مفهوم الحرية وكرامة الانسان

كلمات مضيئة..مفهوم الحرية وارادة الانسان

اهم قضية اثارت  اهتمام الفلاسفة وعلماء الكلام والمفكرين قديما وحديثا هي قضية الحرية , ما مفهوم الحرية اولا ومامدى حدود تلك الحرية ثانيا , وهل يملك الانسان الارادة الكاملة لكي يمارس حريته ثالثا , تلك تساؤلات تعتبر هي المنطلقات  المهمة لفهم معنى الحرية , وقد اهتم علماء الاسلام الاوائل منذ القرون الهجرىة الاولى فى جدليات كلامية حول فكرة الجبر وان الله تعالى هو خالق افعال الانسان وهو مجبر على القيام بما هو مقدر عليه , وانه لا شيء من افعال الانسان الا بارادة الله , لاننا لو انكرنا ذلك واعطينا الحرية للانسان وانه يفعل ما يريد فهذا يؤدى الى القول بان الانسان خالق افعاله , وهذا يؤدى الى انكار المشيئة الالهية فيما يتعلق بالانسان ,  واصحاب هذا الراي يستدلون بادلة نقلية وعقلية تؤكد الجبرية , وما زلنا نسمع حتى الان ذلك التساؤل المتكرر المتجدد .زهل الانسان مخيرام مسير للدلالة عن هذا التساؤل , وهذا الراي فى رأي المخالفين يتنافى مع فكرة التكليف والمسؤولية وكيف يمكن للانسان ان يكون مسؤولا عن افعاله وكيف يثاب او يعاقب على مالا خيار له فيه ولا ارادة , وقد اشتد الخلاف بين الفلاسفة والمتكلمين حول هذه المساله , ومن الطبيعى ان يتجه المعتزلة وهم من انصار المنهج العقلانى للقول بمسؤولية المكلف عن افعاله لان افعاله تصدر منه بعد تامل واختيار وارادة , والانسان يفعل ما يريد ويمكنه ان يفعل النقيض اذا اراد ,ولا احد يجبره على افعاله , وكل من كان قادرا على فعل الشيء اونقيضه فلا يمكن اعتباره مجبرا , والعدالة الالهية تقتضى ان يملك الانسان ما يفعله لكي يكون مسؤولا ومختارا , ولا اجد فى كلتا الحالتين ما يتنافى مع فكرة ايمانية هي المشيئة الالهية الكاملة  , فلا شيء خارج امر الله وارادته , فالله تعالى هو خالق الكون ومسيره بامره , وارادة الله حاكمة ومتحكمة ولكن الانسان لا يعلم ما هو مقدر عليه , وهو يقبل على افعاله بكامل ارادته ولا يعلم ما هو مقدر عليه الا بعد قيامه بالفعل المقدر عليه , والله يعلم كل شيء ولا تخفى عليه خافية , ولكن الانسان مكلف بان يختار وان يعتمد على عقله فيما يختار , هناك عوامل يمكن للانسان ان يشعر بها وهو استعداده التكوينى للقيام بافعاله , هناك الاستعداد الفطرى والتكوينى , وهناك التربية التى ترجح له اختياره وتؤثر فى ارادته , وافعال الانسان هي ثمرة لما هو فيه , الانسان يملك كامل الحرية فيما يصدر عليه , اذا انتفت الارادة انتفت الحرية وانتفى التكليف والمسؤولية , ومن العدل الا يحاسب الانسان على مالا ارادة له فيه ولا يثاب ايضا على افعاله الصالحة , نظرية الجبر تقودنا الى نتيجة وهي نفي الاسباب , والى التواكل والكسل والقعود عن العمل , وتبرير كل الاخطاء بانها هي ما يريده الله , ارادة الله لا تعنى انتفاء الاسباب المؤدية ,واهمها التامل والتفكر والاختيار وتحمل المسؤولية , ما يريده الله لا يكون خارج الاسباب , فالرزق لا يكون الا باسبابه لان المكلف مامور به , فمن قعد عن الاسباب فقد اختار الا لا يكون , ارادة الله خافية عن العباد , احيانا ياخذ الانسان بكامل الاسباب ,ومع ذلك لا يوفق فيما اراده ان يكون , وارادة الله حاكمة ومتحكمة ولكن لا يعلل الفشل بها , ولا تعلل الدنوب بارادة الله لان المكلف يفعل ما يفعل بارادته المطلقة , المؤمن لا يجد اية صعوبة فى فهم تلك العلاقة بين المشيئة والارادة , والانسان يملك فى شؤونه ما يكفيه من الارادة  لكي يختار ما يريد , احيانا يشعر ان ارادته تدفعه لفعل يجد فيه الخطأ والزلل كما يفعل كل المذنبين وهم يفعلون ذلك تحت تاثير شهواتهم الجامحة التى تتمكن منهم , فكرة الجبر كما يراها البعض تتناقض مع فكرة التكليف , وهذه الفكرة يمكنها ان تؤدى الى  الرضوخ للظلم وعدم التصدى له ,  لقد خلق الله الانسان ,وافضل ما اكرمه به هو انسانيته ولا تكتمل تلك الحرية الا بكامل حقوقها واهم حق فيها هو حرية الانسان ان يختار وهو مسؤول عما يختار , ويملك كامل الارادة لذلك الاختيار , ومفهوم الحرية يتجدد باستمرار بتجدد المجتمعات ورقي مفهومها للحرية , مفهوم الحرية احد اهم المبادئ فى حياة المجتمعات ,وكلما ارتقى المجتمع ارتقى مفهومه للحرية , ويتسع مفهوم الحرية لكي يشمل كل ما ارتبط بالانسان كرامة وحقوقا وحياة , وكل انسان يملك ما يملكه الانسان الاخر فى اي مكان فى الحقوق الانسانية والتكافؤ الانساني ولا سلطان لقوي على ضعيف فى امره الا بتفويض ارادى ناتج عن الاختيار اتحقيق مصالح مشروعة والكسب المادى هو ثمرة للجهد ولا كسب خارج الجهد العادل وللعامل قيمة عمله لا ينتقص منه شيئا وثمرة الارض لمن يعمل فيها وثمرة العمل لمن يعمل فيه والفردية اذا تمكنت ظلمت وكانت اكثر انانية والمال لا ينمو الا بجهد العاملين فيه وهم احق بما يترتب عليه والظلم الاجتماعى يقاوم والمال المغتصب يسترد , ومن الحرية ان يتنازل الانسان بارادته عن جزء من حريته لمجتمعه لكي يتمكن من حماية تلك الحرية , ومنها تنازله عن جزء من حريته للدولة التى تحميه وتشرف على خدمته , وهذا تنازل ارادى واختياري , والحرية حق للاقوياء والضعفاء معا لانهم يملكون وصفا انسانيا واحدا لا تمييز فيه  , ومهمة القانون ان يوفر العدالة بين كل الافراد والمجتمعات والدول , مهمة الدولة ان تضمن تحقيق العدالة بين كل الافراد , لا احد تسلب منه حريته الا بحق عادل ومعترف به , مهمة التربية ان تسهم فى تكوين الانسان المواطن الاخلاقى الذى يؤمن بحرية كل الاخرين وكرامتهم فلا يظلم ولا يعتدى ولا يتجاوز , لقد خلق الله الانسان واكرمه بالتكليف وجعله مريدا مختارا لكل افعاله , والله يعلم كل شيء , ويعلم ما فى القلوب والاسرار,  وهذا من كمال علم الله , والانسان مكلف ومؤتمن ومسؤول عن كل افعاله , ماكان من امر التدبير فهو يخضع لاختيار الانسان وارادته فيما يرى فيه مصالحه الدنيوية , والانسان مختبر فيما اعطاه الله , وكلما تطور المجتمع كان فهمه للحرية ارقى انسانية وكرامة وكان شوقه لكماله الانسانى اكثر الحاحا عليه لكي يقتحم به مجاهل الجهل والعبودية ..

( الزيارات : 624 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *