منطلقات الاصلاح..

منطلقات مبدئية للإصلاح…..

لا اعتقد أن أرائي تختلف عن آراء أمثالي ممن عاشوا في نفس الفترة الزمنية وفي نفس البيئات الثقافية والاجتماعية، وما كنت اشعر به كان غيري يشعر بمثله، أحيانا يتقدم خطوات أو يتأخر خطوات…

معاناة جيلنا واحدة، وآمالنا تتجه إلى الأفضل، وعندما يتحرر الإنسان من القيود المحيطة به تتقارب الآراء والمواقف، فتطلع الإنسان إلى الغد فطري وحتمي، وكلنا يرفض الواقع لأنه يجسد ثقافة التخلف ويكرسها…

عندما نتحرر من الشعور باللامبالاة فلابد إلا أن نلتقي في التقاطعات على الأقل، فما كان سيئا يجب أن يرفض…وما كان حسنا فيجب التمسك به…

ولا خلاف في أن الإسلام هو الغاية والهدف، وهو الخيار الوحيد لهذه الأمة لأجل الأفضل، ولكن…

–       أي إسلام نريد…

–       هل نريد إسلام التاريخ أم الإسلام كما هو في حقيقته…

إسلام التاريخ يختلف عن الإسلام الحقيقي، إسلام التاريخ هو إسلام السلاطين، رسموا معالمه كما أرادوا، وزوروا بطاقته لكي يكونوا هم الأوصياء عليه…أليسوا هم ظل الله في أرضه، وطاعتهم واجبة، وهم أولوا الأمر.. وهم حماة الدين والوطن، ومن طالب بحق من حقوقه فقد خرج عن الطاعة ونقض البيعة، ويدخل في قائمة البغاة الذين ينشرون الفساد في الأرض…

ليس هذا هو الإسلام الحقيقي، إسلام الكرامة الإنسانية، وإسلام الجهاد للدفاع عن قيم الحرية، وإسلام المستضعفين الذين هم عيال الله…

لا مكان في المجتمع الذي يدعو إليه الإسلام لظلم يباشره قوي ضد ضعيف، ولا لسلطة مستبدة جائرة، ولا لعصبيات قوية حاكمة، ولا لثروات جمعت عن طريق السرقة والرشوة والاحتكار والمعاملات الربوية الظالمة واستغلال النفوذ….

وفي مجتمع الإسلام تتكافأ الدماء وترتقي مستوى القيم الإنسانية، وترتفع رايات الحق والعدالة والسلام، ويسعى الناس في سبيل الخير….

هذا ما كنا نفكر فيه في مرحلة الطفولة، وهذا ما كنا نحلم فيه عندما كنا ندافع بصدق عن الإسلام، واكتشفنا فيما بعد، أن هناك أوصياء على الإسلام وهم اقدر منا على فهم أحكامه وتجسيد قيمه، ويملكون من السلطة ما لا نملك، وهؤلاء الأوصياء يملكون المنابر والأقلام وينحني علماء الإسلام لأوامرهم صاغرين…

مازال إسلام الطفولة حيا في كياني، ومازالت صورته مشرقة وهي الأجمل، وهذا الإسلام مازال حيا في قلوب كثير من المسلمين الذين عاشوا حياة نظيفة بعيدة عن التلوث البيئي في الثقافة والقيم والعادات، وهؤلاء يدركون بفطرتهم الإسلام الحقيقي البعيد عن الصورة المشوهة المليئة بمخلفات عصور التخلف…

إذا أردنا الإسلام فعلينا أن نصحح صورته لكي يكون كما كان، إسلام الفطرة والاستقامة والكرامة الإنسانية…وبهذا الإسلام يمكننا أن ننهض ونتقدم ونبني المستقبل الأفضل…

إسلام الطفولة كما كنت أتخيله مازال حتى اليوم هو الأجمل من كل ما قدمه المفكرون عن الإسلام، واهم ما فيه هو ذلك العناق الصادق بين الفطرة والإسلام، فما ترفضه الفطرة يرفضه الإسلام، وما يرفضه الإسلام ترفضه الفطرة…وما يحقق المصلحة الاجتماعية فهو من الإسلام، وما يؤدي إلى مفسدة أو ظلم فليس من الإسلام…

واعتقد أننا نحتاج اليوم إلى تجديد ثقافتنا الإسلامية من كثير من المعتقدات التي دخلت في هذه الثقافة، وشوهت بعض معالمها، ثم اعتبرت فيما بعد من مقومات هذه الثقافة وهي في حقيقة الأمر جهد إنساني ما كان جيدا منه يقدر ويحفظ ويشكر منتجه، وما كان غير مفيد فلا نحتاج إلى الانشغال به..

وأسجل بعض تصوراتي المبدئية لبعض القضايا الفكرية، وهي تصورات شخصية تعبر عن رؤيتي الذاتية لقضايا وقع الاختلاف فيها وتعددت الآراء في تفسيرها…

وأهمها ما يلي:

أولا : العلاقة بين النقل والعقل علاقة تكامل، ولا يفهم النص النقلي إلا بالعقل، والعقل هو المخاطب بالنص، ولا حدود لقدرات العقل على التفسير في إطار الضوابط العلمية، والعقول متفاوتة وهي وليدة المكان والزمان، ومتأثرة بالبيئات الاجتماعية والظروف النفسية، ولابد من احترام هذه الخصوصيات في النظر العقلي، ويجب احترام النظر العلمي في التفسير ويناقش النظر العقلي بالحجة والدليل…

    ولا يجوز إدانة المجتهد أو تكفيره أو الحكم بردته، لان ما يراه العقل يجب احترامه، ولا سلطان للعقل على العقل، والنظر العقلي حق لكل من يملك أهلية النظر العلمي…

ثانيا: يحترم التراث وهو الموروث العقلي الذي أنتجه السابقون من الأجيال، ولا قداسة للتراث الإنساني الذي ساهمت العقول في اغنائه، والأجيال متكافئة في قدراتها ومكانتها، ولا فضل لسابق على لاحق إلا بمزيد من العلم والتقوى، ويجب إخضاع ذلك الموروث لمعايير موضوعية، ويقدر ما كان مفيدا منه، وجهد المعاصرين أولى بان يشجع ويحتضن، لأنه يعبر عن رؤية جديدة، ولا ينبغي أن يشغل الجيل المعاصر بتراثه الماضي عن اغناء فكره المعاصر، فالحاضر هو الأولى بالاعتبار، واحترام التراث لا يعني قداسته، واعتزاز الأجيال بماضيها ووفائها له لا يعني أنها لا تخضعه لمعايير النقد الموضوعي لاستكشاف مواطن القوة والضعف فيه.

ثالثا: أعلام الأمة وعلماؤها وبناة فكرها وصانعو تراثها هم بشر يحسنون ويسيئون، ويصيبون ويخطئون، فما أحسنوا فيه فبقدر لهم ويثنى عليهم فيه، وما اخطئوا فيه فيجب أن يذكر ذلك، لبيان الحق فيه، والخطأ حق لكل مجتهد، ولا مبرر للمبالغة في المدح وإخراج هؤلاء من دائرة الطبائع البشرية، لئلا نعيش خارج دائرة الواقع، ولابد من إخضاع ما يروى من سير الأعلام لمعايير النقد الموضوعي، والمبالغة في كل شيء مضرة ودالة على سطحية في الفهم، والموضوعية هي المنهج العلمي السليم الذي يجب الاعتماد عليه…

رابعا: لابد من اعتماد منهج التوثيق في الرواية والحكاية، والأخبار التاريخية وسير الأولين، ولا يحتج بأية رواية ضعيفة، ولو في مجال مكارم الأخلاق، فلا مبرر للاستدلال بالضعيف، والضعف في الأسانيد مظنة لعدم الصحة ومبرر لعدم الاستشهاد بتلك الرواية…

والعذر واضح في ترك الروايات الضعيفة، وحسن النية لا يبرر قبول الضعيف، ويجب تنزيه تراثنا من الروايات الموضوعة والضعيفة، ومعظم ما يستشهد أهل الوعظ به من حكايات الأولين تدخلها المبالغة، وتتحكم فيها الرغبة في إضفاء صفة الكمال على هؤلاء الأعلام، وهذا أمر ضار ولا مبرر له…

خامسا: أهمية مراعاة المصالح الجماعية، والمصالح هي أهم المقاصد الشرعية، ولا يمكن أبدا أن تكون المصالح مناقضة للمقاصد، أو أن تكون المصالح متجاهلة في نظر الشريعة، ومن الضروري أن تكون المصالح الجماعية هي الأساس في فهم الأحكام، وعندما تكون هناك مفسدة فلا يمكن تصور حكم يقرها، وغاية الشريعة تحقيق العدل ومحاربة الظلم، ومراعاة المصالح هي غاية الشرع، ويجب تفسير النصوص بما يحقق المصلحة الجماعية. وأي تفسير للنص يؤدي إلى مفسدة أو ضرر أو ظلم فهو تفسير خاطئ ويدل على جهل المفسر بمقاصد الشريعة، وكما تدرك المصلحة باعتراف الشرع بها فإنها تدرك أيضا بالنظر العقلي الذي تراه الجماعة وتؤكد حاجة المجتمع إليه…

سادسا: الاعتراف بدور العقل في إدراك المصالح والمفاسد، والعقل هو أداة التفسير والتأويل، وهو محور معرفة الصواب والخطأ، ولا يمكن أبدا تجاهل دور العقل في التفسير والفهم، ويحتكم إلى العقل في كل المفاهيم المرتبطة بالمصالح الاجتماعية، وما ترفضه العقول السليمة يرفضه الدين، ولا يمكن تصور الدين في مواجهة العقول أو المصالح، ولا يتصور التناقض بين العقل والنقل أو بين العقل والشرع، وإنما يتصور التناقض بين العقل والتفسير، ويجب على المفسر أن يصحح تفسيره لكي يكون معبرا عن المصالح التي تدركها العقول السليمة، وتعجز عنها العقول الناقصة أو المحجوبة عن معرفة روح الشريعة ومقاصدها العامة، وكما يحتكم إلى النص لمعرفة الحق فانه يحتكم إلى العقل لمعرفة المصالح، والإجماع الشرعي هو احتكام للعقول في معرفة المصالح الجماعية…

سابعا: كل ما وقع الاختلاف فيه بين العلماء بسبب ظنية ثبوت الدليل أو ظنية دلالة النص فلا يمكن القول فيه بقطعية الحكم فيه، ولا تتصور القطعية في ظل ثبوت الاختلاف الدال على الظنية، وجميع الأحكام الاجتهادية التي وقع الاختلاف فيها خارج عن نطاق القطعية، واثبات القطعية يحتاج إلى دليل قطعي، ويجب أن يحترم الاختلاف بين العلماء، والقضايا الخلافية لا يمكن تضييق نطاق الحكم فيها، ويجب أن يؤخذ من القضايا الخلافية ما يحقق المصالح الاجتماعية، والاجتهاد الجماعي أقوى من الاجتهاد الفردي، ويجب الأخذ به ولو كان مرجوحا لوجود مصلحة راجحة فيه رآها المجتهدون، ومن اجتهد من العلماء فهو أفضل ممن قلد، ولا يصح التقليد لأهل الاجتهاد، ولا يحتج بالورع لتضييق الخناق على الأمة في قضاياها، فالورع قد يكون فضيلة فردية بحق صاحبه، ولا يعتبر فضيلة في الفتوى لان المفتي يجب أن يفتي بالحق وبالشرع، فان ضيق على الأمة فيما هو واسع فقد أساء وحرم ما هو حلال…

ثامنا: ما أقرته الشريعة من مبادئ وقواعد في مجال المعاملات والحكم والمال فهو مبني على رعاية المصالح الجماعية، والغاية منه تحقيق العدالة ورفع المظالم وتوفير الكرامة الإنسانية واحترام الإرادة والحرية، ولا يمكن إقرار أي حكم أو نظام اجتماعي أو قانون يتجاهل الغاية المرجوة وهي احترام مبادئ العدالة وقيم الحرية، والأمة مدعوة لحماية مصالحها والدفاع عنها والتضحية في سبيل إقرارها، فان قصرت في ذلك فهي مسؤولة عن تقصيرها، والدين لا يحمي الأنظمة الاستبدادية والفردية والديكتاتورية، ولا يستظل بمظلة الدين لإقرار أنظمة استبدادية، ومن واجب الأمة أن تضع بإرادتها المطلقة دستورها التي ترى فيه حماية لمصالحها وحقوقها، وتفرض احترامه على حكامها، ولا يجوز لحاكم أن يضع دستورا للأمة، وإنما هو مطالب بان يرضخ للدستور الذي تضعه الأمة، ولا شرعية لدستور لا تضعه الأمة، ولا شرعية لسلطة لا يقع اختيارها من الأمة، ومن حق الأمة أن تسجل في الدستور كل ما يحمي مصالحها وحقوقها، والدين يحمي الأمة، والأمة تختار الحاكم وتخضعه للرقابة، وتلزمه بحماية مصالحها فان تنكر لالتزاماته أو تجاوز حدود سلطته المرسومة له فمن واجب الأمة أن تجرده من سلطته بكل الوسائل الممكنة…

تاسعا: الأموال هي ثمن لعمل الإنسان، ويجب أن يكون الثمن مساويا لقيمة الجهد المبذول فيه، فان تجاوزت قيمة المال قيمة العمل كان المال حراما، كالمال المكتسب عن طريق الاحتكار والغش والربا والأموال المغتصبة والرشوة واستغلال النفوذ، ويجب أن يمنع الأقوياء من استغلال قوتهم لزيادة كسبهم، ويجب أن يعاد المال الحرام إلى أصحابه، ولا يعترف الإسلام بشرعية المال الذي جمع عن طريق الظلم والاستغلال ولا تؤخذ الزكاة إلا من المال الحلال الذي جمع عن طريق شرعي، وهذا المال محصن ومحترم ومن اعتدى عليه فانه يعتبر سارقا أو مغتصبا ويعاقب بسبب اعتدائه على حقوق الغير، أما المال الحرام فلا يكتسب صفة الشرعية أبدا، ويجب أن يعاد لأصحابه، فان سرق من فرد أعيد إليه، وان سرق من المجتمع كله أعيد إلى المجتمع، ويعاقب سارقه بسبب اعتدائه على حقوق الغير…والمال الحرام لا يكتسب صفة المال الحلال أبدا، لأنه خارج عن نطاق الشرعية، والمال الحلال هو المال الذي اكتسبه صاحبه بطريقة شرعية ليس فيها ظلم أو استغلال أو غش أو اغتصاب، والمال الحرام هو المال الذي اكتسبه صاحبه عن طريق لا تقره الشريعة، وما يتولد عن المال الحرام فهو حرام، ولا يكتسب صفة الشرعية ولو بعد مئات السنين، وهو مال محكوم عليه بالمحق ولو بعد أجيال، وليس من حق احد أن يعفو عمن سرق من أموال الأمة، قد يجوز العفو عن الحق الفردي، أما المال العام فلا يصح العفو فيه أبدا، لأنه حق لكل المجتمع، ومغتصب السلطة كمغتصب المال ولا تكون سلطته شرعية ولو عدل في حكمه، إذ لا يمكن أن تتولد الشرعية من فعل خارج عن نطاق الشرعية…ولا إرادة لشعب لا حرية له، والإذعان إكراه، ولابد في كل العقود والتصرفات الشرعية من الاختيار والإرادة…

عاشـــرا: لا تفاضل بين البشر بسبب الأعراق والقوميات والطوائف والانتماءات، والعمل الصالح هو معيار التفاضل الوحيد، ومن حق أي شعب أن يحمي مصالحه، ومن حق الأكثرية أن تحكم سيطرتها على أرضها، ولكن الحكم لا يلغي حق الأقليات ولو كانوا أفرادا في حماية حقوقهم الإنسانية، وأهل الذمة يملكون كل الحقوق الإنسانية في بلاد الإسلام والأقليات الإسلامية يجب أن تملك كل الحقوق الإنسانية في البلاد غير الإسلامية، ولا مجال للتنكر لأي حق إنساني لأي مواطن في مجتمع إسلامي أو غير إسلامي، وفي مجال الحقوق الإنسانية تتكافؤ الدماء وتصان الأموال وتحترم الحريات وتراعى الخصوصيات في العادات والثقافات والمعتقدات تعبيرا عن احترام إنسانية الإنسان، ولا فضل لجماعة أو أسرة أو طائفة أو قبيلة على أخرى، وما تختاره الأمة في مجال نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي يجب أن يحترم مادام يحقق مصلحة لها في الاستقرار، وبشرط أن يكون هذا النظام عادلا ومفيدا ويراعي مصالح الأمة في جميع أمورها، والأنظمة السياسية التي تحكم من خلال القوة والردع والتخويف ليست لها شرعية، فالقوة لا تصلح لإيجاد شرعية، وهي سرعان ما تضعف شوكتها بسبب تراكم أخطائها وانصراف بعض رموزها إلى سلوكات الترف والترفع عن الناس…

حادي عشـــر: لابد من مراعاة الزمان والمكان في معرفة المصالح الاجتماعية، فما كان مصلحة في عصر قد لا يكون كذلك في عصر آخر، وما كان مفسدة في مجتمع قد لا يكون كذلك في مجتمع مغاير، ولابد من مراعاة المصالح بحسب ما يراها المجتمع، والمجتمع هو المؤهل لمعرفة ما يصلح أمره من أنواع النظم، والشريعة معنية بما يؤدي إلى الإصلاح والنهوض، وبما يوفر العدالة والحرية والكرامة، ويجب على كل مجتمع أن يعكف على دراسة ما يصلح أمره في إطار الثوابت الإسلامية، فالمجتمع يضع نظامه السياسي كما يراه بالنسبة لعصره محققا للعدالة والحرية والشورى، وليس هناك نموذج وحيد للحكم، وإنما هناك غايات مرجوة، والمجتمع يختار الوسائل والضوابط التي تحقق نظام الحكم الأفضل، وهناك مفاهيم إسلامية يجب أن يترك تقديرها وتفسيرها للمجتمع، ما لم يكن هناك تفسير قاطع لتلك المفاهيم، وعندئذ يقع الالتزام بالنص، ولا اجتهاد مع النص، ولا مصلحة للأمة في توسيع دائرة الثوابت على حساب المتغيرات، فالثوابت تمثل المنطلقات الأساسية التي تمس العقيدة ومبادئ العدالة في المعاملات واحترام حقوق الإنسان في الحرية والكرامة والنهوض بمستوى السلوكيات إلى الأكمل والأفضل ومراعاة الزمان والمكان أمر مقرر في القواعد الأصولية، في مجال التفسير والاستنباط الفقهي، ولا حدود للعدالة، فكل ما يحقق مصالح البشر فهو مطلوب، وكل ما يؤدي إلى مفسدة فهو مرفوض من غير تردد…

ثاني عشــــر: التيسير على الناس ودفع الحرج عنهم في كل الأحكام التي يتسع الأمر فيها لمزيد من التيسير، وهذا المبدأ مقرر في الشريعة، ولا يمكن ادعاء الورع والتظاهر بالتدين لتضييق ما اتسع من الأحكام، لتملق عواطف العامة، فالتشدد ليس فضيلة على الإطلاق، فالتمسك بالدين لا يعني التشدد فيه، فما يحتمل التيسير فيجب الالتزام بمنهج الشرع فيه، والتشدد مطلوب في الدفاع عن الحقوق، ولا تسامح في مجال الحقوق الإنسانية، وحقوق الإنسان مقدسة، ومن اعتدى على أي حق إنساني فيجب محاسبته، لكيلا يتجرأ الأقوياء بسبب سلطة أو مال أو مكانة اجتماعية على المستضعفين، ولا يطالب المستضعف بالتسامح، وتسامح الضعفاء مذلة لهم، ولا يكون العفو إلا بعد القدرة والتمكن من الحق، والتشدد يدل على جهل صاحبه، ويختلف عن الورع المعبر عن الابتعاد عن مواطن الشبهات…

ثالث عشـــر: لا مجال للتفريق بين الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانية، والمرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق إلا فيما نصت عليه الشريعة في بعض الحقوق كالإرث والشهادة والطلاق والتعدد، وهي استثناءات لا تقلل من المكانة الإنسانية للمرأة، ويجب أن يستعمل الرجل حقه في الطلاق والتعدد في إطار الفضيلة وبما يحقق مصلحة اجتماعية، أو يدفع مفسدة، ويجوز للمرأة أن تتولى جميع المسؤوليات الاجتماعية وان تشارك في كل النشاطات العامة، وليس هناك نص يمنعها من القضاء أو الولايات التي تقدر عليها، وتثبت جدارتها فيها، ولا مبرر لإسناد الولاية العامة إليها نظرا لما يتطلبه ذلك من قدرات يعجز عنها معظم الرجال، ومن المؤسف أن بعض المجتمعات الإسلامية تسمح للرجل أن يمارس سلطة الوصاية على المرأة، وهذا من باب التقاليد والأعراف، والولاية على المرأة هي ولاية تكريم، ولا إجبار في الولاية، ولا تجاهل لإرادة المرأة، ويجب اعتبار رأيها في الزواج والطلاق، وإذا طالبت بالطلاق فيجب احترام إرادتها ولا تجبر على معاشرة من تكرهه من الأزواج، ويجب أن يكون لباسها ساترا ومحتشما، ويختلف مفهوم الاحتشام بحسب طبيعة المجتمع، ويجب ستر ما اتفق العلماء على وجوب ستره، والأصل أن المرأة مساوية للرجل في كل الحقوق إلا ما ورد فيه نص قطعي في ثبوته ودلالته يخرج عن هذه القاعدة ويثبت الاستثناء، ولا يثبت الاستثناء بالظن أو الاجتهاد أو ادعاء المصلحة…

رابــع عشــر: كل فكر أو مذهب أو رأي يجد دليله في قرآن أو سنة فيجب احترامه، وكل ما يخالف قاعدة من قواعد الدين فلا يمكن الاحتجاج به، ولا يرفض المذهب كله، وإنما يرفض منه ما خالف مبادئ العقيدة، فالصوفية التي تهدف إلى تزكية النفوس وتسهم في تعميق القيم الروحية بالأذكار ومحاسبة النفس ومجاهدة الغرائز الشهوانية والسيطرة على الخواطر القلبية ومعالجة أمراض القلوب والنفوس، هذه الصوفية محمودة ومطلوبة، أما صوفية الطقوس والسلوكيات المنحرفة والعقائد الخاطئة والتخيلات المنافية للعقيدة الصحيحة فلا تكون مقبولة، لان الفكر يقبل لأثره المحمود، ويرفض لأثره المذموم، والسلفية يقبل منها ما كانت غايته تصحيح العقيدة ورفض السلوكيات المنحرفة ويرفض منها ما كان مسيئا لمشاعر المسلمين من أنواع الأفكار المتطرفة والتشدد في المواقف والتسرع في إطلاق لفظة الشرك والتكفير، والمذهب الشيعي مذهب إسلامي متكامل ولا يختلف عن المذهب السني في وجوب اعتباره، وله أدلته الثابتة وفقهه الغني بالاجتهادات الجادة التي يدعمها الدليل، وحب آل البيت ارث مشترك بين جميع المسلمين، ولا احد يمكنه ادعاء محبة آل البيت أكثر من الآخر، والحب لا يعني التقديس، والإمامة لا تستدعي العصمة التي يختص بها الأنبياء… والصحابة متساوون في المكانة والمنزلة، واختلاف الصحابة في أمور السياسة والحكم أمر يرتبط بمصالح عصرهم، ولا ينبغي أن تشغل الأجيال اللاحقة نفسها به، والمذاهب الإسلامية الفقهية متساوية في المكانة، ويجب أن ينظر إلى فقهها بمعيار موضوعي، فما كان يدعمه الدليل ويحقق مصلحة فهو الأصح والأرجح، والتراث الفقهي جهد محمود لا ينبغي التوقف عنده، فمسيرة الاجتهاد مستمرة، ما كان منها من قبل وما سيكون منها من بعد، ولا فضل لسابق على لاحق إلا ما كان اقرب للدليل…

خـامس عشــر: الاجتهاد رؤية العقل لدلالة النص على المراد به، وهو حق ثابت لأهل النظر العقلي من الفقهاء، وهو أمر محمود، وما تراه العقول فيجب احترامه، ولا يجوز التقليد لعالم، والتقليد غير محمود للعلماء، ولا يقبل منهم، والاجتهاد ظاهرة ايجابية وهو دليل صحة وعافية في المجتمع، ومادام الاجتهاد قائما فلا يتصور الجمود في الفقه، ولا حدود لحرية المجتهد في التعبير عن آرائه، ولا ينبغي الخوف من الاجتهاد، وإنما يجب الخوف من التقليد الذي يدل على تخلف المجتمع وجمود فكره، والاجتهاد أداة النهضة، إلا انه يجب إبعاد الحكام عن مجتمع العلماء، فالحكام يريدون تسخير العلماء والدين والأخلاق لخدمة سلطتهم، وهذا هو الخطر الأكبر على الفكر والدين والقيم، والحاكم المستبد هو الخطر الأكبر على الفكر، ولا ثقة باجتهاد علماء السلطة الذين يبيعون دينهم وفكرهم طمعا في إرضاء الحكام، وهؤلاء هم مظنة الانحراف وان أصابوا، أما من يملكون شجاعة إبداء الرأي في مجالس الحكام فهم مجاهدون، وينبغي حماية الدين من وصاية  المستبدين ووصاية علماء السلطة…

ولا مذهبية في الحق، فالحق أحق أن يتبع ولا يبحث عن مصدره، والمذاهب والآراء والفقهاء في منزلة واحدة، فلا تعصب لمذهب ولا لفقيه، وإنما يجب الالتزام بالدليل، واحترام رأي الآخر المخالف في الأمور الاجتهادية…

ســادس عشــر: لا حدود لحق الإنسان في الدفاع عن حقوقه الإنسانية، وحق المقاومة مشروع لكل من اغتصبت حقوقه الثابتة في الأرض والحياة والحرية، ولا يمكن أن يمنع إنسان من الدفاع عن نفسه، ومن دافع عن حقه المشروع فهو مجاهد، وإذا قتل فهو شهيد، وحقه في الدفاع عن حقوقه لا يبرر له انتهاك حقوق الآخرين الأبرياء، فلا يجوز للمعتدى عليه أن يقتل بريئا للتعبير عن غضبه، فلا يرفع الظلم بظلم آخر، ولا تتحمل الشعوب مسؤولية ما يرتكبه حكامها من انتهاكات وتجاوزات، فحق المقاومة يبيح للمعتدى عليه أن يدافع عن حقه وان يقاوم المعتدي، وليس من حقه أن يعتدي على الأبرياء، والحرب المشروعة هي حرب الدفاع عن الحقوق، ولا شرعية لحروب الاستعمار وحروب التوسع وحروب الحكام المستبدين، ويجب على الجندي أن يرفض الحرب العدوانية وهو آثم في قتله للأبرياء، ولا يجوز قتله للأبرياء، ولا يجوز إعانة الحكام الطغاة على قتل الأبرياء من شعوبهم أو الشعوب المستضعفة لإحكام قبضتهم على تلك الشعوب، والحرب المشروعة لا تبرر تجاوز الحدود المشروعة في قتل الأطفال والشيوخ والعجزة أو التمثيل بجثث الموتى أو إبادة الزروع وهدم المساكن والمدن، وقتل الأسرى، فالحرب مشروطة باحترام القيم الإنسانية، ومن أعان حاكما ظالما فقد اشترك معه في الجريمة، ولا يقبل منه أي عذر، ويجب أن يحاسب الأعوان على تجاوزاتهم لأنهم مكنوا الظالم من ظلمه، ولا طاعة لمخلوق فيما أمر من وجوب احترام الكرامة الإنسانية…

سابع عشر: نظام الحكم يرتبط بمصالح الناس ولا يمكن للدين أن يكون مظلة لأي نظام أو سلطة، فالدين يضع أسسا وقواعد للحكم ويترك للناس حرية فيما يختارون لأنفسهم، والطاعة مرتبطة بمدى التزام السلطة بمشروعية السلطة وضوابط الحكم وقواعده، فلا طاعة لحاكم لا شرعية لحكمه، ولا شرعية لسلطة القوة، والشورى تعني المشاركة في الحكم وجماعية القرار، ولا قدسية لأي حاكم، ولا بيعة مع الإكراه وانتفاء الاختيار، ومعيار الحكم الصالح هو مراعاة مصالح الأمة واحترام حقوق المواطن وعدم استغلال النفوذ لتحقيق مصالح لرموز السلطة، والأمة هي صاحبة السيادة ومصدر الشرعية، والحاكم وكيل عن الأمة ويخضع لإرادتها، والدستور تصنعه الأمة وتلزم الحاكم به وتحتكم إليه، ولا يجوز أن يتعارض الدستور مع أحكام الدين الثابتة، والتشريع الإسلامي هو مصدر القوانيـن والتشريعات ولا يمكن إقرار تفاوت في الحقوق بسبب انتماءات قومية أو لغوية أو قبلية أو حزبية، والتناوب في الحكم أمـر مطلوب لأنه يوفر الاستقرار، ولا وصاية لعصبية حاكمة على الأمة، والعدل هو أساس الاستقرار…         

 ثامن عشر: يتمتع كل مواطن في الدولة بكل حقوقه الإنسانية، في حق الحياة، وحق التملك، وحق الحرية، وحق التعبير، وحق الكفاية، وحق العبادة، وحق الكرامة، وحق التوظيف والتشغيل، وحق التعليم والتطبيب، ولا ينظر إلى الدين أو القومية أو اللغة أو المنطقة الجغرافية أو الانتماء القبلي أو الطائفي أو الحزبي، ولا وصاية لأي فئة على أخرى، ويجب أن تكون معايير الاختيار موضوعية ونزيهة، ويتمتع أهل الذمة بكل الحقوق الإنسانية، ويشارك كل مواطن في تمويل المصاريف العامة للدولة وبخاصة ما يتعلق بالضمان الاجتماعي، وترتبط المجتمعات الإسلامية بالمجتمعات غير الإسلامية على أساس احترام القيم الإنسانية وقيم التعايش والتساكن ومبادئ العدالة والسلام بين الشعوب واحترام المصالح المشروعة من غير تدخل خارجي، وإدانة الحروب الظالمة والعدوان وسياسات الهيمنة الدولية، والاحتكام للمواثيق الدولية التوافقية التي تضعها كافة الشعوب بإرادتها المطلقة لحماية قيم السلام ومبادئ العدالة، والشرعية الدولية تعني شرعية القرار الذي يمثل إرادة كل الشعوب، ولا شرعية للقوة المسيطرة ولو استظلت بمظلة الشرعية الدولية…

تاسع عشر: إدانة مطلقة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ودعوة لجيلنا وللأجيال اللاحقة لتحرير الأراضي المقدسة، ولا سلام مع المعتدين، وكل سلام يتضمن التنازل عن جزء من الأرض باطل ولا قيمة له، وكل معاهدة سلام مع المعتدي ستمزقها الأجيال اللاحقة، والتنازل عن جزء من فلسطين خيانة دينية ووطنية وأخلاقية، والمقاومة ضد إسرائيل مشروعة وواجبة، والقعود عن المقاومة إثم وخيانة، ومن لم تحدثه نفسه بالجهاد في فلسطين فهو آثم، وكل مسلم مؤتمن على القدس إلى يوم الدين…والجهاد لأجل تحرير فلسطين جهاد مقدس وهو أفضل الجهاد وأنبله، وشهداء فلسطين هم سادة الشهداء الأبرار…

عشـــــــــرون: الإصلاح والتجديد، ولابد منهما، لأجل البقاء والاستمرار، فالفكر يحتاج إلى تجديد مستمر، ومناهج التفكير تحتاج إلى إصلاح، وليست هناك مناهج لا تقبل التغيير والتجديد، ومسيرة هذا الفكر متوقفة منذ فترة طويلة، ولابد من إعادة النظر في كثير من المسلمات المحفوظة والمكررة، ونحن نعيش على أحلام الماضي وذكريات الأمس البعيد، وننسى واقعنا، ونلتفت إلى الوراء ونجد في ماضينا ما يرضي كبرياءنا ونحسب أن ذلك يكفينا، وهذا وهم، فنحن نعيش في أزمة مخيفة، ونعيش عزلة عن واقعنا، ومن الطبيعي أن ينمو التطرف المخيف في مجتمعنا، ونريد اليوم صحوة عاقلة رشيدة، تبني واقعنا، ولا نريد صحوة تنتج سلوكيات خاطئة، ولابد من إصلاح الخطاب الديني ومناهج التفكير وإصلاح المؤسسات العلمية وفتح النوافذ المغلقة لكي تدخل الشمس إلى بيوتنا المقفلة……. ولا ينبغي أن نخاف من حرية الرأي والاجتهاد، وان ننعزل عن محيطنا، فقد أصبح الكون كله صغيرا ويطل بعضه على البعض الآخر من خلال النوافذ الإعلامية التي تحيط بنا…  

هذه قضايا كانت تشغلني، وكنت أفكر فيها باستمرار، قد لا تكون جديدة، ولكنني كنت أركز عليها فيما اكتبه، كنت اعتبرها منطلقات مبدئية ومقدمات ضرورية للتغيير المطلوب، وهو تغيير يراد به تحريك الماء في هذه البحيرة الراكدة…

وبالرغم من كونها بديهية، ولا يمكن أن تثير خلافا فقد كان البعض يناقش فيها ويتردد في قبولها ويشكك في أمرها، وهذا الفريق من الناس قد يكون صادق اللهجة مستقيم الطبع جاد النظرة، إلا أن هذه الصفات ليست كافية لإدراك ضرورة الإصلاح وحتمية التجديد وأهمية مواكبة الفكر لمسيرة الإنسان…

لا احد يشكك في الاختيار الإسلامي، كثقافة وعقيدة وسلوك، فالإسلام بالنسبة لهذه الأمة هو هوية وطنية وهو ثقافة وانتماء وتاريخ وحضارة، ولكن أي إسلام نريد…كل فريق يرى الإسلام من زاويته الضيقة…والمطلوب أن ننظر إلى الإسلام من خلال نظرة شمولية، والتصور القرآني للإسلام هو التصور الأجمل والأشمل…فلماذا لا نحتكم إليه… ولماذا لا نأخذ الإسلام من ينابيعه الأصيلة النقية الصافية وليس من القنوات التي يتحكم فيها التاريخ، وتشوه صفاء مياهها المصالح والأهواء التي زيفت القيم الأصيلة…

نريد الإسلام الحق…إسلام الفطرة النقية، إسلام العدل والحرية والكرامة الإنسانية، إسلام الفكر الذي يدعو إلى احترام القيم الإنسانية…

هذا هو الإسلام كما كنت أراه في طفولتي، قبل أن اقرأ الكتب وأتعلم منها معالم الإسلام كما رسمها علماء الإسلام، وإسلام الفطرة أسمى وأجمل، ومازلت ابحث عن ذلك الإسلام، في ملامح رجال ونساء وأطفال وهو يقودهم برفق إلى أفق أخلاقي رفيع، ما ينكره الإسلام تنكره الفطرة وما تدعو إليه الفطرة يدعو إليه الإسلام حتما..

أدركت أن ما نكتبه هو مجرد صناعة لا تختلف عن أي صناعة أخرى، عمادها الموهبة أولا وحسن التعليم ثانيا، وهي خالية من عمودها الفقري وهو الإيمان والإخلاص…كنت أخاطب نفسي في بعض الأحيان، وأتساءل عن ثمرة العلم، واهم ثمرة هي الإخلاص والعمل….                  

صوت داخلي من أعماقي يطل علي في كل حين ويخاطبني بصوت هامس، وأنا في قمة نشوتي الظاهرية، يحاسبني ويعاتبني، فأجد اثر همساته في ملامح وجهي شحوبا وحزنا،

–       أين الثمرة المرجوة…

–       أين السعادة والطمأنينة القلبية…

وأتساءل في حوار داخلي مع ذاتي:

–       وماذا بعد…

–       وما قيمة أن نكتب…

وكنت اشعر أنني ابحث عن شيء ولا اعرفه…لو عرفته لأرحت نفسي…ربما يكون ما أبحث عنه هو الحقيقة أو الطمأنينة أو المعرفة الحقة…

( الزيارات : 1٬195 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *