محاضرة عن البنوك الاسلامية والثوابت الشرعية

محاضرة عن البنوك الاسلامية والثوابت الشرعية
القى الدكتور محمد فاروق النبهان محاضرة علمية فى مقر الاكاديمية الملكية المغربية بتاريخ 2 اكتوبر 2014 بعنوان البنوك الاسلامية والثوابت الشرعية تحدث فيها عن فكرة البنوك الاسلامية منذ نشاتها الاولى ومفهوم الربا كما جاء فى القران الكريم واقوال الفقهاء فىه , واسباب اختلاف الفقهاء فى مفهوم الربا القرانى وما قاله علماء التفسير فى معنى الربا , وتحدث عن البنوك الاسلامية اليوم ومدى التزامها بالثوابت الشرعية , وقد علق على المحاضرة كل من الدكتور عباس الجرارى والدكتور محمد الكتانى والدكتور محمد بنشريفة والاستاذ محمد شفيق وتراس اللقاء الدكتور عبد اللطيف بنعبد الجليل الامين المساعد للاكاديمية والرئيس السابق لجامعة محمد الخامس فى الرباط..
وقد قامت الاكاديمية مشكورة بنسخ المحاضرة من الشريط المسجل نظرا لانها كانت مرتجلة , وقد قام الدكتور النبهان فى نهاية الجلسة بالرد على الاسئلة والتعليقات المهمة التى اضافها الاساتذة الذين قاموا بالتعليق عليها..
واليكم نص المحاضرة كما جاءت فى وثائق الاكاديمية..البنوك الإسلامية والثوابت الشرعية…

الدكتور محمد فاروق النبهان..,,

بسم الله الرحمن الرحيم

يسعدني أن أتحدث إليكم في هذه الجلسة المباركة حول موضوع مهم يثير الكثير من الاهتمام في العصر الحديث ,وهو موضوع “البنوك الإسلامية والثوابت الشرعية”, واعتذر لاننى ساتكلم مرتجلا معتمدا على ذاكرتى لكي اتمكن من الشرح والتوضيح..
لا أود أن أدخل في النصوص الشرعية لانها كثيرة ومتعددة. ولكن سأحاول أن أتكلم عن البعد الفكري لهذا الموضوع، وأشرح وجهة نظري فيما يتعلق بظاهرة البنوك الإسلامية. هذا الموضوع، كنت أحبه منذ وقت طويل، وأثار اهتمامي لمدة عشرين عاما , وكنت اهتم بموضوع الاقتصاد الإسلامي. منذ كنت طالبا في الجامعة، , في السنة الأولى،كتبت أول موضوع عن الربا و مفهوم الربا في عام 1958م.
في عام 1963م سجلت رسالة ماجستير بعنوان “القروض الانتاجية وموقف الاسلام منها
هذا البحث طبعته فيما بعد. بعنوان القروض الاستثمارية..

تحدثت عن القروض الاستثمارية وموقف الإسلام منها. ثم سجلت أطروحة للدكتوراه بعنوان “الاتجاه الجماعي في تشريع الاقتصاد الإسلامي” وهو موضوع مطبوع، تحدثت فيه عن البعد الجماعي للأموال و الحقوق والملكية الفردية والبعد الجماعي يعنى ضرورة التقيّد بحق المجتمع على تلك الملكية في الأموال، وفي الحقوق وفي كل شيء ما يتعلق بالاموال من وجوب رعاية المصالح الاجتماعية…
عندما كنت في الرياض عام 1966، ألقيت ثلاث محاضرات، الأولى في الاقتصاد الإسلامي، والمحاضرة الثانية عن البنوك الإسلامية، والمحاضرة الثالثة كانت عن الملكية الفردية.
• موضوع الاقتصاد الإسلامي لم يكن مطروحا في تلك الفترة، وأثار اهتماما كبيرا., اما موضوع البنوك الإسلامية فكان يعتبر شيئاً من الخيال. وخارج الاهتمام ..
عندما ذهبت للكويت، ألقيت أول محاضرة لي عن الاقتصاد الإسلامي في جامعة الكويت. وأول درس ألقيته أمام جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله عام 1973م كان عن الفكر الاقتصادي في الإسلام. وفي السنة بعدها ألقيت درسا آخر عن : الفكر السياسي في الإسلام،وفي السنة الثالثة ألقيت درسا بعنوان “مفهوم الربا في ظل التصورات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة”. ثم طبعته في كتاب مفهوم الربا في ظل التصورات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، وهذا الدرس ألقيته أمام جلالة الملك عام 1975 عندما كنت في الكويت.
موضوع الاقتصاد الإسلامي موضوع مهم، البنوك الإسلامية من أهم القضايا التي تثير الاهتمام اليوم.
في السنة الأولى عندما جئت إلى المغرب، طلب مني الحاج محمد باحنيني وزير الثقافة أنذاك أن ألقي محاضرة في وزارة الثقافة قلت له :أريد أن أتكلم في موضوع الاقتصاد الإسلامي. فقال : أفضل أن تتحدث عن نظام الحسبة، أو ولاية الحسبة كما هي في التاريخ الإسلامي.
قلت له : لا أريد أن أقدم نفسي الى المثقفين فى المغرب فى اول محاضرة لى امامهم بموضوع لا يحظى باهتمامهم من الموضوعات التراثية . ولم تتم المحاضرة بعد ذلك. ، فكرة البنوك الإسلامية فكرة قديمة. وهي مرتبطة بمفهوم الربا فى الفقه الاسلامى .
كنت دائما أتساءل عن معنى الربا المحرم ، ليس الخلاف بين الفقهاء في موضوع تحريم الربا. , لم يقل عالم أبدا لا سابقا ولا لاحقا بان الربا حلال. الخلاف لم يكن في تحريم الربا، الخلاف في مفهوم الربا. تحريم الربا جاء بنص صريح فى القرآن. ولا خلاف فيه … الاختلاف في موضوع:
ما هو الربا المُحَرَّم؟
هذه هي النقطة الأساسية. أذكر اننى كنت في ندوة كان فيها عالم كبير استمر لمدة ساعة وهو يؤكد تحريم الربا وياتى بالدليل على تحريم الربا ، قلت له: ليس الخلاف في موضوع تحريم الربا بل الخلاف ..ما يدخل ضمن الربا وما لا يدخل! هذا هو موطن الخلاف بين العلماء.
عمر بن الخطاب قال : تمنيت لو أن النبي ﷺشرح لنا قضايا ثلاث : الأولى الكلالة والثانية الربا والثالثة توريث الجد لأنه وقع خلاف في هذه القضايا.

قال الإمام القرطبي في تفسيره الجامع : ﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾. اللام فى البيع للجنس واللام فى الربا للعهد ..ما الفرق بين الجنس والعهد، الجنس معروف، أقول أنا سأذهب إلى الطبيب. غدا الألف واللام هنا للجنس “ساذهب لاي طبيب” . لا أحدد أي طبيب. ساذهب اليه ..هذه اللام للجنس.
ولكن عندما أقول سأذهب يوم الخميس إلى الأكاديمية، والمراد هذه الأكاديمية المعهودة التى اعتدت ان اذهب اليها وليست أكاديمية العلوم اواية اكاديمية اخرى . فالألف واللام هنا للعهد وليس للجنس.
الألف واللام في البيع للجنس، فقد أحلَّ الله جميع أنواع البيوع وحرم الربا. الألف واللام للعهد في الربا. وهو الربا المعهود الذي كان العرب يتعاملون به في مكة.
بنو المُغيرة وثقيف والعباس بن عبد المطلب وكل هذه القبائل الثرية العربية كانت تتعامل بالربا.
فعندما جاء الإسلام حرم الربا – الربا الذي كان الناس يتعاملون به – ولهذا قال النبي ﷺ: “وأول ربا أضاعه ربا عمي العباس بن عبد المطلب”. لم يسأل أحد من المعنى المراد من الربا. وهو هذا الربا المعهود لديهم. ..كل المستشرقين والمؤرخين الذين درسوا تاريخ مكة، قالوا إن مكة كانت من أهم المراكز الاقتصادية في الجزيرة العربية، كانت قوافل الرحلات إلى الشمال والجنوب، رحلة الصيف والشتاء. يقول الله تعالى :﴿لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف﴾ (سورة قريش الأية 1-2)،العرب يذهبون إلى الشام وإلى الجنوب ويأتون بهذه البضائع. كان كل إنسان في مكة يحاول أن يجد عملا تجاريا فى هذه الرحلات المعتادة يأخذ بضاعة إلى الشام أو إلى اليمن ويُتاجر فيها. , وأي إنسان فقير ليس عنده المال يستدين من هؤلاء وهم رموز المال، فيأخذ منهم جزءاً من المال ويخرج بهذه التجارة إلى الشام واليمن.
كانت مكة مركزا تجاريا ضخما على مستوى الجزيرة العربية. فاشتهرت قريش بتجارتها الى الشمال والجنوب ، ولما جاء الإسلام وجد الظلم فى طغيان المال، وطغيان القبيلة. كان لابد من تحرير هذا الإنسان المستضعف من ذلك الطغيان وأولائك الطغاة الذين يملكون المال ويملكون السلطة. ولهذا كان تحريم الربا الذي كان مالك المال يقرضه على ذلك الفقير المستضعف ، ويقول له: اذهب في هذه التجارة، فيأتي هذا المقترض للمال بعد رحلته وقد تضيع هذه الثروة خلال الرحلة. وعندما يعود يقول له المقرض : إما أن تُربي وإما أن تُؤّدّي. “أدّ ما عليك أو أرب” اي زد وضاعف فيصبح الفرض أضعافا مضاعفة بيد أن هذا الإنسان لا يملك شيئا. وفي النهاية يُؤْخَذ رقيقا لأنه لا يملك ما يؤديه مما اقترضه من الاموال …
لو رجعنا إلى ما كتبه شكسبير في مرحيته المشهورة “تاجر البندقية” والبندقية كانت مركزا تجاريا ربويا معروفا في إيطاليا… شكسبير كتب في مسرحيته هذه وقد شاهدت تشخيصها في القاهرة – شخصية ذلك اليهودي الذي يقرض رجلا نبيلا مبلغا من المال ليتاجر به في البحر، فغرقت السفينة وذهب المال. وبمقتضى ذلك الاتفاق، إذا لم ي المقترض المال فى موعده ، سيأخذ رطلا من لحمه!.. وعندما غرقت السفينة وذهب المال أبى اليهودي إلا أن يأخذ رطلا من لحم ذلك التاجر حسب الاتفاق. وكانت الأعراف تقضي بأن يُحْترم العقد. فحاول العديد من الناس إقناع هذا اليهودي ذي الشخصية السيئة المادية بقبول المال ، ولكنه قال لا أقبل إلا أن آخذ رطلا من لحمه , وهذا هو الثمن. إلى أن جاء قاض من القضاة، وكان هذا القاضي امرأة في زي قاض رجل. فقال : نعم يجب أن نقضي بهذا ..ولكن يجب أن تنفذ العقد كما هو في العقد. إن زدت أو نقصت عن الرطل، أو أخرجت دما وأنت تقطع اللحم فسوف تحاسب عن فعلك كأنك قتلت رجلا.
هذه القضية تعبر عن حالة معينة في البندقية المعروفة بالربا والمال ، الربا. والربا محرم عند جميع الأمم السابقة،.. الأشوريون والبابليون كانوا يحرمون الربا .. الأديان السماوية كذلك تحرم الربا ..اليهودية تحرم الربا على اليهود فيما بينهم ولا تحرمها على باقي الأديان. المسيحية تحرم الربا، ولكن كانت الكنيسة تتعامل بها، رجال الكنيسة كانوا يقرضون الناس، كان الأباطرة يستغلون حياة الآخرين وجهد الآخرين ويتقاضون هذا المال. الحرام الذي يقتطع من جهد المستضعفين .ز
كان لابد أن يحرّمه الإسلام. فلم يكن ممكنا تحرير الإنسان إلا بعد أن يتحرر من قبضة المال المذلة للإنسان… في مكة كان الناس يتعاملون بالربا. فجاء النص القرآني محرما الربا بالتدريج أولا , . وبعد ذلك قال لاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفة، ثم جاء أخيرا : وحرم الله الربا.
الربا في اللغة هي الربوة. أي الزيادة، نقول صعدت إلى ربوة أي إلى مكان مرتفع. وربا يربو أي زاد يزيد…الربح يتضمن زيادة…. ما الفرق بين الربح والربا؟
الربح فيه زيادة، والربا فيه زيادة، ولكن الفرق بينهما كبير، في الربح أنت تعلم وتقول للبائع :الله يبارك لك في هذا الربح. ولكن في الربا تدعو عليه لأنه يستغلك. ولذلك جاء نص القرآن واضحا :﴿لا تظلمون ولا تُظلمون﴾ (سورة البقرة، الآية 279).
انطلقت من هنا وأنا أبحث في الربا الجاهلي. الذى حرمه القران والسنة ..الربا القرآني هو الربا الجاهلي. إذن علينا أن نبحث ما هو الربا الجاهلي، هو القرض الاستثماري، لم يكن قرضا استهلاكيا. فقد كان العرب يربحون بغير حدود، ويطعمون بغير حدود ويتفاخرون بالاطعام ، لم يكن أحد يقول أنا جائع أقرضني ، كان الشخص يحتاج إلى أن يتاجر فكان القرض يستخدم فى التجارة غالبا .. قرض استثماري وهو أقرب ما يكون اليوم الى القروض الموجودة.
ليس عدلا بأن تقترض مليون درهم، وتتاجر فيها لمدة خمس سنوات، وبعدها يقول لللمقرض : شكرا مع السلامة. أنت شريك له، ولهذا وضع الإسلام قاعدة للاستثمار.على اساس المشاركة العادلة بين الطرفين من غير استغلال احدهما للاخر ..
الاستثمار يجب أن يكون عادلا. لا ظلم فيه. أنت شريك، ولذلك جاء نظام المضاربة. ما معنى نظام المضاربة؟ أن تكون شريكاً تعطي مالك لإنسان ويشتغل فيه. إن ربح فالربح لكما وإن خسر فالخسارة عليكما.
هذا وضع طبيعي، ولكن أن تقول أنت : أريد منك الربح ..ربحت أم خسرت. هذا ليس عدلا. لهذا حرمه الإسلام. لوجود صفة الاستغلال والظلم فيه , لهذا فالربا القرآني الوارد في القرآن هو الربا الجاهلي الذى كان العرب يتعاملون به فى تجارتهم … ، فما هو هذا الربا. الجاهلي .. العلماء تحدثوا كثيرا عن موضوع الربا. وأطالوا ودخلوا في مجالات كبيرة وكثيرة. المذاهب الفقهية كل منها اتجه تجاها مغايرا للآخر.
المذهب الحنفي قال : الربا لا يكون إلا في البيوع ولا يكون في القروض. ما هو الدليل على ذلك؟ قال كلمة الربا في القرآن هي من المُجْمل. والمجمل عند علماء الأصول هو الذي يحتاج إلى بيان.
قال علماء الحنفية السرخسي والكاساني “الربا كلمة مجملة تحتاج إلى بيان” أين يكون البيان؟ قال : جاء في حديث عبادة بن االصامت : الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح والتمر بالتمر. قال هذا هو البيان… إذن الربا يكون في البيوع وهي المعاوضات ليس في القروض.
ولهذا في الحديث “بيعوا كيف ما شئتم هاء بهاء ويدا بيد”. وهذا يعني الفورية والتسليم والمماثلة مثلا بمثل ويدا بيد
قال ابن رشد في تعريف الربا في كتابه “بداية المجتهد” : “الربا قسمان، محرم لذاته ومُحرّم لغيره” وقال كذلك “الربا جَليٌّ وخفيٌّ”. بمعنى جلي ربا النساء والخفي ربا الفضل. ربا الفضل حُرِّم لكي لا يكون مطية لربا النساء . وحرم لكي لا يخفي عقدا سريا عن طريق الفضل. تخفي من ورائه تجاوزا او استغلالا ، ولهذا كان لابد من فَوِرية التسليم. والمماثلة ..ٍ
اراء العلماء كثيرة ومختلفة .فالشافعي قال بان القرض يقاس على البيع فى التحريم , والزيادة غير المشروطة فى القرض ليست محرمة الا اذا كانت الزيادة مشروطة فى العقد وكل قرض جر نفعا مشروطا فى العقد فهو من الربا ،فعندما تكون الزيادة مشروطة يكون هناك التحريم ، و يستحسن للمقترض ان يضيف شيئا غير مشروط تعبيرا عن شكره مثل هدية رمزية غير منتظرة وغير مشروطة وهذا ليس فيه ما هو محرم , ومن حسن الخلق ان تعبر لمن اقرضك شيئا تقديرا له. وهذا مطلوب أن يكون.فى العلاقات الانسانية ٍ
إذن العلماء اتجهوا اتجاهات مختلفة… الفريق الأول قال القرض ليس أصلا من أصول العقود الربوية.وهذا ما قال به السنهورى معتمدا على اراء الحنفية وفريق آخر قال المُحَرّم هو الربا اذا كان أضعافا مضاعفة…
حتى اليوم، كل القوانين تحرم الربا، الذى يتجاوز النسبة التى يحددها البنك المركزى بمعنى أن البنك المركزي يحدد سعر الفائدة التى لا يجوز تجاوزها في نظر القانون ويعاقب القانون من يتجاوز هذه النسبة.
وهناك فريق ثالث من العلماء ومنهم الدكتور معروف الدّواليبي فرقوا ببين القرض الإنتاجي والقرض الاستهلاكي , .وقالوا إن القرض الإنتاجي يعتبر كالشراكة بين الطرفين. ..
هناك فريق رابع، وهؤلاء أباحوا القليل من الفائدة للحاجة إليها لوجود الضرورة كما هو الحال في سندات التوفير التي تطلقها الدولة.و قالوا هذا ليس فيه شيء ولا يعتبر من الربا لانتفاء صفة الربا فى هذا التوفير ..
كيف نتعامل. البنوك الإسلامية الان مع صفة الظلم والاستغلال ..مهمة هذه البنوك أن تزيل صفة الظلم عن المعاملات الاستثمارية والقروض , وهذه أول صفة من صفات البنوك الإسلامية الا تكون مستغلة ولا ظالمة ولا محتكرة ، كما أشرت الى ذلك في مؤتمر تطوان، ان تسهم البنوك الاسلامية في تخفيف الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وألا تكون الأموال دولة بين الأغنياء دون الفقراء، أي نظام بنكي اليوم يكرس هذا التفريق بين الأغنياء والفقراء لا يعتبر إسلاميا، ولو أعطيته صفة الإسلام، ولو سميته باسم الإسلام…ليس اسلاميا اي نظام اقتصادي يعمق الفجوة بين الاغنياء والفقراء ..لكيلا تكون الاموال دولة بين الاغنياء ..
الصفة الثانية التى يجب ان تتوافر فى البنوك الاسلامية ان تخضع لرقابة شرعية ورسمية على الرقابة الخاصة فى البنك ولا مصداقية للرقابة التى يقوم بها البنك نفسه من خلال هيئات يختارها بنفسه ، من هو الذي يراقب هذه البنوك الإسلامية؟ هل تراقب نفسها. ..هذه مهزلة! فاليوم البنك المركزي يراقب جميع البنوك!ويضع عليهم شروطا قاسية في حجم الإنفاق وحجم الادخار وحجم الفوائض. كيف يجوز للبنوك الإسلامية أن تأتي بأربعة أو خمسة فقهاء لا علم لهم بالانظمة المصرفية ولا يملكون القدرة على معرفة كل شيء فى مجالات الاستثمار وطرقه , ومهمة هؤلاء التوقيع على ما يقدم لهم من البيانات التى قد لا تكون دقيقة ويبدون اراءهم فيما يعرض عليهم وهذا ليس كافيا على الاطلاق ولابد من الرقابة على الرقابة لكي يقع الاطمئنان الى سلامة الفتاوى ودقتها وسدادها ويوقعون لها على الفتاوى بأن الأمور سليمة وان البنك يلتزم بالمعايير الشرعية
هناك محاضرة ألقاها الأستاذ أحمد علي المدير العام للبنك الإسلامي للتنمية في جدة. وهو يعتبر من أكبر البنوك الإسلامية. ألقى محاضرة في الرباط عن اعمال البنك الاسلامى ، وقلت له فى تعليقى على المحاضرة إن البنك الإسلامي له خصوصية إنسانية، وإذا لم تعط للبنك هذه الخصوصية ولم تبرز الاخلاقية فى اعماله الإنسانية فلا يمكن اعتباره إسلاميا وإنما هو كبقية البنوك التى تحرص على الربح دون اي اعتبار للمعايير الشرعية …وكل بنك لا يحترم المعايير الشرعية ويتصدى لسلطة المال واستغلال الاقوياء للضعفاء فلا يمكن ان يكون اسلاميا ولو كان اسلاميا فى تسميته ,
قبل كل شيء ينبغي أن نخصص جزءا من هذه الأموال المودعة فى البنوك الاسلامية لمساعدة الطبقة الفقيرة. عن طريق الاقراض الحسن لتمكين الضعفاء من تلبية اختياجاتهم الضرورية واهمها السكن ..واقترح ان يخصص كل بنك اسلامى عشرين بالمائة من الأموال المودعة بها للقرض الحسن بغير فائدة للطبقة الفقيرة. ويسترد القرض بغير فائدة عليه…
البنوك اليوم تستغل حاجة الفقير لاقراضه بفوائد تراكمية قد تصل الى ضعف المبلغ الاصلى وهذا ظلم، وهذا يُكرِّس الفروق الطبقية ، الأغنياء يكبرون والفقراء يصغرون. ..وهذا ما يوَلِّد المشاكل الاجتماعية اليوم والثورات. وفي الحقيقة هذه الثورات الاجتماعية هي غضب ويأس وقنوط وتهدم كل شيء، ولكن هذا واقعنا. الخاطئ الذى يكرس الطبقية الظالمة التى لا يقرها الاسلام ..
إذا لم يكن هناك إعادة نظر وحملة تصحيحية لهذا الواقع الطبقي الظالم ، وتكون هذه البنوك إسلامية حقيقية تؤدي دورها الاجتماعي، ولا تكرس ذلك التباعد بين الطبقات الاجتماعية. ولا تكرس تلك الثروة التي تكبر وتنمو وتتراكم بين الطبقة الغنية، هذا واقع خاطئ ولا يجوز السكوت عليه ..لا يجوز السكوت على ظلم الاغنياء والسفهاء لا اجتماعيا ولا إنسانيا…
نحن الآن أتينا بالبنوك الإسلامية، لكي تقوم باصلاح الخلل ومقاومة التفاوت الطبقي ولكن هذه البنوك هي نفس البنوك السابقة لم نغير فيها شيئا، وربما الاستغلال فيها أكثر. .. ونظام المرابحة الذى تعمل فيه هذه البنوك ليس شرعيا ويتضمن الكثير من الاستغلال والظلم للمقترض ولا شرعية لهذا الربح وهو فائدة مكشوفة ..
يجب ان ندين اي نظام احتكاري يكبر فيه الكبير ويصغر فيه الفقير والمسكين …هذه هي مهمة الدين ،لا لنظام مصرفي او اقتصادى بكبر الكبير فيه ويأكل الصغير، لابد من وجود رقابة على الرقابة. لمنع التجاوز فى الفتاوى لكيلا يكون الدين مطية للظلم والاستغلال ..
عندما بدأت فكرة هذه البنوك عام سبعين من القرن الماضى كنت في الكويت، وكنت أشارك في الكثير من هذه المؤسسات في بداياتها. وكنا نضع تصورا مثاليا لهاته البنوك، كيف يمكن أن تؤدي دورها. وأن تكون مؤسسات التمويل إنسانية.وتحقق اهدافا اخلاقية فى حماية المستضعفين من المقترضين والمدخرين ..
التصور الذي طرحته في كتابي القروض الاستثمارية ا للبنوك.الاسلامية .. البنك مؤسسة وسيطة بين المستثمر والمدخر وليس طرفا مستغلا للمستضعفين ، لا يربح شيئا إلا ما يأخذه من اجور الخدمات والمصاريف التي تحتاجها هذه البنوك او هذه المؤسسة الوسيطة التي تكون مؤهلة بكل التقنيات. وهي تقوم بتفويض من المدخر ونيابة عنه باستثمار هذه الأموال التي أودعها عندها. لكي تقوم باستثمارها لمصلحته ..
كل ما يقع من خسارة فالمدخر يتحمله، فهذه المؤسسات تأخذ تكاليف جهدها مقابل هذه الخدمات وتراقب نيابة عن المدخر كل ما يخص هذه المعاملات…
هذا تصوُّر ربما يخفف كثيرا من حجم الأخطاء التي تقع فيها هذه البنوك الإسلامية. وهو اقرب للاستثمار المشروع الذى لا شبهة فيه ولا استغلال ولا احتكار للثروات ولا مكان للسفهاء فى نظام اسلامي عادل ..بنوك الاستغلال يجب ان تتوقف لانها ليست اسلامية لانها تكرس الطبقية وتجعل الاموال دولة بين الاغنياء فلا يكبر الغني الا بظلم الفقير واستغلال الاجير واحتكار السفيه..
في الثمانينات استدعانى وزير المالية وسلمنى ملفا مرسلا من الامير محمد الفيصل رئيس مؤسسة التمويل الاسلامي الى جلالة الملك الحسن الثانى رحمه الله ويقترح فيه انشاء فرع للبنك الاسلامى فى المغرب , لم اعرف بماذا اجيب وكنت لا اثق بهذه الاقتراحات التى تحتاج الى دراسات معمقة ووضع ضوابط لهذه البنوك الاسلامية قال لى : جلالة الملك طلب مني أن أسلمك هذا , لم أفعل شيئاً لاننى لا اعرف المطلوب منى ولكن اطلعت على هذا الموضوع فقط. ..كانت لي ملاحظات كثيرة على البنوك الإسلامية، هي اليوم تقوم بدور كبير فى مجال الاستثمار ، أخطأت في كثير من المواطن. وهناك شركات إسلامية مثل الريّان في مصر والمشهورة لانها أكلت أموال الناس باسم الإسلام. والطبقة الفقيرة تدفع الثمن، لأنها لا تجد المأوى الآمن الذي يوفِّر لها ضماناً. لا ستثمارها
اليوم البنوك الإسلامية مثل البورصات التي تقوم بدور أسوأ بكثير وباسم القانون الذي لا يحاربها ..الكبير يأكل الصغير، هناك حالة الكويت التي خسرت سوق المناخ المليارات كل ثروة الكويت ما كانت لتغطي هذه الخسارة ..في البورصات العالمية وعندما تكون خسارة، هذا يعني أنها خرجت مني ودخلت مكاناً آخر!
نحن نحتاج إلى تصور لبنك إسلامي يحقق الأهداف الإسلامية. يجب أولا أن تنتفي صفة الاحتكار من هذه البنوك.
النقطة الثانية هي أن نخصِّص 20%من الأموال المودعة في هذه البنوك، وهي أموال ضخمة جدا نخصصها لمساعدة الطبقة الفقيرة. نعطيها قروضاً بغير فائدة.
من أراد أن يشتري بيتاً نعطيه قرضاً لعشر سنوات من هذه الأموال، وهي زكاة هذه الأموال. سنأخذ منك قيمة البيت كاملا ولكن من غير فوائد لكي نساعده على العيش بكرامة. وهذا هو الإسلام الحقيقي الذي يهتم بالانسان وحاجاته .
إذن لابد من وجود منهج جديد للعلاقات الاقتصادية وإلا فنحن سنواجه أوضاعا مزرية من الانتفاضات والثورات الاجتماعية التي نشعر الآن بأثرها وسوف تدمر كل شيء.
لابد من عملية إصلاح، وأنا بعد مرور وقت طويل في البحث في هذا الموضوع، وصلت إلى مرحلة اليأس لأنني أشعر بأننا لا نملك أن نقوم بأي جهد إصلاحي. فالسفينة تجري نحو واقع خاطئ بأسرع وأقوى مما نستطيع أن نفعل ونحن مقبلون على ازمات ومحن وتوترات وثورات تعبر عن الياس والغضب من الظلم والسفه وطغيان المال واستفزاز المشاعر بالترف الجاهل …
اليوم البنوك الإسلامية تملك قوة مادية. أقوى مما نتصور، فهي تستطيع أن تسقط أنظمة بأكملها. لأنها تملك المال والسلطة، وتملك الإعلام وتملك كل شيء.
هذه القوى المتحالفة المال والسلطة أقوى من الفكر وأقوى حتى من الدّين لأنها هي التي تملك صلاحية أن تقدم المفاهيم التي نراها مناسبة لها. لحماية ذاتها ومصالحها
أذكر أن أول تجربة للبنك الإسلامي قُدِّمت في دُبي، ، بنك دُبي الإسلامي. وهو موجود اليوم من بين أكبر البنوك. كان ذلك عام 1970م، وشارك فيه الدكتور عيسى عبده – ربما تعرفونه- كان أستاذي الذي أشرف على أطروحتي، كان رجل فكر ودعوة ..لم يكن عالما، ولا رجل تجارة، ولكنه كان رجل دعوة، وكان يؤمن بهذا الفكر.
المغرب اليوم مقبل على إنشاء هذه البنوك الإسلامية، أتمنى أن تكون تجربة المغرب تجربة منضبطة. وأن تحقق الأهداف المرجوة، ..وأن تتلافى الأخطاء التي وقعت فيها البنوك الموجودة في المشرق، من الاستغلال البشع في مصالح الطبقات الفقيرة المدخرة.
.
الإنسان المستضعف يعيش أزمة حقيقية، يؤمن بالإسلام يؤمن بأن الإسلام لا يَظْلم، لكن أحيانا يقع الظلم من هؤلاء الرموز الذين يستغلون اسم الإسلام لتبرير سلوكيات خاطئة في مجال المال، وفي مجال الاحتكار إلخ.
هذا أمر لا يجوز، وقد نهى النبيﷺ عن “تلقّي الرُّكبان”. كما نهى النبيﷺ أيضا على ما يسمى بيعاً وقرضاً. أي يأتي شخص ويقول لك أبيعك هذا الكتاب ب 100 وأقرضك 100. ويخفى استغلالا بشعا وظلما ..
وهذا تحايل على الحكم الشرعي، هذه قضايا كثيرة نحتاج لأن نُقَدّم فيها فكرا إسلاميا نقيا صافيا يحقق العدالة التي يريدها الإسلام.بعيدا عن الصورة التي نراها اليوم في بلاد الإسلام عن الاسلام وهذا ليس هو الاسلام الحقيقي , وانما صورة الاسلام فى مجتمع متخلف فى فهمه للاسلام.ز.
فما نكتبه اليوم في هذه الأكاديمية، سيأتي جيل ويقرأ ويعرف أننا لم نكن نياما عن قضايا عصرنا. ..كنا ندرك أين الخطأ. ليس بإمكاننا أن نصلحه ولكن نملك القدرة على أن نقول هذا خطأ. وهذا ضلال وان نحذر من الصورة التى نقدمها عن الاسلام .. ماليس من الاسلام لا ينسب الى الاسلام فلا ظلم ولا استغلال ولا احتكار ولا مكان للسفهاء فى مجتمع الاسلام..
الإسلام حرم الربا، والربا هو كل أنواع البُيوع الظالمة المحتكرة. وقلت هذا في حضرة جلالة الملك. الحسن الثانى رحمه الله عام 1975 فى الدروس الحسنية
أرجو الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. وأن يجعل جهدنا خالصا، نريد به خدمة ديننا وخدمة مجتمعنا، والدفاع عن هذه الطبقة المسحوقة في مجتمعنا، والتي تتطلع للإسلام كملاذ آمنٍ لها لكي تشعر بالأمن والطمأنينة. الإسلام هو حليف المستضعفين لم يكن أبدا حليف الأقوياء ضد الضعفاء. لأن هذا دين الله ولا يمكن أن يقبل الظلم حيث ما كان. أشكركم أيها الإخوة الأعزة. والسلام عليكم.

( الزيارات : 1٬879 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *