاب العلم من امثال  الدكتور محمود فجال والشيخ منير حداد والشيخ علاء الدين علايا ثم احذت قوافل طلاب الكلتاوية النبهانية تكبر وتتزايد , واصبح الجيل الاول هو المؤتمن على التكوين والتعليم وتكوين الجيل الثانى والثالث , وبعد اكثر من ثلاثين سنة كنت ازور المدرسة والتقي بذلك الجيل من علماء الكلتاوية فى مجلسي الجمعة والاحد ممن تخرجوا او ممن كانوا فى الطريق,   كنت افرح بما كنت اراه , وتذكرت ذلك اليوم الذى جلست فيه الى جانب السيد لاختيار اول طلاب المدرسة فى اليوم الاول لافتتاحها , كانت ابتسامته كبيرة وفرحته ظاهرة , وكان يحدثنى عما يتمناه ان يكون عندما تكبر الاشجار وتثمر  ليس المهم متى , تذكرت تلك المجموعة الاولى التى كان يحضر فيها المرحوم عبد البر عباس واخوانه , كانوا اقل من عشرة افراد كانوا طلابا ياتون من دمشق وهم يحنون الى تلك المجالس الروحية  ,   واحيانا كان يحضر معهم الى حلب زميلهم الهندى من اسرة الندوي المشهورة , وكان السيد يهتم بهم ويخصص لهم جلسات خاصة  كانت تعرف بالمذاكرات , وينصت لهم وكانوا يجتمعون فى منزل السيد ناظم الفرا فى باب النصر , وكانت بعض الجلسات تمتد الى الصباح , تعلق الاستاذ عبد البربصحبة السيد فى حياته واصبح فيما بعد من ابرز اساتذة مدرسة النهضة فى  الكلتاوية ,حضرت بعض هذه المجالس الروحية التى كانت ذات منهجية تربوية وروحية , وكان من عادة السيد النبهان انه يخصص جلسة اسبوعية لكل مجموعة متجانسة ومنسجمة , فكانت هناك جلسة لطلاب العلم وجلسة للتجار وثالثة للمنهندسين والاطباء , وهناك درس النساء , بالاضافى الى مجلس الجمعة ومجلس الاحد الذى استمر طويلا وما زال حتى الان , ما زلت حتى  اليوم اتامل فى تلك المجالس التى كنت احضر معظمها قبل ان تبتدئ رحلتى الى دمشق والقاهرة وطالت تلك الرحلة , اتامل اليوم فيما كنت اسمعه وما زالت بعض الكلمات اسمعها تتردد , كلمات ايمانية ذات دلالات تربوية ليس فيها اي حديث عن  السياسة او التجارة او الاهتمامات الدنيوية , لم اسمع فى مجالس السيد ما يتجاوز الدعوة الى الله والتعلق به ومحبته من خلال تفسير بعض المعاتى الايمانية الواردة فى القران والاستشهار بمواقف من السيرة النبوية وسير الصالحين من غير تجاوز ولا ميالغات ولا شطحات , وكان يحذر من غفلة القلوب عن الله , وكان لا يميل الى مجالس السماع ومظاهر الوجد المتكلفويشترط لها ادبها  , كان يهتم بالسلوك ومحبة الكمال , الامور السياسية كانت خارج اهتمامه , كان ملتزما ولم يكن متطرفا , كانت له اراء ومواقف وقناعات تعبر عن التزامه بمحبة الكمال وكان يرى  الكمال فى الاسلام  , لم يكن يتحدث عن الحلال والحرام , وكان يدعو الى الكمال لانه الله تعالى يحب الكمال ويدعو اليه , مازلت اذكر بعض ما كنت اسمعه , كان هناك شعور بالمحبة والتكافل فى عمل الخير وخدمة المستضعفين , وهو الثمرة المرجوة ..

تذكرت كل ذلك وانا ارجع الى الماضى , اكثر من ستين سنة مضت  , كان المرحوم ممن تميزوا بالعلم وبخاصة فى علم الحديث وكتب الصحاح  , وكان صالحا وتقيا وترك اثرا طيبا لدى زملائه وطلابه , ادعو الله تعالى ان يتغمده برحمته وان يسكنه فسيح جنته وان يجزيه خيرا عما احسن فيه,  وانا لله وانا اليه راجعون …

( الزيارات : 912 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *