مناشة موضوع الموت والحياة ..

  • ·    /العضو الزميل السيد محمدفاروق النبهان ,,,,

اشكر الزميل الدكتور إدريس خليل على هذا العرض القيم الذي قدمه نيابة عن الزميل الراحل الدكتور عبد اللطيف بربيش رحمه الله ، والذي كتبه فى الايام الاخيرة من حياته عن تاملات طبيب عن الموت والحياة ,. وهي تأملات مهمة وتعبر عن  إنسانية طبية راقية  اشتهر بها الراحل فى حياته الطبية والمهنية ، عرض فيها كثيراً من القضايا التي يعيشها الطبيب. وكلنا نتأمل في هذه القضايا، قضايا الموت والحياة. كما تامل فيها زميلنا  ,  وقد اجاد فى عرض ما سجله من افكار راقية ذات ابعاد انسانية ..

لقد تميز الراحل بشخصية مميزة فى  اخلاقياتها الطبية , وقد كنت معجبا  بخصاله الرفيعة , وقد عرفته منذ فترة طويلة  فى هذه الاكاديمية وكان راقي الخصال رزينا عاقلا حكيما يحترم الاخر حيث كان وينصت باهتمام  لمن يحاوره  ,  وكنت على تواصل دائم معه , وكان يتصل بى عندما كنت فى سوريا ويستفسرنى عن صحتى  واخبارى ,  وكنت اسر بهذه المبادرات الاخوية الراقية , كما كان يزورنى فى بيتى فى المناسبات  الاجتماعية ,  وكان حريصا على الا يتخلف ابدا , بالرغم من حالته الصحية وقد اكبرت فيه  اخلاقياته العالية ووفاءه الذى يدل على نبل خصاله الشخصية , وقد حزنت عليه واننى اقدم صادق العزاء به لاسرة الاكاديمية  وللمغرب ولاسرته الصغيرة  وادعو الله تعالى ان يتغمده برحمته الواسعة وان يجزيه خيرا عن كل عمل صالح قام به  سواء فى عمله الطبى الذى اسهم فيه فى خدمة مرضاه لتخفيف معاناتهم او من خلال مهامه الادارية  التى قام بها خر قيام …ٍ..

كان العرض  الذى سمعناه قيما ومفيداً ، طرح قضايا طبية معاصرة. وكل قضية تحتاج إلى حديث خاص. وبخاصة فيما يتعلق بأخلاقيات الطب، والموت الرحيم والحقوق المتبادلة التي تترتب على الموت. بالنسبة للاخرين ..وهذه القضايا هي اهم قضايا الطب  التى شغلت اهتمام الباحثين من الناحية القانونية والشرعية والاجتماعية والانسانية  , نظرا لعلاقتها بالحقوق الانسانية للميت ولمن حوله من اسرته  ,  لكي لا يقع التجاوز على حق من حقوق  الانسان..

ما زالت مشكلات الطب تشغل الاهتمام الاجتماعي  والحقوقى  والدينى  ,  ومازال القضاء يقف حائرا مترددا امام مشكلات جديدة لم تكن من قبل  ,  اهمها  حق الحياة ,  وهو حق ثابت لايقبل المساس به او التساهل فيه وتقف الاديان السماوية موقف المدافع عن الحياة ولا تسمح للطبيب مهما كانت مبرراته ان ينهي حياة مريض او جنين  ولو كان لاسباب انسانية  ,  قد يقدم الطبيب مبررات انسانية للقتل الرحيم للتخفيف من معاناة الانسان والامه عندما يكون اليأس من الشفاء واليأس من الحياة  , ومع كل المبررات الانسانية التى يراها الاطباء فان الاديان السماوية لا تبيح  التفريط بحياة الانسان المريض ولو  لا جل المريض نفسه  , ومازالت القوانين تقف موقف المتردد من حيث اباحة  اوتبرير اوقبول هذا النوع من القتل الرحيم ,  ومازالت تعاقب من يلجؤ اليه ..ومن المفروض ان  تحترم الحياة حيث كانت ..ولكن ما ذا يفعل الطبيب امام حالات معقدة  ليست هي القتل الرحيم. ولكن ايقاف العلاج او .الالة التى تكفل استمرار الحياة ,او التنفس او حركة القلب الصناعي , هناك حالات تحتاج الى توضيح وبيان من الاطباء المختصين , الذين هم من اهل الثقة والاستقامة الذين لا يفرطون بمسؤوليتهم امام الله عما يجتهدون فيه ..لست من اهل الاختصاص ويجب ان تقع الثقة باهل الاختصاص  من الاطباء لكي يكون الحكم عادلا ومنصفا  ويحترم ثوابت الدين فى احترام الحياة  الانسانية لانها منحة من الله  لعباده ولا يجوز التفريط بها مهما كانت الاسباب , ولا شيء يبررقتل الانسان ابدا ولوكان جنينا  , والقاتل والمحرض والمتسبب سواء  فى مسؤوليتهم عما يقومون به من قتل الانسان..او تعريضه للمعاناة  , والقاتل مسؤول عمن قتله  او تسبب فى قتله ولو كانوا فى ساحات الحروب  ,..

وهناك قضية الاجهاض وهي قضية مازالت تشغل اهتمام الاطباء والفقهاء والقضاة  , وبخاصة فى حالات انسانية  لدفع اخطار اشد قسوة  ,  وبخاصة فى حالات الاغتصاب فى ايام الحروب  والفوضى الاجتماعية  ,  ومن اليسير ان نجد الكثير من الاراء الفقهية حول  هذا النوع من الاجهاض وحكمه من الناحية الدينية , ولا بد من فهم جيد لطبيعة المشكلات وايجاد حلول اخلاقية وواقعية عادلة لكيلا يقع الظلم او الفوضى ويجب دفع الاضرار الكبيرة دفعا لاخطار اكبر منها , وهناك مآسى كبيرة تتولد من حالات الاغتصاب , ولا بد من  فهم طبيعة الحكم الشرعي الذى يحرم الاجهاض والضوابط التى يجب احترامها  ومن الصعب وضع احكام مسبقة فلكل حالة حكم يلائمها   لكي تكون الحياة فى موطن الاحترام , وليس هناك تشدد او تساهل وانما هناك حكم عادل ومنصف  يمنع الظلم حيث كان ولا بد من فهم حكمة الحكم الشرعي  من تحريم الاجهاض  والبحث فى المفاسد والمصالح .. ومازال موضوع الاجهاض يحتاج الى دراسة واقعية لبيان الموقف الشرعي من كل حالة من الحالات ..

, وهناك حالات اخرى تتعلق يالعمليات التجميلية  التى يراد بها اخفاء شخصية انسان او اخفاء عيب  غير بدنيى او اخفاء واقع  عمن يملك الحق فى الاطلاع عليه  ,  بحيث لو عرف ذلك الانسان هذا الذى جرى اخفاؤه  عنه لشعر  بالغضب  والارتياب  لانتقاص حق من حقوقه او الحاق  ضرر ملموس به , ومن هذه العمليات التجميلية  التى كثر الاقدام عليها  الان مايسمى بعملية ترقيع غشاء النكارة   بنية اخفاء حقيقة اوسر او امر عمن يملك الحق فى معرفة تلك الحقيقة , والترقيع هو عمل طبي وتجميلى ,  و اذا اريد به  مجرد التحسين والتجميل واصلاح ماوقع اتلافه اوتمزيقه نتيجة سقوط او حالة مرضية فلا اجد ما يمنعه وهو كبقية العيوب والجروح  , واذا اريد به علاج عاهة او جرح او عضو من الاعضاء لمجرد التصحيح فلا اجد من الادلة ما يحرمه   , ولو سقطت طفلة فادى هذا السقوط الى تمزيق غشاء البكارة  فلا اجد ما يمنع من معالجة هذا العيب , وربما يكون العلاج امرا مطلوبا  ومحمودا  لانتفاء المانع من العلاج , وليس من حق الزوج ان يعلم بمثل هذا الترقيع وهو كعلاج الجروح , وهو امر خاص بصاحبه  كبقية العيوب البدنية او الجروح  , لانه ليست  له دلالة تسيء الى حق من حقوق الزوج , اما اذا اخفى هذا الترقيع سلوكا سيئا  او زواجا سابقا  او سرا من الاسرار فهذا امر يمس حقا للأخرين ,  فلا يجوز للزوجة ان تخفى عن زوجها  زواجا سابقا ,  والعمليات التجميلية  لا ينبغى ان تكون لها  دلالة سيئة لاخفاء سر  ذى دلالة مذمومة  او اخفاء شخصية صاحبها لاهداف اجرامية  او انتحال شخصية اخرى وكل حالة يحكمها حكم يلائمها وليس هناك حكم واحد بالاباحة او التحريم  ,  وكذلك عمليات تغيير  الجنس من ذكر الى انثى او من انثى الى ذكر , وما يترتب على هذه العمليات التجميلية من اثار , ولا بد من البحث عن الاسباب  , فاذا كانت البواعث سليمة واخلاقية كتصحيح وضع خاطئ  نتيجة خلل بدنى  فلا اجد ما يمنع من ذلك ,  واذا كانت البواعث غير اخلاقية  لتغيير واقع سليم الى واقع اخر  لاسباب غير طبية  فهو عمل غير اخلاقي  كالرغبة فى انتحال شخصية  غير الشخصية الطبيعية كامراة تريد ان تغير تكوينها الطبيعى  الى  رجل مع سلامة تكوينها البدنى  , وهذا ليس من العمليات التجميلية وهو عمل يجب ادانته ومعاقبة من يلجأ اليه , وهذا امر يحرمه الدين , ولا يجوز العبث بقضايا الخلق بتغيير يؤدى الى  الفوضى فى الخلق او النظام الاجتماعي .  وهذا مما تنفر منه الفطرة الانسانية ,  ويؤدى الى خلل فى النظام الاجتماعي وهذا مما يحرمه الدين والاخلاق والقانون , وليس من حق الطب ان يعبث بالانسان  وانما مهمته ان يصلح ماوقع الخلل فيه  لكي يعود للوضع السليم …. ..

وارى ان مهنة الطب هي مهنة لا تنفصل عن اهدافها الاخلاقية , فمن استخدم العلم الطبي للاساءة للانسان او  لقيم اخلاقية  او استخدم العلم لغير غاياته السامية فقد اساء لعلم الطب  وشوه صورة الطبيب الذى التزم عند دراسته لهذا العلم ان يحترم  القيم الاخلاقية العالية وان يسهم فى خدمة الانسان للتخفيف من معاناته  والامه , ومن واجب الطبيب ان يحافظ على اسرار مرضاه والايكشف ما اطلع عليه من قضاياهم   واخبارهم ..فالطبيب هو صديق الانسان وهو مستشار ومؤتمن وناصح ومعالج ,  ولا يصلح اي انسان لمهنة الطب الا ان يكون اخلاقي التكوين  , والا يتاجر بابدان مرضاه وان يكون ناصحا لهم وصادقا معهم  , وعندما يصبح الطب تجارة فهو اسوا تجارة  لانها تجارة بالانسان وبحياة الانسان ..ولا ينبغى ان يمكن غير الانسان الاخلاقي من مهنة الطب , ويجب  ان يختبر طلاب الطب  فى اخلاقهم وصدقهم وامانتهم فاذا وجدوا من لا يلتزم بالاخلاق فيجب ان يمنع من ممارسة مهنة الطب , ولا ينبغى التساهل ابدا فى ابدان المرضى , واختيار الطلاب الاخلاقيين امر ضرورى  , ومن ثبت عليه اي سلوك غير اخلاقى فيجب ان يمنع نهائيا من ممارسة مهنة الطب  ,  وكذلك فيما يتعلق بصناعة الادوية  ومراقبة الغش فى اعداد الدواء ..واي تساهل فى امر الثقة فهو  ضار وله اثار سيئة على الثقة التى يجب ان  ينالها الطب والاطباء  فى المجتمع ..وتجب مراقبة مصانع الادوية  لئلا يقع الغش فيها  , وقد افاض علماء ولاية الحسبة  فى اهمية الحسبة في كل ما يتعلق بالابدان والطعام والشراب  والنظافة العامة والمبانى العامة والاداب العامة لكيلا يقع التساهل فى حياة الناس , وامر الابدان هو اكثر الامور اهمية  والغش فيها يؤدى الى ضرر بالغ يهدد حياة المرضى  وقد يؤدى الى موتهم , ومهمة المؤتمن على المصالح العامة ان يراقب حياة الناس  من العبث بها  , ولا يستقيم امر مجتمع الابحماية مصالح ذلك المجتمع من كل عابث بامن وسلامة ذلك المجتمع  ,  

اننى اقترح انشاء هيئة رقابية مختصة من رجال موثوق بهم من اطباء وحقوقيين وفقهاء وقضاة لمراقبة مدى الالتزام باخلاقية المهنة  , ولا تنازل ولا تساهل فى ابدان الناس ولا فى صحتهم  , وكل خطأ ناتج عن اهمال او تقصير فيجب تحميل الطبيب كامل المسؤولية عنه  مع اهمية الزجر عن كل تقصير….

وفى الوقت نفسه فيجب الثقة برأي الطب فيما يعلق بالاراء الفقهية وتجب الثقة بالعلم فمن يعلم فهو حجة على من لا يعلم , ولا راي لغير اهل الاختصاص فيما يتعلق باختصاصهم  , ويبنى الحكم الفقهي على راي اهل الاختصاص  فى اختصاصهم , ولا وصاية على العلماء فيما يتعلق بعلمهم , وهم اقدر من غيرهم على الفهم ,  فاذا قال اهل الاختصاص باستحالة امر فيؤخذ بما اجمعوا عليه  ولا يؤخذ برأي من لا علم له , وبخاصة فيما يتعلق بتبوت الحمل فى بطن امه  , ولا يؤخذ بالظن مع امكان اليقين . ..وكل راي فقهي اجتهادى  يعرض على اهل الاختصاص , فاذا قالوا باستحالته فيرد ولا يؤخذ به  ولو قال به فريق  من الفقهاء , وتعرض  الاراء الفقهية على اهل الاختصاص  فما انكره اهل الاختصاص من العلماء  فلايؤخذ به ولا عبرة له ….

ومن المهم ان نعرف تاريخ الموت  بدقة بالغة لانه يترتب عليها اثار حقوقية وبخاصة فيما يتعلق بالاموال والارث  , والانسان يظل مالكا لامواله الى ان يموت ولا تنقل الملكية الا بعد ثبوت موت الموث وحياة الوارث , فلو مات الوارث المفترض بعد دقائق من موت مورثه ورث منه , ومن شروط الارث موت  مورث وحياة وارث , ولا ارث  مع عدم ثبوت هذا المبدا , ولا يعتبر الموت الطبي موتا الا ان يثبت الموت كاملا , لا لاحتمال الشفاء ولكن لاثبات الحقوق , وهناك مباحث فقهية مهمة حول تاريخ الموت ومتى يثبت الموت وتنتقل به الحقوق للاخرين ..وهذه الدراسات ليست ترفا فى الاهتمامات وانما هي قواعد  اهتم بها الفقهاء كما اهتم بها علماء القانون لمعرفة الحقوق لكيلا يقع ظلم فى التوزيع  ..وهناك حقوق اخرى تتعلق بالجنين ومتى تثبت حياته  , ومعرفة تاريخ الموت والحياة ليست فقط هي قضايا الاطباء وانما هي قضية رجال القانون .. لتحقيق العدالة , ولا بد من تعاون الاطباء مع الفقهاء والقضاة  لوضع الاحكام التى تبين هذه الامور بالطريقة التى تمنع الاختلاف والنزاع فى مجال الحقوق ..المتبادلة ..

واؤكد ان قضية تحديد تاريخ الموت والحياة هي قضية فقهية مهمة ،. أحيانا يقول الطبيب إن الشخص قد مات طبياً ولكنه لم يمت بدنيا ، هناك  حقوق. تترتب على معرفة  بداية الحياة وبداية الموت. ..ٍ

هناك تاملات كثيرة حول الموت والحياة  ويستحق هذا الموضوع ان يحظى باهتمام الانسان  وهناك تساؤلات كثيرة حول معنى الموت ومعنى الحياة  ولا احد ىيمكنه ان يصل الى الحقيقة , عندما أرى في المنام حلماً، أعيش ساعات مع هذا الحلم وعندما أستيقظ. أظن نفسي كاننى كنت أعيش حياة طبيعية ، وأسأل نفسي : هل ما كنت أعيشه كان حلما أم أن هذه هي الحياة التي نعيشها هي الحلم الحقيقي ؟ ما الذي يُؤكد لنا أننا لا نعيش حلماً في هذه الحياة الظاهرة التي نحياها ..

وتذكرت قول أحد العلماء  : «الناس نيّام، فإذا ماتوا استيقظوا!». فهل نحن نيام الان وقد نستيقظ يوما ما فى لحظة الموت لحياة اخرى اكثر اهمية ..كل الاحتمالات العقلية ممكنة  , ولا يمكننا رفض اي احتمال  وليس هناك امر مستحيل  , وقد يصبح المستحيل اليوم ممكنا فى يوم من الايام ..الحياة ممتلئة بالاسرار  الكونية وليس بامكان الانسان لن يحيط بها  ولا ان يدركها بعقله فالعقل يدرك ما هو ممكن ولا يدرك ما هو خارج عن حدود ادراكاته ..

و عندما سمعت ما اشار اليه البحث من اثر الاسلام فى قبول الموت  تذكرت كلاما سابقا سمعته , عندما رأيت مرة في التلفزيون لقاء مع طبيبة إنجليزية، سألوها لماذا دخلت الإسلام؟ قالت : كنت لما أستقبل مريضاً وأقول له : «أنت مريض بالسرطان» يسقط على الأرض، وكنت ألاحظ أنه عندما أخبر المرضى المسلمين بمرضهم  يقولون : «هذا قضاء الله وقدره».

وقد دفعني هذا التأمل إلى التساؤل عن هذه العقيدة التي تجعل الإنسان يتقبل خبر الموت بغير خوف وبغير فزع.

وقد اشار  الدكتور بربيش  الى هذه الملاحظة  فى حياته الطبية , واننا نحتاج الى التامل فى هذه الظاهرة التى لفتت اهتمام الاطباء.. , وكنت ا لا حظ فى حياتى الواقعية  كثيرا من الرجال الصالحين الذين كانوا يحيون خياة راقية فى امراضهم المستعصية , وكانوا اكثر سعادة فى مشاعرهم واكثر شفافية ورقة وطمانينة  وهذا امر مدرك ومشاهد فيما نراه من نماذج انسانية صالحة , وهذا يدفعنا للتساؤل عن سر الايمان ودفء الايمان  فى ملامح الصالحين , ولعلكم تشاركوننى هذه الملاحظة التى  تؤكد اثر الايمان فى حياة المؤمن ,  وهذه ظاهرة تستحق التامل فى حديثنا عن الموت والحياة ,..هناك الكثير مما نجهله عن الموت  والحياة , ولا يمكن للعقل الانسانى ان يدرك ذلك السر الخفي الذى لا يمكن للعقل ان  يفهمه ولا ان يصل اليه , العقل الانسانى هو اداة للتمييز العقلانى وليس اداة للفهم لغير المحسوسات , فالفهم يحتاج الى نقاء القلب الانسانى وصفاء الفطرة  , وهذا ما اكده الامام الغزالى فى كتابه الاحياء عندما تكلم عن القلب  واسرار القلب  وما يكون فى القلب من تجليات لا تدركها العقول وربما ليست مؤهلة لفهمها  .الا بصفاء قلبي  .. ….

في لقائي  مع أحد علماء الفاتيكان قال لي : «كنت أعد بحثاً عن تقبل المسلم للموت. وكان يذهلني شيء أعددت دراسة عنه من خلال تتبعي لما كتب باللغة العربية عن المسلمين، كيف يتقبلون الفقر وكيف يتقبلون الموت ؟ هذا أمر ربما لا ندركه ونحتاج الى تفسيره ».مازلنا نحتاج الى كثير من الفهم لما يحيط بنا من اسرار الخلق والتكوين والتدبير ..

بعض الناس يتقبلون الموت تقبلا عادياً. ولا يشعرون بأي خوف. ,والبعض يخاف منه , وقلة من الناس يصابون قبل الموت بالسفه. , وأنا أقول إن الإنسان حين يكون في المرحلة الأخيرة من حياته، ينبغي ان يودع الآخرين بالمحبة؛ لكن بعض الناس في آخر العمر تصدر منه  فى اخر حياته أخلاق السفه، أخلاق سيئة جدا،  وهي تدل على غفلة الانسان عن ربه .. ..

قضية الموت والحياة، متى تبدأ الحياة؟ هذا  امر يتعلق أيضاً بالحقوق. وتثبت به حقوق ,  . هذه القضية يترتب عليها أحكام. متى تبدأ الحياة التي لا يجوز إسقاط الحمل فيها؟  ومتى يجوز الموت ؟ قضية فقهية وخلافية ..

ذكر الأستاذ الدكتور عباس الجراري  قضية الموت الرحيم، نتساءل هل يملك الإنسان نفسه.

هل أسرته تملك أن تعطي إذناً للطبيب بأخذ عضو منه أم أنها لا تملك ؟ من قال بأن الأسرة تملك هذا الحق ؟ من أعطاها السلطة في ذلك؟ وحتى الإنسان عندما يموت لا يملك نفسه. ولا يملك اعضاءه لكي يتبرع بها ., ما يتعلق بالنسان يجب ان تحترم خصويات الانسان فيما يملكه الانسان وتحترم حقوق الله فيما هو من حقوق الله لكيلا يقع التجاوز فيما نراه من وجوب احترام ادب العبودية مع الله ….

هل الطبيب إذا أراد أن يأخذ عضواً من ذلك الميت، هل ييحق له ذلك  وهل يحتاج إلى إذن ذلك الميّت؟ أو إذن أسرته؟ هذه قضية أخرى حقوقية. وفقهية ..من يملك الحق فى تلك الاعضاء …هل صاحبها وهو مالكها  ام لا سلطان للانسان عن نفسه ولا على بدنه .. وهذا هو الارجح فكيف يمكن للانسان ان يتصرف فيما هو مؤتمن عليه مما اكرمه الله من  اعضائه ..وهناك تستحق ان تناقش وهي قضية التبرع ببعض الاعضاء هل يملك المتبع ذلك.. بالرغم من حاجة المجتمع الى هذا التبرع ..الترع امر ضرورى للاستفادة مما لا يحتاج اليه الانسان وبخاصة بعد الموت .. ولكن هل يحق الاستفادة من اعضاء الموتى  لمساعدة من يحتاج الى اعضائهم  ..قضية انسانية تستحق ان تدرس بسعة وفهم  لكي يقع  التكافل بين الانسان والانسان ..من المؤكد ان بيع الاعضاء لا يجوز وفيه امتهان لكرامة الانسان المستضعف  ….

لاحدود لمهمة الاطباء فى مجتمعهم الا اننا نحتاج الى معرفة مهمة الطبيب فى مجتمه والطب ليس مهنة كبقية المهن وانما هو رسالة انسانية راقية لانها تتعلق بكرامة الانسان  وتخفيف المعاناة عن الانسان , ولا يمنع الطب عن الانسان وهو كالطعام والشراب , ولا عمل احب الى الله تعالى من رسالة الطبيب وهو يقف الى جانب الانسان فى دفاعه عن حقه فى الحياة ., هناك رجال هياهم الله للخر وهناك رجال هيأهم الله للشر , فطوبى لاؤلئك الرجال الذين هياهم الله لحماية الحياة  ولا عذر عند الله لاؤلئك الذين اعدوا انفسهم لاعمال الشر والقتل وقتل الانسان.. هؤلاء مهما كانت دوافعهم لا مكان لهم عند الله ولا مكان لهم فى مجالس الصالحين ..وهم اثمون لانهم اعداء الانسان واعداء الحياة ..

اما قضية الموت الرحيم فهي قضية مطروحة علمياً، مطروحة قانونيا. الأطباء يقفون مترددين من هذه القضية، ماذا يفعلون أمام حالة إنسانية ؟ هذا الإنسان يقول في لحظة يائسة :لا أريد أن أموت! هل يملك  هذا الحق أم لا يملك ؟هذه القضية أيضا تحتاج إلى دراسة علمية وفقهية وقانونية ..من يملك حق الحياة والحق فى انهاء الحياة …

موضوع الحمل ..نحن نعرف أن الحمل تترتب عليه حقوق… لذلك من الضروري أن نعرف هل هذا الحمل موجود أم غير موجود. ومتى تترتب له الحقوق ..

الحمل عند ثبوته تترتب له حقوق شرعية  وقانونية، مثال ذلك إذا كان هناك حمل وتوفي الأب  فانه يترتب لذلك الجنين حقوق. مالية ,  يقبل الوصية و له حق  الإرث. ولكن لا يقبل التبرع. وهذه الاهلية  هي  أهلية الوجوب وتختلف عن اهلية الاداء التى يملكها الكبار   فقط.. للجنين عندما يثبت وجوده. يترتب له حق في الإرث وحق في الوصية  بمجرد حياته ، يثبت له هذا الحق ولا يقبل ما هو ضار به كالتبرع .

هناك حقائق فقهية كثيرة تتعلق بموضوع الموت والحياة. موضوع الموت لا أحد منا يعرف حقيقته.

كلنا نتساءل عن سر هذا الموت.

هل هو انتقال من عالم إلى عالم؟ من عالم الكثافة إلى عالم اللطافة، عالم لا يُدرَك وهو عالم شفاف رقيق، لا نراه ولا نعلم عنه شيئاً لأنه غيب.,  هناك أسرار  فى الموت ولم يرجع لنا أحد ليخبرنا بما في ذلك العالم. الا بما ورد من نصوص دينية لا تقبل الشك ؟ ؟ امور الغيب  لا يجوز  أن نناقشه لأننا نناقش الغيب بواسطة العقل والعقل لا يدرك الغيب . ، النقل الثابت، هو الذي يشرح أمور الغيب.

إذن، نحن نحتاج إلى التأمل في قضايا الموت والحياة، هي تأملات إنسان. وطبعاً لا نضيف شيئاً. ولا يمكن أن نصل إلى الحقيقة. فالحقيقة في هذا لم يصل إليها مَن قبلنا. ولن يصل اليها من سياتى بعدنا  ..هي مجرد تأملات نتأمل فيها في الحياة وفي الموت.

 

لابد الا أن تتجدد الأجيال، ولولا الموت لما تجددت حياة الأجيال. واستقام امر الجيا

الحياة تتجدد؛ كل واحد يؤدي مهمة، وإذا انتهت المهمة عليه أن يغادر. كشجرة تزرعها وتكبر فتعطيك الثمر المرجو منها. بعد ذلك تصفر وتيبس، فنزيلها لكي تزرع شجرة جديدة. وإذا ما لم تزلها فستبقى موجودة وستعطل الحياة.إذن، لابد أن تزيلها لتنبت شجرة جديدة، وهكذا تعطيك الأمل الجديد والثمر الجديد. ..وكل جيل مؤتمن على عصره ولاوصاية لجيل على جيل والاجيال مؤتمنة على استمرار الحياة , واقرب الناس واحبهم الى الله هم الذين يسهمون فى بناء الحياة ورقي الحياة  , واشقى الناس هم الذين يسهمون فى معاناة الانسان وتهديد الحياة الانسانية التى هي رسالة الاجيال ..

هذه الموضوعات لطيفة وممتعة وتنقلنا إلى عالم اللطافة، ولو للحظات لكي تخرج من عالم الكثافة الذي نعيشه الى عالم الروح الذى تشتاق اليه النفوس لكي ترتقي فى اهتمامها من عالم الحسيات الى عالم الارواح ما اجمل ان نسمو احيانا بفكرنا وتاملاتنا  الى عالم نجهله ولكننا نشتاق اليه ونجد فيه من طمانينة النفوس وسمو اهتمامات القلوب , ونبتعد كثيرا عن انشغالاتنا المادية الى عالم اكثر رقيا ولطافة وجمالا من عالم ضاق بنا وضقنا بهمومه ..تلك غفلة الانسان عن ربه وما اقسى ما تفعله الغفلة  عن الله من قسوة فى القلوب وانحدار فى الاهتمامات

،  واكرر تقديرى  لتاملات الزميل الراحل الدكتور عبد اللطيف بربيش عن الموت والحياة …واشكركم ايها الزملاء الاعزة ..  والله يحفظكم ..

ٍ

( الزيارات : 2٬082 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *