مناقشة موضوع الفتوى فى الاندلس

القى الصديق المفكر المغربى الكبير الدكتور محمد بنشريفة عميد كلية الاداب ومدير االخزانة الوطنية محاضرة فى مقر الاكاديمية الملكية المغربية بالرباط بتاريخ 18سبتمبر 2014 بعنوان: فتاوى ذات تاريخ, تحدث فيها عن اهم الفتاوى الشرعية التى افتى بها علماء الاندلس , والتى ذكرها المؤرخون الذين سجلوا تاريخ الاندلس وترجموا لاهم علماء تلك الفترة ودور الحكام فى تلك الفترة فى توجيه الفتوى واثر العامة فى ذلك .. وكانت محاضرة علمية رصينة وموثقة فى رواياتها واحداثها وقد علق الدكتور محمد فاروق النبهان على تلك المحاضرة بالكلمة التالية : •
وثائق الاكاديمية..
كلمة العضو الزميل السيد محمد فاروق النبهان :..
أشكر الزميل الكريم الدكتور محمد بنشريفة على هذا الحديث القيم الذي طاف بنا في رحلة أندلسية جميلة مع العلماء ومع العامة ومع الحكام فى مواقفهم من الفتوى .
هذه قضية تتجدد في كل عصر.. وهي محنة الرأي، ودور العامة في هذه المواقف والتعصب المذهبي الذي أدى إلى كثير من الخلافات التاريخية المتعددة.
كان البحث قيماً ودقيقا وغنياً بمادته العلمية كعادة الأخ محمد بنشريفة في بحوثه.
كان دقيقاً وناقلا لكثير من الروايات التاريخية المفيدة والمعبرة.
قضية الإفتاء والفتيا فى الاندلس…
الفتيا أو الإفتاء كما يقال.: إخبار عن الحكم الشرعي ..مهمة المفتي أن يخبر عن الحكم الشرعي لمن يسأل عنه.
هناك احكام ثابتة وليس فيها جدة ولا اجتهاد. ,وهناك قضايا مستحدثة هي النوازل. وتحتاج إلى رأي اجتهادي. مثلا قضية ليس فيها حكم، أو هناك حكم وتغير الظروف. الفتيا تختلف في المسألة الواحدة بحسب الزمان والمكان.
هناك مواقف كثيرة تعبر عن دقة كبيرة في الفهم., وهذه الصور التي ذكرها الأخ الدكتور محمد بنشريفة مهمة. وهي دور العلماء في المجتمع كان للعلماء دور كبير في الأندلس. ، هذه الفتاوى كان لها صدى كبير ولكن أرى أن هذه الآراء التي أفتوا فيها في القتل والصلب لمن يخالفهم فى الراي كان فيها تجاوز كبير.
المعايير الفقهية لا تبرر القتل والصلب لمن قال كلمة لا تعني شيئاً. إلا إذا ارتبط القتل والصلب بشيء آخر.اكثر اهمية..هناك شيء مهم جدا و هو الكيد الذي يلقاه العلماء في كل عصر، من المنافسين ومن العامة., وهذا يؤدي إلى كثير من المحن لبعض العلماء المجددين الذين يأتون برأي قد يكون مغايراً لما هو مألوف.عند العامة
كما حدث بالنسبة للأندلس فيمن أدخل كتاب الشافعي،امتحن “بقي بن مخلد” عندما أدخل كتاب “الأم” للشافعي الى الاندلس . و ابن حزم عندما كان شافعيا في البداية…هذا جزء من التاريخ، مازال موجودا حتى اليوم وبصور مختلفة.
الوحدة المذهبية شيء أساسي.
أنا أقول هذه المذاهب هي مناهج فقهية، مناهج للفهم، ينبغي أن تلتقي عند خط واحد ثابت هو النص.
وبهذا المنهج نقرب بين هذه المذاهب، لكيلا تكون متباعدة. وهي آراء ليست الاختلافات فيها في الأصول، إلا ما كان بين الشيعة والسنة في موضوع الإمامة…في المذاهب السنية نجد الاختلاف في الفروع وليس في الأصول.
هناك عالم من العلماء صح عنده الحديث، واخر لم يصح عنده الحديث ، اختلف الأمر ! كما هو الأمر في موضوع الصلاة: القبض أو السدل، أو قضية صلاة الجمعة، هل تعاد صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة ؟ وغير ذلك. وهي لا تمس الأصول الأساسية.
أقول ..إن الفتوى الفردية ستؤدي دائما إلى خلافات. لابد أن تكون هناك فتوى جماعية من خلال المؤسسات العلمية المختصة. ونحن بحاجة اليوم إلى هذه الفتوى، ليس من خلال الرأي الفردي…وأقول لا يفتى بالاجتهاد. الفتوى ليست هي الاجتهاد.
قد أقول رأيا اجتهاديا ولكن لا أفتي به. لأن الفتوى للآخرين، الهيأة المختصة بالفتوى هي التي تستعرض آراء المجتهدين وترجح منها ماهو أقرب إلى الصواب.
نحترم الاجتهاد ونحترم الفتوى… الفتوى هي قرار يخص الآخرين، أما الاجتهاد، فمن حقي أن أقول هذا رأيي ولكن لا أفتي به.
والفتوى للمفتي المختص. أما الرأي الاجتهادي فلا يفتى به. لأنه رأي خاص يعبر عن رأي شخصي لصاحبه.
قد يتعدد الاجتهاد بين فلان وفلان، وإذا اعتمد هذا الرأي الاجتهادي يفتى به. ..ولهذا في منصب الإفتاء الموجود في بعض البلدان، يجب على المفتي أن يفتي بالرأي الراجح في مذهب البلد ولا يفتي باجتهاده، عليه أن يلتزم بالرأي الراجح المعتمد، ليس من حقه أن يقول هذا رأيي. ..يجب عليه أن يلتزم بالراجح المعمول به كالقاضي… القاضي يلتزم بالقانون، وليس من حقه أن يجتهد في قضية طالما هناك قانون.
والمفتي له منصب ولاية، فعليه أن يلتزم بالرأي الراجح، اقتنع به أم لم يقتنع، فهذه قضية خاصة به. ولكن عليه أن يلتزم بالرأي الراجح في المذهب.
وهذا يخفف من أخطار الفتوى التي نجدها اليوم. وقد تعددت كثيراً وتباعدت وأدت إلى الفتنة وأدت إلى الخلافات. وأصبح كل إنسان يُفتي، وبخاصة في وسائل الإعلام. وأصبحت هناك فتنة حقيقية وضياع بالنسبة للناس. ..أين هو الحق؟ هذه قضية مهمة جدا. عندما نقرأ التاريخ نستفيد منه. لابد في هذه الحالة من تنظيم عملية الفتوى من خلال المؤسسات المختصة. وأنا أتمنى أن تكون هناك مؤسسة واحدة كبيرة مختصة بالعلماء، هي الجهة الوحيدة المؤهلة بإصدار الفتوى. وبخاصة في القضايا الاجتهادية، في النوازل المستحدثة. ليس قضية الإخبار بالحكم. فكل إنسان يمكن أن يقول هذا.إخبار ، سؤال وجواب.
ولكن في القضايا المستحدثة، المستجدة او تغيرت ظروفها، والفتوى تختلف بحسب الزمان والمكان، ولو في المسألة الواحدة. تختلف بخصوصية القضية وبالزمان والمكان.
فكل قضية لها خصوصية لا يمكن أن أقول : قال الفقهاء في الماضي كذا. إذا قالوا في قضية تماثل هذه القضية، فهذه المسألة هي من اختصاص عصرها، من اختصاص علماء العصر. لا سلطان للسابقين على اللاحقين. كل عصر مؤتمن على قضاياه وهو أقدر على فهم قضاياه. ومن حقه أن يخطئ وأن يصيب. إن أخطأ يعود إلى الصواب .ولكن لا عذر له ..فى التقليد … الجيل الموجود هو المؤتمن على عصره. وهو المؤتمن على فهم النص وهو المخاطب بالنص. وهو الذي يجب أن يقول ماذا فهم من النص، ولا يجب أن يتصدى للفتوى من كان غير مؤهل لها. .ز
كان الطلبة في أطاريحهم يأتون ويقولون قال فلان، فكنت أقول لهم : خذ كل الآراء ولكن يجب أن تطرح ما تراه أنت. ..أنا لا يهمني ماذا قال السابقون، ولكن أنت يجب أن تظهر شخصيتك فيما ترى من خلال ما قرأته من هذه الآراء المختلفة، ماذا ترى أنت ؟ هذه هي مهمة الإنسان. والمفتي قد يأخذ كل الآراء الفقهية المختلفة – مع اختلاف المناهج وفي النهاية ينبثق في قلبه شيء من الفهم، يترجح له أن هذا الرأي هو الصواب. ..قد يخطئ وقد يصيب وفي النهاية هذا ما يجب عليه أن يفعل. وهذا يدعونا دائماً بأن نفكر في قضايانا بطريقة تلائم العصر الذي نعيش فيه وبطريقة تكفل حرية الرأي للمجتهدين. حرية الرأي يجب أن تكون مصونة . لا تجريم في حرية الرأي إطلاقاً. إذا قال إنسان كلمة وكانت من ضمن اختصاصات المفكر، وفي نطاق هذا الرأي لا أقول له إنك قد خرجت عن الإسلام أو ارتددت عنه. أقول له استنتاجك صحيح أو خطأ. ولكن لا أصل إلى درجة التكفير وأقول :ارتد عن الدين.
هذا أمر آخر، مختلف كل الاختلاف.
لهذا نحتاج إلى منهجية جديدة في موضوع الفتوى لكي نقدم فكرنا للأجيال المقبلة. كما قدمت الأجيال السابقة جهدها لنا.
وأكرر تقديري للأخ الزميل الدكتور محمد بنشريفة على هذه الجولة العلمية التاريخية مع فقهائنا في الأندلس وفي المغرب. فىما صدر عنهم من فتاوى فقهية ذات تاريخ ودلالة على عصر اسلامى وقضايا ذلك العصر واهتماماته …شكرا لكم

( الزيارات : 1٬394 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *