مناقشة بعض الافكار حول ابن خلدون

  • ردود العضو الزميل السيد محمد فاروق النبهان :

 

أشكر الزملاء الكرام على مناقشتهم وتدخلاتهم القيمة التي أفادتني ووجهت اهتمامي لكثير من القضايا التي تحدثت عنها، وأنا معتز بما سمعت، وأود أن أوضح بعض النقاط المتعلقة بابن خلدون :

ابن خلدون ليست له ولا لآرائه أي صفة قدسية على وجه اليقين. نحن نتحدث عن فكره. قد نؤاخذه من الناحية الأخلاقية عن أشياء كثيرة تتعلق بشخصيته الأخلاقية والتزامه خاصة ونحن نعرف مواقفه البعيدة عن الوفاء، والطبيعة الوصولية  التي اشتهر بها والتي دفعته للهجرة والذهاب إلى تمرلانTamerlan  وفراره منها إلى دمشق، وقد عرض عليه المجيء إلى بلاد المغرب كما هو واضح. ودخل السجن بسبب كثير من المواقف التي أخذت عليه. مثلا عندما كان في قصور المرينيين، ثم اضطهد ووقع خلاف بينه وبين ابن الخطيب… وكان يشعر دائماً بالصدمة.

هو يصف الواقع كما هو، يتناول ظاهرة ويفسرها. ويترك للقارئ أن يستنتج ما يشاء منها. هو لا يقول هذا خطأ وهذا صواب.

 كان منهجه منهجا نقديا ضمنياً. لما يقول مثلا بعدم جدوى غرس الورود كما جاء في تدخل السيد عبد الهادي التازي، هو لا يعني ذلك، بل يريد أن يقول إن الدولة حين تهتم بالترف، فهنا تبدأ مرحلة الشيخوخة، أي أنها بلغت مرحلة الهرم. فحين يبدو الإنفاق على مظاهر الدعة والتفنن في العمران والصنائع.. عندئذ تكون الدولة مهيأة لتأسيس عصبية كبيرة ذات بأس كبير من البداوة المتطلعة إلى السلطة والمال فتنقض عليها، وهنا لا تستطيع الدولة أن تقاوم.

فيقول إذا بدأنا في مرحلة الترف، فعلينا أن نتوقع الخراب. أي انتهاء الدولة والسلطة الحاكمة.

حتى عندما تكلم عن الفلاحة، فهو لم يسئ أبدا للفلاحة، قال هذه الفئة من الناس مستضعفة الفالحون مظلومون، يقول إن الفلاحة هي الوسيلة الوحيدة التي تعطي، هي وسيلة الإنتاج الوحيدة التي تضيف. لكن الفلاحين مهانون، لا أحد يعترف بقدرتهم. هم جاهلون ولا يعرفون حقوقهم. حتى ولو عرفوها فهم لا يستطيعون الدفاع عنها.

إبن خلدون لا يريد من وراء ذلك أن يصلح المجتمع ولكنه يريد أن يوجه الأنظار لبعض الظواهر الاجتماعية بما فيها الإيجابية والسلبية.

ابن خلدون لم يتكلم أبداً عن الدعوة الدينية، يقول: “العصبية الدينية تعطي للعصبية القبلية قوة تماسك. وهي لا حدود لها والدعوة الدينية بدون عصبية محكوم عليها بالفناء”.

وهذا مهم جدا، لأننا لو أخذنا أفراد أي حركة سياسية ليس لهم عصبية دينية، أو رابطة تجعلهم يتماسكون – فهؤلاء محكوم عليهم بالانهيار.

يتكلم عن أطوار الدولة الأربعة، طور النشأة وطور الاستقرار ويتكلم عن الحجاب، عن حجاب الحاكم هذا الحجاب يكون خفيفاً في بعض الدول. فهو يقول : “عندما تستقر الدولة يبتدئ الحجاب. فالحاكم لا يعود يرى الناس.يتحدث عن ” أصحاب السيف وأصحاب القلم”. قال :”إن أصحاب السيف في بداية الحكم يكونون هم رفقاء الحاكم، هم جليسوه. لكن عندما تستقر الدولة، لا تبقى له حاجة بهم، فيدعو الشعراء والأدباء إلى مجلسه، لأنه يريد أن يستمتع. فابن خلدون كان يلتقط هذه الصورة من مجتمعه.

لما دخل قلعة بني سلمة قرب وهران – وكانت هذه تجربة صعبة، وأحس باليأس والتصدم. إنه استدعي مرات عديدة ليشغل مناصب في السلطة إلا أنه رفض السياسة وهرب إلى مصر وهناك أصبح يسمى ولي الدين وأصبح قاضياً وأكمل حياته هناك ثم بدأ ينقح في كتابه “المقدمة”.

أنا قرأت المقدمة – ثلاث مرات، في المرة الأولى لم أستطع أن أستوعب فكر ابن خلدون. وبعد عشر سنوات رجعت إلى المقدمة ثانية وكذلك لم أستطع استيعاب ما كُتب. بعد ذلك قررت أن أقسم الكتاب إلى أقسام وأقرأ كل واحد على حدة. هو مكون من 1000 صفحة. قسمته على عدة أفكار – كل فكرة أدرسها على حدة. ما يتعلق بالعصبية، ما يتعلق بالكسب …الخ.

لما استوعبت ما كتب في المقدمة، أصبحت متأثراً بابن خلدون حتى في المجال الفقهي، واعتمدت على نظرياته في كتابي حول قيمة العمل. فقيمة الكسب لدى العامل ليست هي قيمة الكسب لدى الطبيب الذي درس لمدة خمسة وعشرين سنة …الخ، فتكلفة الساعة الزمنية لكل منهما ليست متكافئة وهذه الفكرة أخذتها من ابن خلدون فيما يتعلق بالعمل وتكلفته.

إذا، ابن خلدون قدّم لنا فكراً نحتاج إليه اليوم ونستفيد منه. فعلينا أن نأخذ أفكاره ونستثمرها ونطبقها بما يلائم المجتمع الذي نعيش فيه. هذه هي الغاية من كتابات ابن خلدون. ابن خلدون كتب لعصره قبل أن يأتي آدم سميث (Adam Smith) الذي كتب “ثروة الأمم” في القرن السابع عشر، واعتبر مؤسسا لعلم الاقتصاد، لأنه لأول مرة يكتب عن القيم والريع والربح والإنتاج وغير ذلك.

ابن خلدون قدم عملا جيداً يستحق الشكر عليه. وأنا أعتز بإخواني الزملاء الذين أتاحوا لي الفرصة للحديث في هذا الموضوع وشكرا لكم.

( الزيارات : 1٬690 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *