مهمة علمية فى المغرب

ذاكرة الايام..مهمة علمية فى المغرب

كانت لى امال كبيرة عندما تسلمت ادارة دار الحديث الحسنية فى الرباط فى شهر فبراير  عام 1977, كنت اعتقد ان الطريق معبدة وميسرة , انطلقت بسرعة كبيرة , كل ماكنت افكر فيه من قبل حاولت ان يكون ,  كل الحواجز يمكن التغلب عليها , كنت احلم بالكثير , كانت تجربتى فى الادارة جديدة , كنت احسن الظن بكل من القاه فى طريفى , كنت اتحدث بتلقائية وعفوية عن كل ما افكر فيه , بعد عام واحد بدات اكتشف ان الحواجز اقوى مما كنت اظن , وبدات ملامح الطريق تتضح لى اكثر , حسن النية لا يكفى لانجاز ما تريد , بدات ثقتى تهتز بكثير ممن كنت اثق بهم , اصبت كثيرا واخطات كثيرا , بدات اشعر بالوحدة , اعترف ان شخصا واحدا لم تضعف ثقتى به , كان يثق بى بغير حدود , وكان يلتمس لى العذر ولو اخطات , كنت صادقا معه , لم تضعف ثقته بى ابدا , كان فى اعلى درجات النبل والسعة والوفاء  , كان هو الملك الحسن الثانى رحمه الله , كان كبير المواقف عظيم الخصال , كان يدرك حجم الصعوبات ولعله كان يتوقعها , فى كل الازمات كان يقف الى جانبي مناصرا , عندما ضعفت يوما وقررت ان استقيل واغادر المغرب , سمعت منه ما شجعنى على الاستمرار  , عندما طلب منى ان القي درسا امامه فى الدروس الحسنية تكلمت عن المنعطفت فى تاريخ الثقافة الاسلامية , ولما وصلت الى المنعطف الاخير تكلمت عن دار الحديث الحسنية ودورها فى احياء مناهج الفكر وتكوين قيادات فكرية راقية الفهم تسهم فى احياء الثقافة الاسلامية  وتنمية المناهج الاجتهادية عن طريق الاضافة الى ذلك التراث بما يجعله اكثر تعبيرا عن قضايا مجتمعه , وقلت فى ذلك الدرس ليست مهمة دار الحديث تكوين دعاة ومرشدين وانما الغاية تكوين قيادات فكرية فى اعلى المستويات لكي تكون ثقافة الاسلام ذات امتدادات حضارية وذات دلالات انسانية , وقد علق الملك على هذا الدرس واكد اعتزازه بدار الحديث ورعايته لها , واكد على حرية الرأي والتعبير , كان هذا الدرس بعد عام واحد من تعيينى فى الدار  , كان ذلك اليوم هو بداية منعطف جديد , وتعلمت بعدها دروسا مهمة فى طبيعة الحياة , وتعلمت ان القاطرة لا يمكن لها ان تتخطى السرعة المحددة لها , واتجهت لتكوين كفاءات علمية متميزة تحسن الفهم والاستدلال , كان المغرب يملك خصوصيات تعبر عن شخصيته وثقافته , ولا بد من الاهتمام بتلك الخصوصيات الفكرية والثقافية,  واهمها الوحدة المذهبية المالكية  , والاهتمام بتاريخ المغرب واعلامه ومصنفاته , ووجهت طلابى للاهتمام بالثقافة المغربية والتعريف باهم الاعلام المغربية , فى مختلف العلوم الاسلامية , ووجدت لدى كثير من طلابي  الملكة العلمية وحسن الفهم وخلق اهل العلم وخصال الشخصية العلمية , ما زلت اذكر باعجاب اخلاقية من عرفت من طلابي وادبهم واحترامهم للعلم , لم اختلف قط مع احد من طلابي  , وقد انجزوا عشرات البحوث العلمية والاطروحات تحت اشرافى او بتوجيه فى اختيار بحوثهم , وقد تم نشر العشرات من هذه الاطروحات , كما اصدرت الدار مجلة دار الحيث الحسنية وصدر منها ستة عشر عددا وهي موسوعة متخصصة فى تراث الاندلس والمغرب , وكنا ننشر اجزاء مهمة من تلك الاطروحات فى المجلة , كما كنا نحرص على توثيق كل انشطة الدار العلمية والتعريف باهم الندوات العلمية التى كانت تقام فى الدار , واستطيع ان اؤكد ان المغرب يملك امكانات علمية فى مختلف التخصصات , ومن المؤكد ان الدار قد اسهمت فى اغناء النهضة العلمية وبخاصة فى العلوم الاسلامية , وما زلت اذكر ان الملك اراد فى احدى السنوات ان يكون جميع المتكلمين فى الدروس الحسنية من المتخرجين من دار الحديث الحسنية , وكان الملك سعيدا بهم نظرا لرعايته للدار ولكل علمائها , وفى اليوم الاخير من الدروس التى تختم عادة في ليلة القدر بختم البخارى , قال لي الملك : لقد اسعدنى ما سمعته من علماء الدار , وما زلت اطمع بالمزيد من عطاء الدار فى كل المناسبات الثقافية والندوات العلمية ..

( الزيارات : 800 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *