ندوات جامعة القرويين

خامساً:ندوات كليات القرويين

اشتهرت القرويين بدورها العلمي خلال التاريخ المغربي وقد امتد أثرها في بلاد الغرب الإسلامي والأندلس وغرب إفريقيا , ويعتبر جامع القرويين في فاس من أقدم المساجد الإسلامية التي اشتهرت بأثرها العلمي وبالعلماء الذين تخرجوا منها , واشتهرت مدينة فاس المغربية التي بناها المولى إدريس الأزهر ابن المولى إدريس الأول بمكانتها العلمية وعلمائها ومساجدها ومدارسها العلمية , وكان جامع القرويين يحظى بمكانته المتميزة في الغرب , وما زالت خزانة القرويين تضم ذخائر من التراث الإسلامي ومن المخطوطات الثمينة والنادرة ..

وأصبحت القرويين الآن جامعة تضم أربع كليات الأولى كلية الشريعة بفاس والثانية كلية أصول الدين بتطوان والثالثة كلية اللغة العربية بمراكش والرابعة كلية الشريعة بمدينة أغادير , وكان لكل كلية نشاطها العلمي الخاص بها وقد حضرت معظم الندوات العلمية التي كانت تنظمها هذه الكليات , وكانت كل كلية تختار الموضوع الذي يناسب اختصاصها , ومما كان يسعدني ويدفعني لحضور هذه الندوات أن معظم أساتذة هذه الكليات كانوا من خريجي دار الحديث وكانت تربطني بهم صلة علمية , وكنت أحضر ندوات هذه الكليات بفرحة ورغبة , وكنت أرى أبناء دار الحديث الحسينية وقد أصبحوا علماء يفخر بهم المغرب , وكانوا يشاركون بجدية وكفاءة في هذه الندوات وخاصة في كلية أصول الدين بتطوان وكلية الشريعة بفاس , وكان معظم الأساتذة ممن أشرفت على أطروحته أوما زال يعمل فيها …

وكنت  أفرح عندما أجد أبناء دار الحديث في معظم هذه الندوات واللقاءات العلمية , وكانوا يتميزون بأخلاق عالية وأدب متميز والتزام بالمنهج العلمى ويشاركون بفعالية في المناقشات العلمية وكنت أنظر إلى القرويين باحترام كبير, وكنت أتطلع أن تستعيد القرويين مكانتها التاريخية وأن تعود كما كانت الحصن العلمي الكبير الذي يفخر  به المغرب..

ولايمكن لأية مؤسسة علمية ناشئة أن تنافس القرويين , وأتمنى أن تكون كل شعب الدراسات الإسلامية في المغرب تابعة للقرويين , وأن تكون القرويين هي الجامعة الوحيدة التي تمنح شهادات الإجازة والدكتوراه وكل شهادات التخصص في العلوم الاسلامية , وهذا سيعيد الاعتبار لهذه الجامعة العريقة التي تحتاج إلى إحياء دورها العلمي وتجديد هياكلها ومناهجها لكي تكون مؤهلة للقيام بدورها العلمي والثقافي الذي يليق بتاريخها العريق , وألا تكون رمزاً للقديم بل يجب أن تكون رمزاً للفكر الإسلامي في تطلعاته وتجلياته وآفاقه…

كنت أريد القرويين كما يجب أن تكون وكما يليق بدورها التاريخي والعلمي , وكنت أعبر عن طموحي هذا في مجلس جامعة القرويين الذي كنت عضواً فيه  لمدة طويلة , وكتبت أبحث عن دور القرويين في إثراء الفكر الإسلامي وقدمت في إحدى الندوات التي عقدت في مقر القرويين بمدينة فاس بحثا عن دور القرويين فى إغناء الفكر الاسلامى..

وكانت أهم الندوات تعقد في مقر القرويين بفاس وعندما يكون الإنسان في فاس لا بد إلا أن يشعر بتاريخ هذه المدينة العريقة وبالتقاليد الفاسية الأصيلة, والشخصية الفاسية متميزة بخصائص واضحة في سلوكها وقيمها , وهي أكثر حضارة ,  وتملك قابليات لقبول الجديد من الأفكار والتقاليد , وكان علماء فاس يخظون بالتقدير والاحترام فى المغرب كله,  ويحترم رأيهم ويستشارون في القضايا العامة , وكانت تربطني صلة وثيقة بعلماء فاس ومثقفيها وأساتذة الجامعات فيها ,واشيد بجهد  عمداء القرويين مولاي عبد الواحدالعلوي والحاج أحمد بنشقرون والدكتورمحمد يسف , ورؤساء الجامعة الدكتورادريس العلوي العبدلاوي والدكتورعبد الوهاب التازي , وكنت من خلال مشاركتي في مجلس جامعة القرويين أعبر عن آرائي فيما يتعلق بضرورة إحياء دور القرويين وتجديد مناهجها والعناية بتكوين أساتذتها , وكان معظمهم من خريجي دار الحديث الحسنية ….

وقد شاركت في مؤتمر بمدينة فاس عن دور القرويين في خدمة الفكر الإسلامي وأعددت دراسة عن هذا الموضوع وشاركت جامعة الأزهر في هذا المؤتمر , كما شاركت منظمة الايسيسكوالإسلامية فيه , وما زلت أؤمن بأن القرويين يمكن أن تسهم بطريقة كبيرة في التعريف بتراث المغرب وإسهام المغاربة في خدمة الفكر الإسلامي ,وأشجع المغرب على الاهتمام بالقرويين وإعادة الاعتبار إليها وإحياء دورها العلمى والثقافى…

والقرويين ليست مجرد جامعة كبقية الجامعات وإنما يجب أن تكون معلمة إسلامية تضم كليات ومعاهد ومراكز بحوث إسلامية ومكتبات ويمكن للقرويين أن تشرف على دار الحديث الحسنية وشعب الدراسات الإسلامية وكل المؤسسات العلمية الإسلامية في المغرب , وهذا أقوى لهذه المؤسسات وأثبت لها  ولا يمكن لأية مؤسسات صغيرة أن تصمد أمام التحديات إلا بانتمائها إلى مؤسسة كبرى جامعة لما تفرق من المؤسسات , وتكون للقرويين شخصية اعتبارية مستقلة ومجلس أعلى يتولى أمر الإشراف على مؤسسة القرويين بكل فروعها وأقسامها وما يتفرع عنها من معاهد شرعية وهيئات علمية للبحث والفتوى …

وكنت أدافع عن هذه الفكرة باستمرار مع المسؤولين المغاربة في كل مناسبة,  وطرحت هذه الفكرة أمام الحسن الثاني  رحمه الله عندما استقبلني لأول مرة يوم تعييني كمدير لدار الحديث , وقد كان الملك سعيداً وهو يسمع اقتراحي حول مستقبل القرويين , وأبلغني أن هذا الاقتراح جدير بالدراسة والاهتمام ثم شغل عن هذا الموضوع فيما بعد,  وآمل أن يتحقق هذا الأمل في المستقبل وأن تأخذ القرويين ما تستحق من اهتمام وأن تستعيد مكانتها كجامعة رائدة ذات تاريخ عريق ..

وكانت كليات القرويين في تطوان ومراكش وأكادير تؤدي دورها العلمي و الإسلامي وقد حضرت بعض هذه النشاطات، وبخاصة في مدينة تطوان، وكانت كلية  أصول الدين تتمتع بشهرة جيدة، وتضم نخبة ممتازة من علماء المغرب ، وكان عميد الكلية الأستاذ : محمد حدو أمزيان، ثم تولى العمادة من بعده الدكتور إدريس خليفة، وكان من العلماء الشباب الذين يتمتعون بسمعة طيبة , وقد أشرفت على أطروحته في الدكتوراه ، كما أشرفت على أطروحات عدد من أساتذة هذه الكلية، من أمثال الدكتور إبراهيم بن الصديق الغماري والدكتور  الحبيب التيجكاني ومحمد بنيعيش, وهؤلاء من الرموز العلمية المتميزة والملتزمة التي أسهمت في إحداث نهضة علمية في تطوان وفي منطقة الشمال……

وتتميز مدينة تطوان بعلمائها وبتاريخها الوطني، وأدت كلية اللغة العربية في مراكش دوراً هاماً في دعم الثقافة العربية والإسلامية في منطقة الجنوب الغنية بتراثها الإسلامي، ولما أحدثت كلية للشريعة في أغادير وهي كلية ناشئة، كان لها أثر جيد في تعميق الثقافة الإسلامية وفي تكوين جيل معتز بثقافته، ويتمسك الناس في منطقة الجنوب بالتقاليد المغربية الأصيلة، وعندما كنت أزور هذه المنطقة المعروفة باسم “سوس” كنت أشعر بأصالة هذه المنطقة وتمسك سكانها بالإسلام واعتزازهم بتاريخ المغرب، ومازالت المدارس العتيقة قائمة ومستمرة في المدن الجنوبية العريقة مثل :تار ودانت التاريخية التي تقع في سفوح جبال الأطلس وتزنيت الجميلة ، وقد قمت بزيارة معظم هذه المدن التاريخية القديمة في الجنوب…


 

( الزيارات : 1٬977 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *