مسؤول الاجيال عن عصرها..

 كلمات مضيئة..مسؤولية كل جيل عن عصره

لم يشتهر ابن خلدون بكتابه العبر الذى تحدث فيه عن تاريخ العرب والعجم  والبربر الذى عرف باسم تاريخ ابن خلدون ,  وانما اشتهر بمقدمة ذلك التاريخ التى حظيت باهتمام كبير لانها تضمنت افكرارا تأسيسية لعلم التاريخ ولظاهرة التطور التاريخي الذى يعبر عن قوانين الاجتماع الانسانى , تكلم عن الامم والدول والعلوم والصنائع بطريقة منهجية علمية راقية, ليست اهمية  اراء ابن خلدون فى حجم ماكتبه وانما فى منهج تفكيره فى التاريخ واهمية التثبت من الرواية التاريخية ليس كما رويت , وانما كما وقعت وكما يمكن ان تقع احداثها وفقا لمنهجية عاقلة ممكنة , اهم ما ابتدا به مقدمته ان الرواية التاريخية لا تخرج عن اصول العادة وقواعد العمران , وقواعد العمران يحتاج الى معرفة تبدل الاحوال فى كل عصر , ولا يمكن اغفال هذه القاعدة ليس فى فهم الرواية التاريخية,  وانما فى كل المرويات التى تعبر عن اختلاف المجتمعات ووسائل تفكيرها وما يمكن ان يكون صحيحا  من تلك المرويات , مهمة المؤرخ ليس ان يروى ما سمع وانما ان يعيد كتابة التاريخ كما وقع وكما يمكن ان يقع فى عصره , تاملت ذلك وقلت ما احوجنا الى هذه المنهج  فى منهجية الاجتهاد الفقهي وتطور علم الفقه ونشاة المدارس الفقهية , كل فقيه يعبر عما فهمه , فالنص المقدس واحد ومصدره الوحي او النبوة , وما تجاوز ذلك فهو من جهد العقول والعقول متأثرة بعصرها ومعبرة عنه , وكل جيل له فقهه وفهمه وقضاياه واهتماماته ومعاييره , ولكل جيل رؤيته الخاصة لذلك النص وهو المؤتمن عليه وهو المخاطب به , ليس عدلا ان تتساوى الاجيال وهي مختلفة فيما تكونت فيه , الزمان والمكان عاملان اساسيان فى الفهم , لا يمكن لجيل ان يفكر بمنهجية جيل اخر ولو تشابهت الازمنة او تقاربت , ولا يمكن لجيل ان يلغى ذاته , وان تكون صفحته بيضاء لا اضافة له فيها , اذاكان الاختلاف حتميا بين مدرستين فقهيتين فى الحجاز والعراق فى عصر واحد  واثمر ذلك الاختلاف فى اغناء الفقه فكيف يمكن تجاهل ذلك بعد اجيال , كل عصر له خصوصياته ومنهجه وكتبه وفقهه , كيف يمكننا ان نتحدث عن الفقه وهو الفهم ونتوقف عن الفهم ونضيق الخناق على من يملك ناصية الفهم , لا شيء من جهد العقول خارج المعايير النقدية, الفقيه الذى لا يفهم طبيعة عصره لا يمكنه ان يحسن الفهم , الفهم منهج له ادواته العقلية والعلمية وله اهل اختصاصه , بعض ما كنت اسمعه من نقاشات علمية كنت اشفق مما كنت اسمعه لانه بعيد عن المنهج العلمى ولا يجوز لغير اهل الاختصاص العلمى ان يخوضوا فيما هم جاهلون به , اذاكانت الرواية التاريخية تحتاج الى فهم قواعد العمران البشرى البدوى والحضرى ووسائل المعاش والصنائع المعاشية واثر الجغرافيا فى اخلاق المجتمعات  فكيف يمكن لفقيه ان يخوض فى امر فقهي بعيد عن تصوره , كيف يمكن لمن لم يعرف التجارة ان يفتى فى امر تجارى ,  وكيف يمكن لغير الاطباء ان يفتى فيما كان من خصوصية الابدان  استعدادا ومرضا  , وكيف يمكن لغير اهل الاختصاص ان يكتبوا فى غير اختصاصهم  , من اراد ان يجتهد فى امر فيجب ان يكون من اهل ذلك العلم , نريد فقهاء يعلمون ويفكرون ويجتهدون ولا نريد منهجة التقليد والتكرار واعادة انتاج جهد الاولين  , ما ايسر ان نحفظ الكثير من تراثنا ولكن ما نحتاجه ان نفهمه  جيدا وان نضيف اليه , ليس المهم ان نعيد كتابة ما لدينا من  علوم وثقافة  وافكار ومصنفات باسلوب مختلف , ولكننا نحتاج الى فهم ما نحتاج اليه , عندما كنت اكتب كنت اشعر اننى اكتب التاريخ كما هو وكما حفظناه  مهمة التاريخ ان يعلمنا فضيلة الاقتداء بالسابقين والاستفادة من تجاربهم , ماقيمة ما نكتبه اذا لم نقدم رؤيتنا لما يجب ان يكون ملا ئما , معظم ما كتبنا ودوناه لا قيمة له,  وهي نسخ مكررة , كل جيل يعيد كتابة ذلك الذى تعلمه ولا يحسن اضافة شيء اليه , كنت فى تاملاتى الذاتية مع نفسي اتساءل هل نحن فى الطريق الصحيح , لن نفخر الا بما انجزناه واضفناه مما هو مفيد , لا نحتاج ان نكرر مالا نحتاج اليه من جهد الاجيال , تلك جهود اجيال متعاقبة وجيلنا اليوم مطالب ان يضيف وله كامل الحرية فى اختيار فكره وقناعته , من لا يتقدم الى الامام فلا يمكنه ان يواكب مسيرة مجتمعه , اذاكان  فهم الرواية التاريخية يحتاج الى معرفة قواعد العمران البدوى والحضرى فمن المؤكد ان فهم النص يحتاج الى فهم اعمق ومعرفة كل ما يتعلق بحياة ذلك المجتمع , الانسان فى رحلته يمر فى موانئ كثيرة ومدن متعددة ولكل ميناء خصوصيه ولكل مدينة ما يلائمها , ثوابت الدين لا تتغير وثوابت الحقوق لا تتبدل , وما اراده الله من عباده ان يكونوا مؤمنين وصالحين ومن حق اي جيل ان يفعل ما امره الله به , كلما اقتربنا من الله كنا اكثر استقامة  وكل ما يقودنا الى الكمال فقد امرنا الله به , الاخلاق منهج نكون به اكثر رقيا فى سلوكنا , ما امر الله به يحترم بالطريقة التى تحقق المقاصد التى ارادها الله من عباده , الانسان مخاطب ومؤتمن وعليه ان يبحث عن الطريق الذى يحبه الله , ما ضقت يوما باصل من اصول الدين ولكننى ضقت بالجهل بتلك الاصول , الظلم هو الظلم وكل ما يؤدى الى ظلم فهو ظلم من كل انواع السلوكيات والمواقف,  والعدالة هي العدالة ومالاعدالة فيه فهو ظلم ..

 مسؤولية جيلنا كبيرة وهو مؤتمن على عصره ومكلف بحسن الفهم وسداد الاختيار , والبحث عن الحق هو منهج المكلفين بحسب طاقتهم واستعدادهم ..    

ٍ

( الزيارات : 674 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *