منهجية تكوين الانسان

ذاكرة الايام..تكوين الانسان
كنت اقول لطلابى فى الدراسات العليا ان مهمة المعلم والمشرف والاستاذ لا ان يعلم طلابه الاحكام , فهذا امر يمكن لاي طالب ان يتعلمه بنفسه من الكتب , وانما مهمتنا ان نعلمكم كيف تستنبطون الاحكام من ادلتها بطريقة صحيحة , فان تعلمتم منهجية الاستنباط السليم فيمكنكم ان تفهموا الاحكام وكيف توصّل الفقهاء الى الاحكام التى تدرسونها وعندئذ سوف تكونون اكثر احتراما لمناهج الاختلاف الفقهي واكثر سعة فى الفهم واقل تقليدا وتعصبا , فالتعصب وليد الجهل والتبعية الغمياء والتبعية تنفى المسؤولية والتكليف , ولا شيء كان يحزننى اكثر من ظاهرة التقليد الاعمى مع توفر اسباب الفهم والترجيح , وكمال التكليف يقتضى ان يتحمل المخاطب مسؤولة فهم ما يخاطب به , فان كان غير مؤهل للفهم فيجوز له تقليد من يترجح له صواب رأيه ودقة فهمه , ولا عذر لمن يقلد عن علم , والاصل فى التكليف حسن فهم المخاطب لما يخاطب به , ومن لا يملك هذا الفهم يجوز له التقليد على سبيل الاستثناء كما يباح التيمم عند فقداء الماء , ويلتمس التقليد لجاهل ولا عذر لعالم فى تقليده , ومجتمع يحسن الفهم يقل التقليد فيه , لان التقليد مع امكان الفهم الغاء للذات وتعطيل لما اكرمك الله به من كمال العقل وامكان العلم , وعندما نحرص على الارتقاء بمستوى خطابنا الثقافى والتربوي فاننا نسهم فى تكوين جيل يملك القدرة على الفهم , والتقليد المحمود لا يعنى الغاء الذات وانما يعنى الرجوع الى اهل العلم والاختصاص فيما اختصوا به مما لا تملك اسبابه , وفيما كان دليله من العقليات والمقاييس والمصالح فحق الاجتهاد ثابت لكل من ملك اهلية الفهم لقضاياه ..
كنت كثير الثقة بمن كنت اراهم يملكون القدرة على الفهم , وما زلت اذكر طلابا لى اصبحوا فيما بعد اعلاما افخر بهم علما ووعيا واستنباطا ,
واذكر من طلابى عددا كبيرا ممن اتابع انتاجهم العلمى بفخر وسرور , ومن ابرزهم المرحوم الدكتور عمر الجيدى الذى كنت اجد فيه ملامح الفقهاء الكبار من اهل الاستنباط السليم والفهم العميق , واعترف اننى كنت اتعلم من بعضهم واستفيد من علمه فى مجال تخصصه , واذكر على سبيل المثال المرحوم الدكتور ابراهيم بن الصديق محدث المغرب وابن اسرة الحديث الغمارية فى طنجه , والدكتور احمد اليزيدى فى الدراسات القرانية والدكتور احمد العمرانى المختص باخيارات ابن رشد الفقهية والدكتور عبد الحميد عشاق المهتم بالنقد الفقهي والدكتور محمد بنعزوز المختص بالتراجم والاعلام وبخاصة من اعلام الحديث فى بلاد الشام وعشرات غيرهم اتابع بسرور مسيرتهم العلمية ..
كنت اشعر اننا نحتاج الى تكوين الانسان فلا نهضة علمية او ثقافية او اجتماعية بغير الانسان , اذا نهض الانسان نهض كل شيء بجهده واذا تخلف الانسان تخلف بتخلفه كل شيء ..
الانسان اولا وسلامة منهج التكوين ثانيا..

( الزيارات : 1٬410 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *