مفهوم الكمال كما يجب ان يكون.

 ذاكرة الايام.. مفهوم الكمال  كما يجب ان يكون..

من القضايا التى اثارت اهتمامى  فى مسيرتى العلمية واهتماماتى الثقافية هو ذلك التأمل الذاتى فيما كان يصادفنى من مواقف ونماذج انسانية , كنت اتأمل فى كل شيء بحثا عن الحق حينا والكمال حينا آخر , كلمتان مترادفتان كنت اتأمل فى دلالة كل منهما , وهناك كلمة ثالثة كنت ابحث عن دلالتها , قضايا النفس وسلوكيات الانسان  كانت تشغلنى , وكنت ابحث عن المعنى الذى يقنعنى , كنت الاحظ ان الانسان بفطرته وبتكوينه الفطرى والغريزى  يبحث عن الكمال والكمال امر نسبى , ولكل انسان كماله الخاص به وهو يبحث عنه ومن هنا تعددت الاهتمامات وتنوعت ولكل انسان ما يشغله وما يبحث عنه , هذا الاهتمام كان بعيدا عن اختصاصى العلمى وماكنت ابحث عنه او اكتب فيه , مازالت كلمة الصحة النفسية تشغلنى واتساءل عن معنى الصحة النفسية , وهناك اطباء يهتمون بالصحة النفسية ويعالجون امراض النفوس ومعظمهم يحتاج الى فهم لمعنى النفس , هناك الابدان وهي تمرض ويمكن تشخيص امراضها وعللها ولكل عضو طبيب  يختص به من العقل والقلب والمعدة والاعصاب والعظام والصدر وهناك اطباء لمعالجة العيون والاذن والحنجرة والاسنان , هذه هي الابدان وهي مرئية بالحواس ولها ما يدل عليها من الملامح المرضية والاصفرار والهزال , اما النفوس فلا ترى ولا يمكنك ان تدرك امراضها الخفية الا اذا راقبت سلوك اصحابها ,  وهي ليست عضوية , ومازال الاهتمام بامراض النفوس ضعيفا لانه لا يمكن رؤية المرض ولا التحكم فيه وليست لها ادوية ثابتة , هناك مهدئات يتناولها من يشعر بها لكي تجعله افضل مما هو فيه مؤقتا ثم تعاوده الاعراض المرضية واهمها الاكتئاب والشعور بالحزن والغضب والرغبة فى العزلة والمشاعر العدوانية والرغبة فى الانتقام والقتل والايذاء , واحيانا الرغبة فى الانتحار , وهناك الانانية البغيضة التى تدفع صاحبها للتفكير فى نفسه ولا يعنيه اي شيء آخر , وهناك القسوة المفرطة , هذه امراض نفسية خفية  وليست عضوية , وهي موجودة بكثرة فى كل المجتمعات ولكن الانسان المريض باحد هذه الامراض لا يعترف بها ويظن انها طبيعية واكتشف العلم اليوم ان مرتبطة بالجينات الوراثية التى تتحكم فى اصحابها وتدفعهم الى اختيار ما يفعلون  , مهمة الطبيب  ان يحافظ على الصحة اذا كانت موجودة واعادة الانسان الى الصحة اذا فقد تلك الصحة , حاولت ان افهم كل ذلك ولكن الامر كان اشد تعقيدا , الفيلسوف الاسلامى الكبير مسكويه فى كتابه طهارة النفوس  تحدث عن الكمال وان كل انسان يبحث بفطرته عن الكمال , وكذلك الحيوان يبحث عن الكمال بطريقة غريزية , فالطفل الوليد من ولادته يبحث عن اسباب كماله البدنى ويبكى عندا تتأخر رضاعته ويغضب اذا تأخرت امه فى ارضاعه , وكل الحيوانات تبحث بطريقة غريزية عن طعامها وتدافع عن حياتها وتعبر عن شوقها الى كمالها الخاص بها , فالطيور تغرد والخيول تمشى بشموخ وتجرى فى السباقات بحثا عن ذلك الكمال  , والطاووس يمشى بخيلاء , وكل حيوان يقدم افضل مالديه تعبيرا عما يملكه من قدرات ومواهب , والانسان كذلك يبحث عما يملكه من قدرات بدنية ومواهب عقلية  واصوات ندية وميول فنية ومهارات رياضية  , وهناك من يملك قدرات فى مجال التجارة او ابداع فى مجال الصناعة , وهناك مؤهلون للعمل السياسى ويملكون قدرات خاصة للتعامل مع الجماهير ويحسنون فهم ما يطلبون  , وليس كل انسان يملك كل شيء وهنا يكون النجاح والفشل , قلة يكتشفون مهاراتهم وكثرة يتخبطون ولا يحسنون ,  كلمة الكمال ليست محددة وهي امر نسبى , وتختلف مكانا وزمانا , قد يكون الكمال فى سلوك الفضيلة , وقد يكون الكمال فى الاعتدال , وهناك من يعتبر الصحة النفسية فى القدرة على التكيف مع المجتمع بحيث تكون منسجما معه وتسهم فى رقيه , هناك كمال بدنى وكل النفوس تبحث عنه من خلال بحثها عن اسبابه وهو الطعام والشراب , وهناك كمال عقلى وكل النفوس تتطلع اليه من خلال اكتساب المعرفة من الحياة اولا ومن التاريخ ثانيا , وهذه هي مهمة التربية فى البيت والمدرسة لكي يتعلم الانسان ما يحتاج اليه لكي يبلغ الكمال ,  وهو ما يسمى بسن الرشد  العقلى ولا نهاية له وهو نسبي  , وهو اعلى رتبة من سن التمييز , اما الكمال المطلق  فلا احد يمكن ان يدعيه لنفسه , ولكن بعض الناس يظنون فى انفسهم  الكمال , ليس هناك كمال مطلق , هناك كمال نسبى وهو ان يختار الانسان الافضل له والذى يعبر به عن درجة رقيه الاخلاقى والانسانى , الشجاعة المفرطة ليست كمالا , والذكاء المؤدى الى الدهاء والمكر ليس كمالا , والحروب العدوانية وقتل الابرياء والعدوان على الشعوب المستضعفة  ليس كمالا ابدا , ومعظم الاذكياء يصيبهم الغرور اذا انتصروا وملكوا القوة الطاغية,  وهذا ليس من الكمال الاخلاقى , المنتصرون فى الحروب العدوانية ليسوا ابطالا فى نظر الاخلاق والدين لانهم طغاة الارض , نحتاج الى مفهوم للكمال اكثر اخلاقية فى دلالاته الانسانية , الرحمة ليست ضعفا والسلام ليس ذلا واستسلاما , ما ينفع الناس هو الكمال المؤدى الى الفضيلة والكرامة والعدالة ,  وكل ما يسهم فى اسعاد الانسان هو الكمال , هذه هي رسالة الدين ودعوة الانبياء , تراث الانسانية ليس هو الذى حققه المنتصرون من الطغاة بالدم والظلم واستعباد المستضعفين وانما هو هو ذلك التراث الانسانى الذى اسهم فى رقي الانسان لكي يكون انسانا متميزا بفهمه لمعنى الكمال والتطلع الى الكمال الانسانى , من واجبنا ان نعيد كتابة التاريخ لكي نمجد النماذج الانسانية التى كانت تحب الكمال والتى رفعت شعار الكمال الاخلاقى الذى يدعو الى انسانية تبنى ولا تهدم وتمجد الحياة وقيم الحرية والعدالة بعيدا عن انانيات الطغاة ممن استعبدوا الشعوب المستضعفة واذلوا الانسان ..  

( الزيارات : 1٬137 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *